المحاصصة في نزعها الأخير والحكمة أول الناجين؟
    

 

رسل جمال
 
الصيرورة هو مبدأ الحياة الاول، هو الامان ونفحة الامل الذي يُخبرك ان الأمور لن تبقى عالقة في المنتصف، لأنها تمضي نحو التغير والتبدل، هو سر التقدم والتطور، لأن الركود والجمود تعني الموت.
لذلك الحالة التراكمية لأي فعالية انسانية، بمجالاتها المختلفة سواء كانت سياسية او اجتماعية، يضفي عليها المزيد من الثراء المعرفي، مع الحالة التجريبية المتكررة، تتساقط بمرور الوقت الاخطاء وتتشخص مواطن الضعف.
الوصول الى استنتاجات صحيحة ومعادلة نهائية صائبة لايتم الا بعد المرور بتركة ثقيلة من الاخطاء.
فالممارسات الخاطئة والستراتيجيات الضيقة، والمنهج المعوج، ينتج بالنهاية كارثة!
كذلك العملية السياسية بعد (٢٠٠٣) تبانت  على مبدأ المشاركة الديمقراطية، التي تضمن تمثيل كل المكونات، والتي انتهت الى تمثيل محصاصتي بأمتياز، وترسخ مفهوم الوزارات الحزبية هكذا فُقد الولاء الوظيفي وحل محله الولاء الحزبي، نتيجة لتجذر المحاصصة، واصبحت تلك الوزارات بدل ان تعمل للصالح العام اصبحت مشاريع استثمارية لتمويل الاحزاب وضمان بقاءها!
لذلك ارتبط مفهوم تقسيم الكعكة(المحاصصة) بمفهوم بقاء النفس الحزبي، لذلك نرى تلك القوى السياسية تقاتل من اجل الحصول على مغنم وزاري هنا، او منصب بدرجة خاصة هناك، الامر الذي ابعد الكفاءة واصحاب الاختصاص المستقلين، من واجهة العمل الحكومي الوظيفي، وجعلهم على الهامش، وهذا بدوره أوصل العراق، الى تدهور لم  يشهد مثيله قبل بكافة المجالات الزراعية منها والصناعية، و تحول من بلد منتجاً الى مستهلك.
لكن مايدعو للتفاءل هو العودة الى مبدأ التغيير والتجديد(الصيرورة) الذي تناولناه في بداية المقال، فبعد مرور ١٥ عاماً من صراع المحاصصة يبدو انها اُنهكت أخيراً، وهي الان في نزعها الأخير.
يثمل هذا الصراع الاخير، اوضح تمثيل في طريقة تشكيل الحكومة العراقية الحالية، والتي تسامت على مفهوم الكتلة الأكبر، اذ جرت سنة العمل السياسي ان يخرج رئيس الوزراء من بين صفوفها، كأستحقاق انتخابي، الأ ان الخطاب المرجعي هذه المرة كان له رأي اخر، اذ شدد على ضرورة ان يكون رئيس الوزراء مستقل، لضمان الحصول على مباركتها.
هكذا وقع الأختيار على شخص السيد عادل عبد المهدي، كمستقل اضافة الى كونه يحظى بمقبولية من جميع الاطراف لابأس بها، قياساً بغيره من الشخصيات، ان التغيير في ملامح العملية السياسية العراقية، تكاد تكون ابرز وجوها في أمرين الأول اختيار السيد برهم صالح رئيساً للجمهورية، كونه اكثر شخصية تمثل المكون الكردي انفتاحاً على الاخر، ذات نهج وخطاب وطني اكثر منه قومي، الامر الثاني أختيار السيد مهدي المبتعد عن عالم السياسة منذ مدة ليست بالقليلة والاتفاق والاجماع على توليه منصب رئيس الوزراء، يعد انجازاً يحسب للعملية السياسية العراقية ونضوج واضح في الاداء .
 
ان اصرار السيد عادل على تشكيل كابينة حكومية، خالية من التبعية الحزبية، والتوزيع المكوناتي الضيق، يعد تحدي كبير وأمر ليس بالهين، بل هو ضرب وتهديم لأحلام  النائمين في خنادق المحاصصة.
 
لذلك فهو بحاجة (رئيس الوزراء) الى تعضيد هذه خطواته من بقية الشركاء السياسين، وعلى الجميع ان يُدرك حساسية المرحلة، وان يحذو حذو الحكمة  بنبذها الانا، ووضعها الانانية جانباً، في خطابها الاخير الذي أعلنت فيه انها تخول رئيس الوزراء بالتصرف في استحقاقها الانتخابي، بما يراه في الصالح العام.
هي مبادرة تنم عن الشعور بالمسؤولية من تيار سياسي، له عمق وثقل في الساحة العراقية تحسب له، وان دل على شيء تدل على ان الحكمة مؤمنة بحنكة رئيس الوزراء اولاً، وانها صاحبة مشروع اكبر من ان يتصاغر امام الاستحقاقات التي يتسابق الاخرون وراؤها، اي انه تيار ملئ بالافكار والروئ والتنموية، التي يجعلها مشغول في تطوير هيكليته وتأهيل رجالاته، لرفد المؤسسة الحكومية برجال دولة مدربين وفق معيار الكفاءة، اكثر من كونه ينتظر ان ينال وزارة ما.
 
 
 
 
 
محرر الموقع : 2018 - 10 - 20