الحرب التي أولدت حروب
    

المتتبع لأحداث التاريخ , سوف يتلمس الكثير من أسباب أحداث اليوم , والعديد من السلوكيات  في مجتمعنا , ترجع في جذورها الى أحداث حدثت في عمق التاريخ. كما من الملاحظ أن هناك أحداث تركت بصمات واضحه على مسيرة الشعوب و خلفت تداعيات خطيره ومزمنه على مد الزمن . هذه التداعيات منها ما يتضاعف على مرور الوقت بفعل محركات ومشغلات تعمل على تأجيجها عن طريق أضافة دواعي وأسباب تؤجج الحدث الأول ,بل توسعه الى أبعد مدى بدوافع ينتجها المتأخرون الذين يبغون أستثمار أحداث تاريخيه لحاضر يصب في مصلحة مستثمريها الجدد, من هذه الأحداث التي أمتددت اثارها الى اليوم , وهي بالحقيقه أثار لها أبلغ الأثر السلبي على مجتمعاتنا , والتي ساهمت في تمزيقه , وأنتاج حروبه , وتقاطع سياساته, أنها حرب الجمل, هذه الحرب التي أسست لحروب , والتي كانت فتنه عمياء  شقت عصا المسلمين الى يومنا هذا.

تكمن خطورة هذه المعركه في نوع المشتركين فيها , وما تشكل هذه الشخصيات من أثر كبير على تصورات وقناعات المجتمع الحالي , فمثلآ أن أحد أطراف هذه المعركه هي زوجة الرسول محمد (ص) ومن معها وعلى رأسهم طلحه والزبيروهما صحابيان , أما الجانب الأخر فكان يتمثل بخليفة رسول الله علي بن أبي طالب (ع) . الطرف الأول يتهم الطرف الثاني بقتل الخليفه عثمان بن عفان , وهو أدعاء يبطله التاريخ وبشهادة عائشه زوج الرسول (ص) حيث قالت عندما قتل عثمان وكانت هي في مكه فقالت قولها كما ينقله المدائني في كتاب الجمل( فهي لم تكن تشك بأن طلحه هو صاحب الأمر) , وأن لم يقتله , فكان هو والزبير من أشد المؤلبين عليه وأشدهما كان طلحه, بل هي عائشه كانت أحد المحرضين حيث كانت تقول (أقتلوا نعثلآ فقد كفر), أنها مأساة أن القاتل أو الداعي الى القتل يطالب بالقصاص من بريء , بل كان علي بن أبي طالب (ع) من الرافضين لقتله بل هناك من الأخبارمن تقول أن الأمام علي أرسل الحسن والحسين (ع) للدفاع عنه عندما هجمت الجماهير عليه وقتلته , وهي جماهير أغلبها جاءت من مصر.

أنها الفتنه وهذا ما توقعه الأمام (ع) والذي حاول وبكل جهد تجنبها عبر أشخاص من أنصاره حيث أرسل عثمان بن حنيف والي الأمام في البصره أبو ألأسود الدؤلي فتكلم مع عائشه ولم تستجب , وذهب عثمان بن حنيف وتكلم معهم لأقناعهم بالرجوع فأبوا ودخلوا معه في معركه تسمى معركة (الجمل الأولى) كما تدخل الأحنف بن قيس وحاول أن يثني أمرها بالحرب فأبت الا الحرب , ووصل الأمام الى البصره ودعا اليه الزبير وذكره بكلام للنبي فرجع معتزلآ للمعركه لكن أبنه عيره بالجبن فأرجعته العصبيه القبليه التي لم يتخلصوا منها , وكلم علي (ع) طلحه ولكنه كان مصرآ على الحرب , ولم يكتفي الأمام بذلك فأرسل لهم شاب وبيده القرآن مرفوعآ لعلهم يراجعوا أنفسهم فقطعوا له يديه وقتلوه, وهنا  بذل الأمام كل ما في وسعه لحقن دماء المسلمين , وتجنب ما تفضيه هذه المعركه من أضرار على كل الأصعده , ولكن جرت الرياح بما لا يشتهي الأمام (ع).

من الملاحظ أن أصرار الطرف الأول على أعلان الحرب له دافعان , وهذان الدافعان هما من أكبر محركات الحروب في التاريخ وخاصه عالمنا العربي والأسلامي , وهي علل وسمات شخصيه لفاعلي الحروب . هذه الصفات هي الطوحات الشخصيه النازعه للأستئثار وهذا ما يتمثل بشخص طلحه والزبير في جموحهم للسلطه , والحسد والحقد المتمثل بعائشه وهذا ما نبه به رسول الله (ص) عائشه حين قال لها عندما جاءت لأنتزاعه من علي في وقت كانا يتناجيان فقال ( أرجعي وراءك والله لا يبغضه أحد من الناس الا وهو خارج من الأيمان ). هذين الصفتين الأنانيه والحسد كانت دومآ من مشغلات الفتن والحروب والأنقسامات في المجتمع , وما نعانيه اليوم من دومات الصراع هو بتأثير هذين العاملين.التاريخ أرخ مقولة عائشه عندما أنتخب الناس عليآ (ع) قالت قولتها المشهوره (تعسوا). أنه الحقد والكراهيه اللذان أشعلى الحروب , وزرعت الأحقاد في الأجيال , ونعيش تداعيتها الى يومنا هذا.

حرب الجمل التي حدثت بين الشرعيه الدينيه والسياسيه وبين الطامعين بالسلطه والمال والجاه ,هو من زرع تاريخنا بالمفخخات وعبده بالمتفجرات , ونسجه بالكراهيه والأحقاد . طبعآ لم يكن السبب في ذلك المشعلين للفتنه (طلحه-الزبير-عائشه) وحدهم بل المروجين لها اليوم والنابشين لها , بل أحمل كذلك النخب العلميه الذين لم يتناولوا هذه الحادثه ويحللوها بمعايير العلم والموضوعيه فيظروا الحق لكي يتبع ويبرزا الباطل لكي يغادره الجمهور الى الأبد وبالتالي نصنع للأجيال تاريخ فيه من الأيجابيه الكثير , وهذا ما يذكرني بمقولة أستاذة المنهج التاريخي بجامعة تكساس الدكتوره غريتشن آدمز حيث قالت(من أجل بناء مستقبل جديد, نحتاج الى بناء ماض جديد) . تاريخ لا يساهم بتفجير الحاضر , وتلغيم المستقبل.

أنها دعوه لكل من يطمح لبناء مجتمع خالي من العقد ,عليه أن يحلل التاريخ بمعيار الموضوعيه وبما يخدم المستقبل ,فيكون التاريخ درس وعبره وليس مفخخات جاهزه للأنفجار متى ما أراد الأشرار نزع فتيلها.

معركة الجمل أظهرت لنا قائد تواق للسلام والبناء وهو الأمام علي (ع) ويظهر ذلك من خلال قوله لعائشه عندما حسمت المعركه له وأنهزم أصحاب الجمل (ياأماه ما أنصفوكي أذ صانوا نساءهم وأخرجوكي) فأكرمها وسير معها أخوها عبد الله ومجموعه من نساء المسلمين . هذه الشخصيه البناءه لعلي (ع) هي ما ينبغي أن تكون أمثولة الأجيال ورمزآ للعمل والسلام , وهو ما ينبغي أن يكون في مناهجنا التربويه الرمز والقدوه, في حين ينبغي أفتضاح كل عناصر السوء بالتاريخ  وهم كثيرون , وهم محاطون بسياج العصمه والبسوهم لباس التقديس وهم مجرمون من الطراز الأول ,وخلق مشاعر الأشمئزاز الجماهيري منهم لأنهم يمثلوا صورة الدم المسفوك جرمآ على مدى الزمان والخراب وكل ما هو سلبي بالحياة , وهذه تحتاج الى جرءه وصراحه من قبل العاملين في حقل التاريخ لكي نتخلص من دوامة التقديس الزائف لشخصيات طالما البسوها لباس التقوى وهي في حقيقتها تمثل الشر بعينه والخراب بأجلى صوره , وهذا ما ساهم بطمس الحقيقه وتأسيس التزوير والخداع في التاريخ,مما كرس حالة التجهيل في الأوساط الجماهيريه في عبادة الشخصيه , وكان لهذا الأثر الكبير بأن شعوبنا فقدت بوصلة الأبحار الى شواطئ السلامه.

أياد الزهيري

 

محرر الموقع : 2018 - 08 - 17