الكفاءات العلمية العائدة لأرض الوطن: الوعود.. هي الشيء الوحيد الذي حصلنا عليه!
    

اقرأوا معي هذه الأرقام وتمعنوا فيها لتعرفوا معانيها.... 
اغتيال 500 طبيب عراقي بعد عام 2003 وقبل أن يستفزكم هذا الرقم نقول: إن 7000 طبيب عراقي تلقوا تهديدات لمغادرة البلاد وإلا فإن الاغتيال يُحيط بهم من أمامهم ومن خلفهم .
مهلاً... أكملوا القراءة لتعلموا أن نحو 5000 طبيب عراقي يعملون في مستشفيات لندن حتى أن أحــد مسؤولي الصحة في بريطانيا قال: لو غادر الأطباء العراقيون لندن لتوقف الكثير من المؤسسات الصحية في بريطانيا !

حسناً ... تتذكرون انه ومنذ سنوات سمعنا عن دعوة الكفاءات العراقية للعودة الى الوطن والمساهمة في بناء البلد ، وجاءت فعلا بعض تلك الكفاءات ... فماذا حصل؟ وكيف استقبل المسؤولون في الوزارات المعنية هذا القرار ، بل كيف استقبلوا الكفاءات العراقية العائدة؟
هذا ما سنتعرف عله في تحقيقنا الآتي :
ربما ظن بعضكم وبعد قراءة مقدمة موضوعي بأني أتحدث فقط عن الاطباء العراقيين المهاجرين ، لا طبعا إذ أن تحقيقي هذا يشمل كل الكفاءات العلمية وخاصة أساتذة الجامعات التي هاجرت، بل وهربت من العراق ، فما السبب؟
عــوز اقتصادي وضغوط نفسية
في البدء نقول : إن سبب هجرة الكفاءات العلمية العراقية إبان النظام السابق كان نتيجة العوز الاقتصادي والضغوط النفسية التي تتعرض لها الكفاءات العلمية، فقررت الهجرة الى بلدان العالم المختلفة، لكن بعد عام 2003 ، ما الذي حدث لتهاجر العقول والكفاءات العراقية؟
نقول : عودوا ألى الأرقام التي ذكرتها في بداية تحقيقي لتعرفوا السبب الذي يمكن تلخيصه بأنه نتيجة الاغتيالات والتهديدات التي تعرض لها الاساتذة والكفاءات العلمية هي التي كانت وراء الهجرة الاضطرارية من ارض الوطن باتجاه بلدان العالم ، ليخسر العراق خيرة كفاءاته العلمية إذ أن هجرة 7000 طبيب فقط بعد عام 2003 نتيجة التهديدات هو رقم كبير ومهول ، لذا كان لابد من إعادة هذه العقول المهاجرة الى ارض الوطن ، وفعلاً صدر قرار مجلس الوزراء الى الجهات المعنية بتسهيل اجراءات عودة تلك العقول العلمية الى بلدها العراق الحبيب ، لكن هل فعلا قامت تلك الوزارات المعنية بتسهيل عودة تلك العقول المهاجرة الى ارض الوطن؟
لنكمل القراءة ولنتعرف على الحقيقة أكثر فأكثر...
مَن هم أصحاب الكفاءات؟
لكن ... قبل الدخول الى التفاصيل لابد لنا من تعريف الكفاءة العلمية التي نستطيع تعريفها ببساطة بأن أصحاب الكفاءات العلمية ... هم حملة الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) وحملة شهادات الدبلوم العالي والأطباء الاختصاصيون والمهندسون من حملة الشهادات العليا ممن هاجر الى خارج العراق بسبب ممارسات النظام السابق او بسبب الوضع الأمني المتردي والاغتيالات والتهديدات التي تلقوها بعد عام 2003 .
إذن ... ماذا فعلت الجهات المختصة لعودة تلك الكفاءات العلمية الى ارض الوطن ؟ وهل فعلا وجدت الكفاءات الحضن الذي سيوفر لها الدفء بعد سنوات غربتها؟
في البدء نقول: ان الجهات المختصة التي نعنيها هي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالدرجة الاولى ، فماذا فعلت هذه الوزارة ؟ لنقرأ: 
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من جانبها أعلنت عن الضوابط والتعليمات الادارية لإعادة الكفاءات العراقية من الخارج، التي نصت على ان يكون المتقدم للتعيين او اعادة التعيين من حملة الشهادات العليا (دكتوراه، ماجستير، دبلوم عالي) او من الاطباء الاختصاص”، وان يكون الراغب بالعودة من الذين هاجروا الى خارج العراق بسبب ممارسات النظام السابق او غادروا لأسباب معيشية ولغاية 1/1/ 2008 على ان لا تقل مدة اقامتهم في الخارج عن سنة واحدة “.
كما نصت التعليمات على أن التقديم سيكون عن طريق اللجنة المركزية للنظر في عودة الكفاءات للمُشكـَّلة في مكتب وزير التعليم العالي والبحث العلمي بعد ملء الاستمارة الخاصة بذلك ويخضع بعدها للمقابلة ويُنسب للتشكيل بحسب قناعة اللجنة على وفق الحاجة والاختصاص ، وهنا تكمن المشكلة طبعا إذ أن الكثير من الكليات غالبا ما تتحجج بعدم الحاجة الى اختصاص هذا او ذاك .
ونصت التعليمات أيضا ان يصطحب الراغب بالتعيين مستمسكات منها تقديم بيان حاجة من احدى الجامعات، اما بالنسبة للراغبين بإعادة التعيين ضرورة تقديم خلاصة بخدماتهم لأجل تحديد الراتب والدرجة الوظيفية التي يستحقها المتقدم حسب القانون لكي تسهل عملية المناقلة بعد التعيين. 
قسم الكفاءات في وزارة الهجرة
هذا عن وزارة التعليم العالي ، فماذا فعلت وزارة الهجرة والمهجرين لاحتضان الكفاءات التي ربما تورطت في قرار عودتها إلى أرض الوطن كما ستقرأون ذلك بعد قليل.
نقول: وزارة الهجرة والمهجرين من جانبها شكـَّلت قسم الكفاءات الذي يُعــد الجهة المتخصصة في دائرة شؤون الهجرة التي تتبنى عملية التسهيل والتنسيق مع الجهات ذات الصلة لتأمين تنفيذ المقترحات ومنح الامتيازات وإعداد وتحضير التقارير الوصفية التي تعالج او تبحث قضايا تهم فئة الكفاءات العائدة.
أما المستمسكات المطلوبة لترويج المعاملة داخل الوزارة فهي: 
1- جواز سفر مثبت فيه تاريخ الخروج والدخول من والى العراق .
2- شهادة التخرج الأصلية .
3- قرار تقييم الشهادة صادر من دائرة البعثات والعلاقات الثقافية للحاصلين على شهادة التخرج من خارج العراق.
4- هوية الأحوال المدنية.
5- شهادة الجنسية العراقية .
6- بطاقة السكن أو تأييد المجلس البلدي.
حسناً ... هذا ما فعلته الجهات المختصة للمساعدة في عودة الكفاءات العلمية الى ارض الوطن ، فماذا وجدت العقول العلمية العائدة الى البلاد؟ وهل فعلا تم احتضانها من قبل الجهات المعنية؟
ماذا قـال العائدون؟
للإجابة على سؤالنا هذا كان لابد من اللقاء ببعض المشمولين بقرار إعادة العقول المهاجرة لمعرفة، هل فعلا تم تسهيل اجراءات عودتهم الى ارض الوطن؟
يحدثنا الدكتور خالد الساعدي العائد من غربة امتدت لنحو ثلاثين عاما في بريطانيا حيث يقول:
- كانت دعوة الحكومة لعودة الكفاءات العراقية الى الوطن بمثابة فتح باب كبير من أبواب الأمل والأحلام ، فنحن كنا نعيش نار الغربة ونتجرع آلامها يوميا، فالعيش بعيداً عن أحضان الوطن وبرغم كل المغريات، لا يمكن احتماله ، لذلك جاءت هذه الدعوة بمثابة الحافز الحقيقي الذي جعلنا نُسرع في حزم حقائبنا والتوجه نحو المطارات لنكون على موعد مع فرحة لقاء الأهل والأحبة وتقبيل تراب الوطن العظيم الذي ما فارقنا يوماً.. لكن! 
حين وصولنا واستقرارنا على ارض الوطن فوجئنا باجراءات معقدة وتجاهل من قبل الكثير من الدوائر التي تعاملنا معها، لإكمال مستلزمات العودة الى العمل والحصول على حقوقنا كمهاجرين او مهجـَّرين.
وأضاف : إن وزارة الهجرة مثلا اتبعت معنا اجراءات روتينية معقدة أجبرت العديد من العائدين الى إلغاء فكرة العودة للوطن والتوجه من جديد الى المنافي!
ويؤكد الدكتور الساعدي أنه قدَّم طلباً الى وزارة التعليم العالي من اجل العودة للتدريس في إحدى الجامعات العراقية وقد وعدوني بالخير كله، وبقيت منتظرا لأكثر من شهرين على أمل الحصول على تلك الوظيفة، لكن وحتى هذه اللحظة أصطدم بالجواب اليومي المكرر (ننتظر التخصيصات المالية والدرجات الوظيفية).
ويسأل الدكتور الساعدي : اذا كانت الحكومة لم تستعد لاستقبالنا ولم تدرس الموضوع بعناية، فلماذا استعجلت بتوجيه الدعوة .. لتتركنا الآن بلا وظائف بعد أن قطعنا علاقتنا بالمؤسسات الأجنبية التي كنا نعمل فيها في بلاد الغربة ؟
ندمت في العودة
وتقول إحدى العائدات المهاجرات وهي الدكتورة تماضر باسم إنها ندمت لاستعجالها بقطع علاقتها مع الجهة التي كانت تعمل معها خارج الوطن واضافت:
- لقد جئت وكلي أمل أن أجــد لي حضناً دافئاً يعوضني سنين الغربة التي عشتها مضطرة نتيجة سياسات النظام السابق التي كانت تضطهد الكفاءات العراقية ولا تترك لهم فرصة المساهمة في بناء الوطن.
وتؤكد الدكتورة تماضر : لقد فوجئت بهذه الاجراءات الروتينية والوعود الكثيرة التي حصلنا عليها (من دون قبض) ولذلك أستطيع اليوم أن أقول: إني فعلا نادمة على عودتي الى العراق ، إذ أني لم أجــد من الجهات المختصة سوى الوعود والوعود، لذا فإني أقولها وبكل أسف بأني سأضطر لحزم أمتعتي من جديد والعودة من حيث أتيت، فأنا استنفدت كل ما أملك من مال أملاً بالحصول على تلك الوظيفة التي تبدو بعيدة عني بسبب عدم وجود الدرجات الوظيفية او التخصيصات المالية او عدم حاجة الكليات لاختصاصتنا ، خصوصا وان جميع الوزارات المعنية لم تحرك ساكناً في مجال احتضان الكفاءات العراقية العائدة.
قرارات مجهولة
أما الدكتور مهند هاشم فيقول:
- منذ أكثر من خمسة واربعين عاماً وأنا أعيش الغربة في جمهورية مصر العربية ولديَّ شهادة ماجستير في الطب تخصص جلدية وتناسلية من جامعة الاسكندرية، وبعد سماعي لدعوة رئيس الوزراء بشأن عودة الكفاءات العراقية قررت العودة الى وطني، وقد فوجئت منذ البداية ان وزارة الصحة لديها تعليمات بعدم تمشية معاملة الكفاءات التي هي بعمر يتجاوز الثالثة والستين! أقول: إني جئت الى العراق والأمل يحدوني في الحصول على وظيفة تدريسية في احدى جامعات العراق ولذلك قدمت أوراقي الى وزارة التعليم العالي، وبانتظار توفر التخصيصات المالية والدرجات الوظيفية التي ستعلنها الوزارة ، لكن متى ستعلنها ؟ فهذا الشيء في علم المجهول خاصة وان الموازنة الى الآن لم يتم إقرارها !
ويقول الدكتور مهند: إنه يعتب على وزارة المهجرين، كونها لم تتعامل بجدية مع عودة الكفاءات العراقية وتتعامل معهم وفق روتين ممـل ومعقـد.
لم نجـد سوى الوعـود !
فيما قال الدكتور عادل فاضل : إن الوعود هي الشيء الوحيد الذي حصلنا عليه، وأنا الآن انتظر إطلاق التخصيصات من قبل وزارة المالية، كون وزارة التعليم العالي تؤكد أن سبب تأخير تعييننا في الجامعات العراقية سببه عدم موافقة وزارة المالية على إطلاق التخصيصات المالية للدرجات الوظيفية التي اقترحتها الوزارة.
ويُضيف ... إنه فوجئ بعد عودته بعدم قبوله كأستاذ جامعي بحجة ان قانون الخدمة الجامعية لا يسمح بعودة من تجاوز عمره الثالثة والستين ، وبالتالي فانه فقد فرصته في الدولة التي كان يعمل بها كما فقد فرصته في خدمة وطنه.
وحينما نسأل وزارة التعليم العالي عن سبب ذلك تُلقي باللائمة على وزارة المالية التي لم تقرر التخصيصات المالية الخاصة بالدرجات الوظيفية المقررة للعائدين من الغـربـة.
نقول : بعد هذه اللقاءات التي أجريناها مع بعض العائدين الى ارض الوطن وهي لقاءات أثبتت أن العائدين ( تورطوا) في العودة وهم الآن ( عالقين ) بين الإجراءات الروتينية المعقدة وبين حلم رجوعهم الى البلدان التي جاءوا منها بعد أن فقدوا أي أمل في الحصول على تعيينات لهم سواء في المؤسسات الصحية او في الكليات .
حسناً ... ربما يسأل أحدكم: لماذا أُثير موضوع عودة الكفاءات العلمية مرة اخرى برغم أن القرار مضى عليه نحو خمس سنوات؟
وعن هذا السؤال أُجيب: إن سبب ذلك يكمن في العراقي الذي يُعد أحد أبرز خمسة علماء كيمياء في العالم حيث تسكن بحـوثه "أدراج" وزارتي الصحة والصناعة.
نعم إنه العالم العراقي الدكتور جليل الخفاجي الذي حصل على "9 براءات اختراع" داخل وخارج العراق، التي منها استخدامه لصبغة "الكرفس والسبانغ " كعلاج " سرطاني، وعلى الرغم من "نشاطه العلمي"، يؤكد أن وزارة الصناعة والمعادن لا تزال تحتفظ ببحثه في أدراجها، فيما لم تسجل وزارة الصحة بحثاً آخراً له بالرغم من تقديم براءة الاختراع منذ اكثر من عام.
وبعد هذا ... هل تعتقدون أن الكفاءات العلمية العراقية المهاجرة ستعود الى أرض الوطن وخاصة في ظل الوضع الأمني المتدهور؟
إنـي أشـك بذلك كثيراً كثيراً كثيراً .
محرر الموقع : 2014 - 08 - 08