عراقيون يطلبون اللجوء في السويد وآخرون يصطافون كسياح فيها
    

 أُصاب بالحيرة عندما يسألني سويدي: ماذا يحدث في العراق؟ مَن ضد مَن؟ من الضحية الآن؟ ومَن هو الجلاد؟ لماذا هناك الآف من العراقيين ينتظرون الحصول على اللجوء في السويد، فيما آخرون من نفس البلد يأتون كسيّاح للاصطياف فيها؟

أسئلة كثيرة طرحها عليّ طبيب سويدي راجعته قبل أيام، عالج قبلي بإسبوع سائحا عراقيّا كان يعاني من ألم شديد في الظهر، جاء الى السويد من أقليم كردستان العراق في زيارة إستغرقت ثلاثة أسابيع. فتولدت لديه علامات إستفهام كثيرة: كيف يأتي الى السويد سياح من العراق وبلدهم يحترق، وشاشات التلفزة لا تكف عن عرض حرائق لم يسلم منها أحدا!!

هل حقا هناك عراقيون يسافرون للسياحة ويعودون بأمان الى العراق؟

لماذا لا يطلبون اللجوء وهم في السويد؟ خصوصا ان الأوضاع متفجرة في البلاد؟

قلت للطبيب: إذا كنّا نحن لم نعد نفهم ما يحدث، فكيف لك أن تفهم أنت؟

الأوضاع الحالية في العراق مليئة بالتناقضات. واحدة منها، هي أن مئات العوائل التي تعيش في إقليم كردستان العراق، وجدت في الإستقرار الذي يسود المنطقة، فرصة ثمينة، للحصول على تأشيرات سياحية من قنصليات وسفارات الدول الأوروبية، خصوصا في الصيف اللهاب هناك، الذي قد تصل درجات الحرارة فيه أحيانا الى حوالي 50 درجة مئوية، فتقوم بجولات سياحية في العديد من الدول الأوروبية، منها السويد التي يقصدونها أولا لزيارة أقاربهم فيها، في وقت يصارع العديد من الناس في مناطق اخرى من اجل البقاء!

أغلب السياح يحصلون على تأشيرات سفر عن طريق وسطاء متنفذين يعملون في القنصليات والسفارات الأجنبية في أربيل وبغداد، وفي حالات أقل بشكل رسمي. كما ان العديد من الكنائس في المنطقة تنظم سفرات الى الأماكن الدينية في أوروبا، يجدها الكثير من المسافرين فرصة لا يمكن التفريط فيها في زيارة الدول الأخرى التي تقع ضمن منظومة شينغن، بعد إنتهاء برنامج الزيارة الدينية.

يحدث ذلك، في وقت تزداد فيه طلبات لجوء العراقيين الى البلاد، خصوصا بعد تفجر الأوضاع في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى، وهي المحافظات التي إعتبرتها مصلحة الهجرة بأنها تشهد صراعا مسلحا، وهو تعبير قانوني يتيح في حالات خاصة منح الإقامات للقادمين من هناك.

رائحة العُشب السويدي ذكرته بالعراق في زمن الخير ..!

أنور قارمان يبلغ من العمر 63 عاما، لم يخرج في حياته من العراق، سوى هذه المرة، قال لـ " الكومبس " من ستوكهولم قرب بحيرة هيسلبي وهو يقضي وقتا ممتعا مع أقاربه : " مشاعر متناقضة تنتابني في هذه الأيام، فمن ناحية أنا سعيد للغاية لانني حظيت بفرصة قد لا تتكرر بزيارة عائلة شقيقي في ستوكهولم، والتجول في عدة دول أوروبية، ومن ناحية ثانية، عندما أشم رائحة العشب الأخضر من البيوت، وأرى الخضار، تعود بيّ الذاكرة الى أيام الخير في بلدي، حيث كنّا نعيش أفضل من الآن، وكان لدينا حياة مستقرة، رغم المشاكل السياسية".

قارمان واحد من المئات الذين يزورون السويد كل عام، ويعودون الى بلادهم دون طلب اللجوء، وهو أمر يُعد نادرا وغير مسبوق في العقود الأخيرة بالنسبة الى العراقيين.

زيارة السويد فتحت عيوني على نمط حياة وتفكير مختلفين

غير بعيد من المكان الذي يجلس فيه قارمان، إلتقت " الكومبس " فخرية عارف، وهي سيدة في نهاية عقد الأربعينات، جاءت الى السويد مع زوجها وأطفالها الثلاثة عن طريق فيزة سياحية حصلت عليها من السفارة الجيكية في بغداد.

تقول فخرية: " زيارتي السويد فتحت عيوني ليس فقط على بلد آخر وحياة مختلفة، بل على نمط تفكير وعيش مختلفة، ترتكز على المحتوى وتنبذ المظاهر والقشور التي أصابت مجتمعنا".

تضيف: " ما أن خرجنا من تداعيات الحروب ومشاكلها، وتوفرت لدينا فرصة جديدة للحياة، حتى غزت مجتمعنا قيم الإستهلاك والبذخ والكسل والمظاهر السطحية في اللبس والبناء وحتى في العلاقات الإجتماعية، وما أراه هنا مختلف تماما، فالاهتمام الأول والأخير ينصب على المحتوى والإنسان والجوهر".

معلومات وحقائق

- لا تمنح مصلحة الهجرة السويدية، منذ سنوات عديدة، الإقامات لطالبي اللجوء من محافظات إقليم كردستان العراق.

- يوجد للسويد سفارة في بغداد، وقنصلية في أربيل، لا تمنحا تأشيرات دخول الى المسافرين، الذين يُضطرون الى إجراء مقابلات في السفارات السويدية في البلدان المجاورة.

- رغم الأوضاع السائدة في العراق الآن، لم تعلن السويد فتح باب اللجوء الى العراقيين، كما يحدث مع السوريين.

 

نزار عسكر

الكومبس

محرر الموقع : 2014 - 07 - 24