قضايا الدعوة والدولة في مقاربات الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية
    

عرض: ميثم حاتم

 

    لعل أكثر الموضوعات الإشكالية التي تناولتها أدبيات الحركات الإسلامية المعاصرة هو موضوع العلاقة بين الدعوة الإسلامية والدولة الإسلامية. و ينطبق هذا على كل الجماعات الإسلامية التي تمارس العمل الديني الدعوي من جهة، وتهدف الى تطبيق الشريعة الإسلامية؛ في إطار دولة إسلامية حديثة، ومايرافق هذا الهدف من إشكاليات كثيرة ترتبط بمتطلبات الزمان والمكان، والتكييفات الفقهية والفكرية من جهة أخرى.

    ولم يخرج حزب الدعوة الإسلامية عن دائرة هذه الإشكاليات والأزمات، كما لم تخرج الدولة العراقية بعد العام 2003 عنها. ولذلك ظل هذا الواقع الإشكالي؛ في بعديه النظري والتطبيقي بحاجة الى مزيد من الحراك الفكري؛ بهدف إخراج الدعوة والدولة من دوامة الأزمات التي ترافق عمل الدعوة في إطار الدولة المعاصرة بكل لوازمها القانونية الدستورية والدولية، كما ترافق حركة الدولة في إطار رؤية الدعوة المتمسكة بالأصول والقواعد الشرعية.

     و قد قارب الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية السيد نوري المالكي هذه الإشكالية المركّبة في عدد من الدراسات والكلمات؛ جمعها في كتاب "رؤى في الحركة الإسلامية والعلاقة بالدولة"، والذي صدر مؤخراً في بيروت عن مركز دراسات المشرق العربي.

     هذا الكتاب بفصوله الأربع وصفحاته المائتين هو حصيلة نتاج السيد نوري المالكي البحثي في الفترة من 2015 وحتى العام 2017. وتنبع أهمية هذه البحوث من كونها تجمع بين الجانب المعرفي والفكري لرجل الحزب الأول، و التجربة العملية التي تقررها المسؤولية التنفيذية الأولى في الدولة. أي أنها ليست كتابات نظرية أو تنظيرية؛ بل هي مقاربات فكرية من موقع المسؤولية والدراية بواقع الدعوة والدولة معاً، ومفاصلهما ومجالات حركتهما. فقد ظل السيد نوري المالكي أميناً عاماً لحزب الدعوة الإسلامية منذ العام 2007؛ بالتزامن مع ثماني سنوات كان فيها رئيساً لوزراء العراق وقائداً عاماً لقواته المسلحة، ثم في موقعه نائباً لرئيس الجمهورية. أي أن السيد المالكي حينما يقارب فكرياً موضوعات الدعوة والدولة، وواقعهما ومسارات تطويرهما ومشاكلهما الفكرية والعملية وآفاق حلولها؛ إنما ينطلق من المعرفة الفكرية والمعايشة العملية المباشرة من جهة، ومن منطلق مسؤولية رجل الدعوة والدولة من جهة أخرى.

     حمل الفصل الاول عنوان: "الحركات الإسلامية والمشاركة في الحكم"، وقد استعرض فيه الأمين العام لحزب الدعوة تجارب الإسلاميين المعاصرة في المشاركة في الحكم، ثم ركّز على تجربة حزب الدعوة الإسلامية وأعضائه، وأشار الى ما لها وما عليها، واستشرف مستقبل علاقة الإسلاميين بالدولة العراقية.

      وفي الفصل الثاني: "العودة الى الدعوة" قارب السيد نوري المالكي مضمون دعوته التي أطلقها لمراجعة فكر حزب الدعوة ومسيرته و سلوك أعضائه؛ و تحديداً في مرحلة ممارسة الحكم في العراق بعد العام 2003 م، وماهية "الدعوة" ونظريتها الثابتة، وضرورات ومشروع المراجعة في مساحة المتغيرات، ودوافعه وأهدافه و وسائله. ثم لخّص دعوته للمراجعة في مقال "الدعوة والقدرة المستمرة على المراجعة"، والذي ألحق بنهاية الفصل.

     وتضمن الفصل الثالث مقاربات حول الأزمات الفكرية التي تعاني منها الأمة الإسلامية وما يترشح عنه من إشكاليات، ولاسيما مايرتبط بموضوعات التكفير وحركاته وجذوره الايديولوجية والسياسية، والوحدة الإسلامية وأهمية التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية، وتكامل الحوزة العلمية والجامعات، وعقبة التطرف والتخلف أمام مشاروع التحديث الحضاري الإسلامي.

    وتخصص الفصل الرابع في قراءة واقع الدولة العراقية ومؤسساتها، وأهمية الإنتقال الى مستقبل تتضائل فيه المشاكل والأزمات.. مستقبل آمن ومرفه ومتطورعلى الصعد كافة، ولاسيما صعيد البحث العلمي والتعليم العالي وعلاقته بالتنمية الشاملة، ودور الجامعات في إعادة بناء البلاد.

    ولعل ماكتبه الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية السيد نوري المالكي في هذا الكتاب؛ يعد أحد أهم النتاجات الفكرية التي صدرت عن الحركات الإسلامية العراقية بعد العام 2003، وهو أنموذج لمحاولات التكييف الفكري المتجدد الذي يتعامل مع الواقع الذي أفرزه تأسيس العراق الجديد.

محرر الموقع : 2018 - 08 - 14