الأسلحة الكيماوية والبيولوجية أكبر تهديدات القرن الحادي والعشرين.. فما هي؟ ومن يمتلكها؟
    

 لم يعد هناك مجالٌ للشك في أن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية واحدةٌ من أكبر تهديدات القرن الحالي. ولطالما كان سعي الدول إلى أن تكون لها اليد العليا في أي صراع هو المحرك الرئيسي لسباق التسلُّح، فتتحول الموارد التي كان من الممكن أن تفيد في توفير الحاجات الأساسية للمجتمع نحو صناعة أسلحة فتاكة، لردع الخصوم والأعداء. 

 

ولكن ما لم تدركه البشرية هو أن ما يضر إنساناً آخر من المحتمل أن يرتدّ عليها بعواقب مماثلة. 

 

هذا التعصب الذي أظهرته الدول الحريصة على التسلّح هو ما أدى إلى نتائج مدمِّرة لجودة الحياة التي يعيشها البشر على سطح الكوكب. 

 

والآن، أكثر من أي وقت مضى، يواجه البشر خطر التصفية الشاملة في حال اندلاع حرب تقرِّر فيها الدول المتحاربة استخدام تلك الأسلحة.

 

الحرب الكيماوية

يشير مصطلح الحرب الكيماوية إلى استخدام المواد الكيماوية السامة كأسلحة. 

 

وتُصنَّف الأسلحة الكيماوية، إلى جانب الأسلحة البيولوجية والنووية، ضمن “أسلحة الدمار الشامل”. 

 

يصل إجمالي المواد الكيميائية التي استُخدمت من قبلُ كسلاح كيماوي إلى 70 مادة كيميائية، بحسب ما نشره موقع World Atlas الكندي.

 

المرة الأولى التي استُخدِمَ فيها سلاحٌ كيماوي في أحد الحروب كان بألمانيا عام 1924، عندما أطلق الجيش الألماني غاز الكلور في الهواء. 

 

ومن حينها، عملت الدول على تحويل مختلف أشكال العناصر الكيميائية إلى أسلحة مدمرة تسببت في كثير من المعاناة والألم على مر السنين. 

 

وفيما يلي، مجموعة من أخطر الأسلحة الكيماوية التي طوَّرها البشر:

 

غاز الأعصاب (VX)

غاز الأعصاب، المعروف بـ “VX”، مركب صناعي سام يعمل على تثبيط وظائف الجسم الحيوية بسرعة كبيرة. 

 

ونتيجة لذلك، يموت الضحايا بالاختناق خلال بضع دقائق من التعرُّض لذلك الغاز، بناء على مقدار الجرعة التي تعرَّضوا لها. 

 

طُوِّرَ هذا الغاز في بريطانيا عام 1950، وبإمكانه أن يظل فعالاً على الأسطح أياماً. 

 

يُعتقد على نطاق واسع أن غاز الأعصاب استُخدم خلال الحرب العراقية-الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي. كما اغتيل كيم جونغ نام، الأخ غير الشقيق لرئيس كوريا الشمالية، بواسطة غاز الأعصاب “VX” عام 2017.

 

السارين 

يعتبر السارين السلاح الكيميائي الأكثر شيوعاً واستخداماً في عدد من الصراعات العالمية الحديثة. وهو سائل بلا لون ولا رائحة، يقتل ضحاياه خلال دقائق من التعرض لجرعات قاتلة منه. 

 

عند استنشاقه بكميات صغيرة، يتسبب في تدمير الجهاز العصبي بشكل دائم. اكتشفه العلماء الألمان عام 1938، واستخدم في عدد من الهجمات على الأكراد ب العراق، حيث قُتل 5.000 مدني باستخدام هذا السلاح الكيماوي. 

 

وأحدث الهجمات باستخدام السارين كانت في مدينة خان شيخون السورية يوم 4 أبريل/نيسان 2017، في غارة جوية لقوات الحكومة السورية، أسفرت عن مقتل ما يزيد على مئة شخص. 

 

غاز الخردل

اكتسب غاز الخردل مكانة بارزة بالحرب العالمية الأولى، ونشر الفزع والرعب في قلوب قوات الحلفاء بعد أن استخدمته القوات الألمانية عام 1917. 

 

إذ تسبب في ظهور بثور على جلد قوات الحلفاء فوراً، وأعمى آخرين، وقتل آلافاً.

 

طوَّر عالِم الكيمياء الألماني، فريتز هابر، الحاصل على جائزة نوبل، سلاح غاز الخردل عام 1915. 

 

وجاءت أحدث الهجمات التي استخدمت غاز الخردل عام 2016، عندما أطلقت ميليشيات تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) صاروخاً محمَّلاً بغاز الخردل على القوات الأمريكية في العراق.

 

الفوسجين

يعتبر الفوسجين من أخطر الأسلحة الكيماوية التي اخترعتها البشرية. استخدمه الألمان أول مرة ضد البريطانيين عام 1925؛ وهو ما أسفر عن مقتل 120 شخصاً وإصابة آلاف. 

 

كان الكيميائي البريطاني جون ديفي أول من توصَّل إلى غاز الفوسجين عام 1812، عن طريق تعريض خليط من الكلور وأول أكسيد الكربون لأشعة الشمس.

 

الحرب البيولوجية

يشير مصطلح الحرب البيولوجية إلى استخدام السموم البيولوجية أو الميكروبات المعدية بهدف إضعاف أو قتل البشر أو الحيوانات أو النباتات. 

 

وعكس الأسلحة النووية والكيماوية، يمكن تصميم وهندسة الأسلحة البيولوجية من أجل استهداف كيان معين دون الإضرار بكيانات أخرى. 

 

هناك أكثر من 1.200 عنصر بيولوجي تتسم بالقوة الكافية لاستخدامها كأسلحة بيولوجية. 

 

أول صراع يشهد استخدام سلاح بيولوجي كان خلال الحرب البريطانية ضد الهنود الأمريكيين، إذ نشرت بريطانيا مرض الجدري بين السكان الأصليين. ولا تقتصر الحروب البيولوجية على البشر، فهناك بعض الميكروبات، مثل الفطريات، مصممة بالهندسة الوراثية لمهاجمة النباتات بالأمراض. 

 

الآفات التي تصيب النباتات، مثل فطر انفجار الأرز، واللفحة المتأخرة الذي يصيب البطاطس والطماطم، والفطر السوادي، وفطر الصدأ الأسود، من الدلائل التي تُثبت استخدام الأسلحة البيولوجية ضد المحاصيل والنباتات. 

 

ويؤدي الهجوم على المحاصيل إلى حدوث مجاعات قد ترجِّح الحرب كافة لحساب الطرف الآخر. 

 

وللأسف، تكتسب الحروب البيولوجية زخماً كبيراً، بسبب سهولة الوصول إلى المعلومات على الإنترنت. 

 

يوضِّح الإنترنت للجماعات الإرهابية، التي قد تكون أصغر من أن تشكِّل أي تهديد، كيف يضعون أيديهم على الصيغ والمعادلات اللازمة لنشر سلاح بيولوجي. في أي عصر آخر، ستكون هذه المعلومات فائقة السرية وبعيداً عن متناول أحد.

 

الأسلحة البيولوجية الأكثر شيوعاً

تعتبر “الجمرة الخبيثة” أشهر الأسلحة البيولوجية وأكثرها استخداماً خلال القرن الماضي. وهي نتيجة الإصابة بـ “البكتيريا العصوية الجمرية“، ويهاجم المرض البشر والحيوانات، ويوجد في التربة على هيئة جراثيم. 

 

من الصعب تدمير تلك الجراثيم، ويمكنها أن تظل كامنة نحو 50 عاماً.

 

وتعتبر الذيفان السجقية (كلوستريديوم بوتولينيوم) من الأسلحة البيولوجية الخطيرة الأخرى التي يمكنها الانتشار عبر الهواء أو المياه أو الطعام. 

 

غرامٌ واحد من هذا السم كفيل بقتل مليون شخص عند استنشاقه. واستخدمته اليابان ضد الصينيين في احتلال منطقة منشوريا الصينية.

 

كاد الجدري يقضي على الجنس البشري في القرن العشرين، قبل التوصل إلى الأمصال التي وضعت المرض تحت السيطرة. ولكن ذلك لم يمنع البشر من إجراء التجارب والمحاولات لاستخدامه كسلاح بيولوجي. ويُعتَقَد أن روسيا تمتلك فيروسات جدري مجمدة داخل حدودها معدّة للإطلاق.

 

واستخدم جرثومة التولاريميا (حمى الأرنب أو حمى ذبابة الغزلان) الجيش السوفييتي ضد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. 

 

ومنذ ذلك الحين، بدأت الحكومات إجراء الأبحاث عن البكتيريا الفرنسيسيلة التولارية؛ في محاولات لتحسين فاعليتها واستخدامها كسلاح بيولوجي.

 

واستُخدِمَ الطاعون كسلاح بيولوجي، أول مرة، ضد المدنيين الصينيين في منطقة منشوريا، وقتل آلافاً. وأُجرِيَت أيضاً عديد من الأبحاث في محاولة لتطوير فاعلية الوباء، وكانت أنجح المحاولات حين توصَّل الروس إلى الهندسة الوراثية لسلالة جديدة من بكتيريا اليرسينيا الطاعونية، وهي مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية المعروفة.

 

هناك أمراضٌ وبائية أخرى، مثل فيروس الإيبولا، يصعب تحويلها إلى سلاح دمار شامل لحسن الحظ، إذ تحتاج كثيراً من الوقت والموارد لاستنباتها بكميات كبيرة.

 

ومن المعروف أن علماء الاتحاد السوفييتي سابقاً توصَّلوا إلى إمكانية استخدام فيروس ماربورغ كسلاح بيولوجي، لكن لا توجد أي سجلات رسمية تُظهِر استخدامه في أي مكان على سطح الأرض.

 

الحالات الحديثة للهجمات البيولوجية

أُلقِيَ القبض على ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم بأعمالٍ إرهابية في مانشستر، بإنجلترا، لإدارة مختبر تصنيع سم الريسين في شقتهم، بهدف الإضرار. 

 

وعُثِرَ على سم الريسين بغرفة بريد بيل فريست، زعيم أغلبية مجلس الشيوخ الأمريكي في ذلك الوقت. وأُلقِيَ القبض على شخصين في مينيسوتا بتهمة حيازة الريسين عام 1995، بهدف استخدامه ضد مسؤولين حكوميين. 

 

وفي 2001، تسلَّم نحو 22 شخصاً خطابات ملوثة بمسحوق الجمرة الخبيثة في صناديق بريدهم، تُوفي خمسة منهم بسبب مضاعفات الإصابة. واضطرت الحكومة إلى تطهير ثلاثة مبانٍ، وكلفت تلك الواقعة الحكومة الفيدرالية أكثر من مليار دولار. 

 

استخدام الأسلحة الكيميائية قديماً

لكن الأسلحة الكيميائية ليست وليدة عصرنا الحديث، فهي كانت موجودة في العصر القديم.

 

فقد كان دخان الزرنيخ معروفاً لدى الصينيين في عام 1000 ق.م، وتصف كتابات طائفة المويست في الصين استخدام الدخان الناتج عن حرق النباتات والخضراوات السامة في الأنفاق التي حفرها الجيش.

 

وتحتوي الكتابات الصينية الأخرى التي يرجع تاريخها إلى الفترة نفسها على مئات الوصفات لإنتاج الدخان السام أو المُهيِّج للاستخدام في الحرب، إلى جانب عديد من الروايات عن استخدامها.

 

في العصر الحديث المبكر اقترح ليوناردو دافينشي استخدام مسحوق من الكبريتيد والزرنيخ تحديداً في القرن الخامس عشر، ومن خلال رمي السم بين سفن العدو، فإنه سيؤذي كل من يتنفسون، ويستنشقون المسحوق، ومن غير المعروف ما إذا كان هذا المسحوق قد تم استخدامه بالفعل أم لا.

 

وفي عام 1672، استخدم كريستوف برنهارد فون جالين، أسقف مونستر الألمانية، خلال حصاره مدينة جرونينجن الهولندية، عديداً من المواد المتفجرة والحارقة، التي كان بعضها يحتوي على عبوة شملت “ديث نايت شايد”، والتي تنتج أبخرة سامة.

 

 البلدان صاحبة أكبر مخزون من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية

على الرغم من توقيع كثير من المعاهدات الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، لا تزال عديد من الدول تحتفظ بالأسلحة، أو تعمل على تطويرها سراً لتصبح إجراءً دفاعياً ضد أي أعداء في المستقبل. 

 

وبرغم انضمام أكثر من 190 عضواً في معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية، لا تتمكن المعاهدة من منع تطوير تلك الأسلحة. 

 

أعلنت ثلاث دول فقط عن مخزونها من الأسلحة الكيماوية، وهي الولايات المتحدة، التي تزعم امتلاك 31 ألف طن من الأسلحة الكيماوية، وزعمت روسيا امتلاك 40 ألف طن، وإيران تزعم امتلاك مئات الأطنان. 

 

ويُعتقد أن دولاً مثل الصين ومصر والهند وكوبا وألبانيا تعمل سراً على تطوير أسلحة كيماوية وبيولوجية في منشآت خاضعة لحماية مشددة. 

 

وهناك نحو 16 دولة حول العالم يُشتَبَه في امتلاكها أسلحة بيولوجية.

 

لا تزال التهديدات قائمة

وقَّعت عديد من الدول على معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية وغيرها من المعاهدات الدولية، إلا أن هناك دائماً حالةً من انعدام الثقة بين الدول. لا توجد طريقة تضمن امتثال الدول والتزامها. 

 

وانعدام الثقة يسهم في تسريع وتيرة تطوير مزيد من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية الفتاكة. 

 

ولأن الأسلحة النووية تنال الجزء الأكبر من الاهتمام، من الممكن أن تستفيد الجماعات الإرهابية الصغيرة من بعض الثغرات للحصول على تلك الأسلحة وتخزينها، لاستخدامها في قتل المدنيين الأبرياء. 

 

وفي تلك المرحلة، من المستحيل توقُّع اختيار أي دولةٍ تدمير أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها طواعية. وذلك ببساطة لحقيقة زيادة الميزانية العسكرية للدول الأكثر تسلحاً في كل عام. 

 

وهذا يدفعنا إلى التساؤل: مَن العدو؟ الولايات المتحدة وروسيا لديهما وحدهما ما يكفي من أسلحة الدمار الشامل لمحو مظاهر الحياة كافة من على سطح الكوكب. 

 

تتذرع الدولتان بأن امتلاك تلك الأسلحة يمثّل رادعاً لأي صراع عالمي واسع النطاق، ولكنه ليس سوى عذر أقبح من ذنب، لإبقاء سيطرتهما على الموارد.

محرر الموقع : 2020 - 02 - 14