إنترسبت: دولة مايكروسوفت البوليسية.. مراقبة جماعية بأدوات قمعية
    

نشر موقع إنترسبت الأميركي (The Intercept) مقالا أماط فيه كاتبه اللثام عما سماه علاقة عملاق التكنولوجيا مايكروسوفت بأجهزة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة وغيرها من الدول.

واستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن المظاهرات التي عمت أرجاء الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة احتجاجا على ممارسات الشرطة الأميركية العنصرية، استدعت إجراء تدقيق في أنشطة شركات التقنية الكبرى، مثل فيسبوك -التي ترزح تحت وطأة مقاطعة المعلنين لها بسبب خطابات الكراهية ضد الملونين- وشركة أمازون جراء توفيرها أدوات المراقبة لإدارات الشرطة.

ويؤكد مايكل كويت -وهو زميل زائر بمشروع مجتمع المعلومات في كلية الحقوق بجامعة ييل- في مقاله أن شركة مايكروسوفت التي طالما تفادت الانتقادات، منهمكة في توفير الخدمات لأجهزة إنفاذ القانون وتعزيز الشركات التي تورد للشرطة برنامجا إلكترونيا يستخدم تقنية مايكروسوفت السحابية ومنصات أخرى.

ويقول إن الكشف عن حقيقة تلك العلاقات يظهر مدى تورّط قطاع التكنولوجيا بشكل متزايد في علاقات وثيقة مع إدارات الشرطة في الولايات المتحدة.

ويضيف أن علاقات مايكروسوفت مع أجهزة إنفاذ القانون ظلت مستترة، فقد انصب تركيز الشركة إثر مقتل الشاب الأميركي الأسود جورج فلويد على برمجية التعرف على الوجوه.

وكان فلويد قد لقي مصرعه وهو مقيد اليدين تحت قدمي ضابط شرطة أبيض في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، مما أشعل موجة من الغضب المتواصل في الولايات المتحدة شابتها أعمال عنف.

نظام التوعية
وعدد مايكل كويت مجالات علاقات مايكروسوفت بالأجهزة المعنية بالأمن في الولايات المتحدة الأميركية، مشيرا إلى أن مايكروسوفت تعمدت صرف الانتباه عن تطويرها منصة مراقبة جماعية تُعرف باسم “نظام التوعية بالمجال”، وذلك لصالح إدارة شرطة نيويورك، واستفادت منها بعد ذلك ولاية أتلانتا ودولتا البرازيل وسنغافورة.

ويعد نظام التوعية بالمجال أكبر نظام للمراقبة الرقمية في العالم، وجزءا من الشراكة بين إدارة شرطة نيويورك ومايكروسوفت لمراقبة مدينة نيويورك. وتسمح هذه الشراكة -بحسب موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية- لشرطة نيويورك بتتبع أهداف المراقبة والحصول على معلومات مفصلة عنها، ويشرف عليها مكتب مكافحة الإرهاب.

ويرى الكاتب أن مايكروسوفت تسترت على شراكاتها مع موردي أجهزة المراقبة الشرطية الذين يطرحون منتجاتهم في منصة “السحابة الحكومية” التي توفرها خدمة آزور للحوسبة السحابية التابعة للشركة.

ويضيف أنه وإلى جانب الشراكات والدعم والبنى التحتية الحيوية التي تتيحها مايكروسوفت، ثمة مؤسسات أصغر حجما تزود أجهزة إنفاذ القانون بمعدات مراقبة جماعية.

ويضرب كاتب المقال مثلا على ذلك بشركة “جنيتيك” الكندية التي توفر دوائر تلفزيونية مغلقة باستخدام تقنية الحوسبة السحابية، وتحليلات بيانية للمراقبة الجماعية في المدن الأميركية الكبرى.

وهناك فيريتون الشركة المتخصصة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتي تقدم لأجهزة إنفاذ القانون خدمات التعرف على الوجوه. هذا بالإضافة إلى مجموعة عريضة من الشركاء الذين يقدمون معدات عالية التقنية لـ”منصة الدوريات المتقدمة” الخاصة بشركة مايكروسوفت، والتي تحيل سيارات الشرطة إلى دوريات مراقبة شاملة.

ويوضح الكاتب أن كل تلك الخدمات والمنصات تتم بالتعاون مع مايكروسوفت وتحتضنها خدمة آزور للحوسبة السحابية الحكومية.

إستراتيجية ناجحة
ويقول الكاتب إنه في الشهر الماضي ناشد المئات من موظفي مايكروسوفت الرئيس التنفيذي لشركتهم ساتيا ناديلا إلغاء العقود المبرمة مع أجهزة إنفاذ القانون، والاستعاضة عنها بدعم حركة “حياة السود مهمة”، والموافقة على وقف تمويل الشرطة.

ويضيف أن مايكروسوفت حظرت بيع برامج التعرف على الوجوه للشرطة الأميركية سعيا منها لصرف الأنظار عن مساهماتها الأخرى لعمليات المراقبة الشرطية.

ويقول مايكل كويت إن تلك الإستراتيجية صادفت نجاحا، حيث حظيت بإشادات من قبل الصحافة والنشطاء على حد سواء.

ولا يُعرف بعد ما إذا كانت مايكروسوفت ستتفادى الخضوع لإجراءات تحقيق كبيرة، بحسب مقال إنترسبت.

ونظرا لأن الشراكات والخدمات الإلكترونية التي تستضيف موردي الطرف الثالث على منصة خدمة آزور، لا يلزم الكشف عنها للعلن، فمن غير الممكن معرفة مدى تورط مايكروسوفت في المجال الشرطي، أو وضع خدمات الطرف الثالث المعلنة.

توسيع الخدمات السحابية
وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على مدينتي نيويورك وواشنطن، قدمت مايكروسوفت إسهامات كبيرة لمراكز الاستخبارات المركزية التابعة لأجهزة إنفاذ القانون الأميركية.

ومن الشواهد على ذلك -بحسب الكاتب- أن الشركة شرعت منذ العام 2009 بالعمل على إنشاء منصة مراقبة لصالح إدارة شرطة نيويورك أطلقت عليها اسم “نظام التوعية بالمجال”، والتي كُشف عنها النقاب في 2012.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، فطوال الأعوام الماضية، طوّرت مايكروسوفت نشاطاتها عبر توسيع خدماتها السحابية والتي يتم فيها تأجير السعة التخزينية والبرمجيات العاملة على الخوادم.

وفي الولايات المتحدة، أقامت مايكروسوفت مراكز خدمة آزور للحوسبة السحابية الحكومية، ووضعتها في خدمة المنظمات المحلية والولائية والاتحادية.

وكشف مايكل كويت في مقاله أنه مما لا يعرفه كثير من الناس أن مايكروسوفت لديها قسم يُسمى “السلامة العامة والعدالة” سبق لموظفيه أن عملوا في مجال إنفاذ القوانين. واعتبر الكاتب ذلك بمثابة “القلب الحقيقي” لما تقدمه الشركة من خدمات شرطية، رغم أنها كانت تقوم بها لسنوات بعيدا عن أعين عامة الجمهور.

وأضاف الكاتب أن خدمات المراقبة الشرطية التي توفرها مايكروسوفت كثيرا ما اتسمت بالغموض، لأن الشركة تبيع قليلا من منتجاتها التي تصلح لعمليات إدارات الشرطة. لكنها مع ذلك تطرح تشكيلة من خدمات آزور السحابية ذات “الأغراض العامة” مثل أدوات التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية كـ”باور بي آي” (Power BI)، والخدمات المعرفية التي يمكن أن تستغلها أجهزة إنفاذ القانون وموردو معدات المراقبة في تطوير برمجياتهم وحلولهم الخاصة بهم.

إنترنت الأشياء
ومع وجود إنترنت الأشياء، تتمتع الأجسام المادية الملموسة بقدرات لتحديد الهوية حيث تنقل إليها بيانات على شبكات الإنترنت بطريقة آلية. فإذا قام شرطي بسحب مسدس من جرابه -على سبيل المثال- فسيتم إرسال إنذار عبر الشبكة إلى أفراد الشرطة الآخرين لتحذيرهم بأن ثمة خطرا وشيكا.

وستتولى مراكز التعامل مع الجرائم الفورية التابعة لأجهزة إنفاذ القانون والطوارئ تحديد موقع ذلك الشرطي على الخريطة، ومراقبة الموقف من أحد مراكز القيادة والتحكم.

ويقول الكاتب إن مايكروسوفت ابتكرت حلا إلكترونيا يعين دوريات الشرطة في عملها وأطلقت عليه اسم “منصة مايكروسوفت المتقدمة للدوريات (ماب)”. وتعتبر ماب منصة إنترنت أشياء تستخدمها دوريات الشرطة المتنقلة في مركباتها من خلال إدماج أجهزة استشعار للمراقبة وسجلات قاعدة البيانات الموجودة في خدمة آزور السحابية.

مشاهد حية
وسيارات ماب مزودة بتجهيزات ترسل بيانات تتعلق بعمليات المراقبة إلى منصة آزور السحابية وعبرها إلى أجهزة إنفاذ القانون. وهناك كاميرا عالية الدقة بزاوية 360 درجة منصوبة على سقف سيارة دورية الشرطة تبث مشاهد فيديو حية إلى منصة آزور والحاسوب المحمول الموجود داخل السيارة، مع إمكانية الوصول إلى تلك المقاطع عبر هاتف محمول أو جهاز حاسوب يستخدم عن بعد.

كما أن سيارة الدورية مزودة بقارئ آلي للوحات أرقام السيارات يستطيع قراءة 5000 لوحة في الدقيقة، ومن ثم فحصها ومقارنتها بقاعدة بيانات في منصة آزور التي تعمل بنظام أوتوفيو (AutoVu) للتعرف على لوحات السيارات المملوك لشركة جينيتك الكندية.

وإلى جانب ذلك، هناك طائرة مسيرة (درون) تجوب السماوات، وترسل صور فيديو مباشرة. وتتولى آيريون لابس -وهي شركة كندية لتطوير وتصنيع الطائرات من دون طيار، وإحدى شركاء مايكروسوفت- توفير تلك الطائرة من طراز سكاي رينجر.

ليس هذا فحسب -يقول الكاتب-، فهناك أيضا روبوتات الشرطة (الشرطي الآلي) التي تعد جزءا من منصة مايكروسوفت المتقدمة للدوريات (ماب).

ويضيف أنه مع أن مايكروسوفت دأبت على تزويد مراكز الاستخبارات وشبكات الدوائر التلفزيونية المغلقة بأجهزتها، إلا أن جل اهتمامها انصب على لوائح التعرف على الوجوه.

ففي 11 يونيو/حزيران الماضي انضمت مايكروسوفت إلى أمازون وآي بي إم في تأكيدها على أنها لن تبيع تقنية التعرف على الوجه إلى الشرطة قبل سن قوانين تنظم ذلك.

وطبقا لمقال إنترسبت، فإن ذلك التأكيد لا يعدو أن يكون حيلة من حيل العلاقات العامة تظهر مدى الإرباك الذي أحدثته علاقة مايكروسوفت بالأعمال الشرطية من عدة أوجه، فنيا وأخلاقيا.

وإذا أجبر النشطاء في هذا المجال شركات التقنية مثل مايكروسوفت وأمازون وغوغل وآي بي إم وأوراكل، على فسخ شراكاتها ووقف خدمات البنى التحتية مع أطراف ثالثة منخرطة في أعمال مراقبة مع الشرطة، فسيتعين على مزودي الخدمات السحابية التسليم بضرورة خضوعهم للمساءلة عما ينشر في منصاتهم السحابية.

محرر الموقع : 2020 - 07 - 17