الرجل المناسب في الزمان غير المناسبد. محمد أبو النواعير كشفت الأزمة البرلمانية التي حصلت فصولها يوم الثلاثاء السابق4/12/2018 في مجلس النواب العراقي, عن وجود تجذّر عميق متشابك لأزماتمتواصلة مزمنة, ومشاكل مستعصية, قائمة بين الدول في محيطها الإقليميوالدولي, ألقت بظلالها كتشابك حصل داخل هذه الجلسة وبشكل علني مفضوح،وانقسمت أطراف النزاع فيه إلى ثلاثة، : إيرانية الهوى، أمريكية المصالح،وطنية المطالب. لا يمكن القول بأن النوايا الأمريكية اتجاه العراق هي نوايا سليمةيمكن الاطمئنان لها، مع الأخذ بنظر الاعتبار المنفعة التي حصلها عليهاالعراق, بل الدولة العراقية الحديثة, من الجانب الأمريكي عندما بادر إلىإسقاط منظومة حكم الطاغية صدام, والتي كانت تمتد بأنساقها الاستبداديةالإقصائية المجرمة إلى مئات السنين، وجاء تغيير المعادلة هذا من خلالتخطيط إستراتيجي أمريكي بعيد الأمد, يهدف إلى تفعيل منطق الهيمنة التحتية(الغير مرئي), على شعوب المنطقة, وهو الأسلوب الجديد للعلمنة الاقتصاديةوالسياسية والثقافية. لم يكن الجانب الأمريكي غبيا حين احتل بلد كالعراق، وهو بجوار دولةتعتبر من أشد الدول عداءا لسيدة العالم، ولكن كما قلنا التخطيطالإستراتيجي البعيد الأمد, الذي مارسته السيدة بخبث ودهاء مع محورأعدائها الشرقيين، كان يقوم على مبدأ تحطيم الإرادات الشعبية, وقطع صلةالوصل بين تلك الشعوب المستهدفة, وبين رموزها الوطنيين أو الدينيين,ليتحول مواطن تلك الدول إلى حالة التيه تعقبها النقمة الفوضوية التي لاتعي ما تريد. كانت خطة الجانب الأمريكي تقوم على ضرب الاقتصاد، ولكنه ليس ضرباللقمة العيش كما يتوقع البعض، فالتطور الاقتصادي العالمي، قد وفر إمكانيةتوفر الغذاء البسيط لأغلب الشعوب؛ إن ما تم ضربه من الاقتصاد، هو اقتصادالرفاه الذي باتت شعوب المنطقة (ومنها الشعب العراقي والإيراني) يتوقونله بتعطش شديد، هو اقتصاد الكماليات والتطور المدني والحضاري. الإصرار على مرشح معين لأهم وزارة أمنية في العراق، معروف عنه ولائهالمطلق للجمهورية الإسلامية, إنما جاء من خلال الاستناد إلى ثلاثة محاورنفعية للجمهورية الإسلامية، تدفع بها الحرب الاقتصادية الأمريكية عنها؛الأول : هو محاولة اختراق الاقتصاد العراقي، وجعل العراق منفذا عالميالتصدير النفط والبضائع الإيرانية تحت حماية ومساندة القوة الأمنيةالعراقية، والمسؤول عنها المرشح للوزارة ! الثاني : هو إبقاء خط إمداد السلاح والمؤن في الامتداد الجيوسياسيالعسكري، ما بين إيران وذراعها التحالفي الممتد من العراق إلى سوريا ثملبنان (حزب الله), ووجود قيادة أمنية كبيرة ذات ولاء مطلق للجمهورية،سيدفع بقوة لإبقاء هذا الخط آمنا، خاصة وأن هذا الخط يمثل بعدااستراتيجيا للأمن القومي الإيراني. الثالث وهو الأخطر والأهم: هو محاولة رد الصاع صاعين للعقوباتالأمريكية, فبما أن العقوبات الأمريكية تهدف لضرب الاقتصاد الإيراني, لذافمن المتوقع (وكما يرى بعض المحللين) أن يكون رد الجمهورية حرب اقتصاديةمماثلة, تضرب فيها الجمهورية اقتصاديات الكثير من الدول المساندة لقرارالعقوبات الأمريكية، وهنا لدى الجمهورية خيارين لا غير, الأول محاولةتخريب المرور التجاري عبر مضيق هرمز, ولا أعتقد أن هذا الخيار سيكونمتاحا للجمهورية بشكل مريح, لأن مثل هذا الفعل سيكون محسوبا علىالجمهورية بشكل مباشر, مما يجعل أغلب الدول تتعاطف مع الخيار العسكريضدها. الخيار الثاني هو الأقرب للتحقق, وهو إغلاق مضيق باب المندب بشكل تام،على يد فصائل المقاومة الحوثية, ومثل هذه الخطة تحتاج لخط إمداد لوجستيوبشري, وسهولة نقل السلاح, لذا انتشرت أخبار كثيرة عن قيام الكثير منفصائل المقاومة العراقية, بنقل مسلحيها إلى اليمن للاشتراك مع الحوثيين,ومن المتوقع أن يتم نقل فصائل من مقاتلي حزب الله اللبناني، وقوات الحرسالثوري الإيراني إلى هناك، فعملية ضرب مضيق باب المندب ومدينة الحديدة،سيؤثر على اقتصاديات الكثير من الدول، فتكون بذلك ورقة ضغط ضد أمريكاوالدول المساندة للقرار الأمريكي. أيضا، لابد أن نضع في الحسبان, أن الاقتصاد التجاري، يكون في أضعفحالاته في حالة خضوعه لمعادلة (اللاآمن), لأن من مقومات أي اقتصاد ناجحأو حركة تجارية ناجحة, هو توفر مستوى عالي من الأمان والاستقرار, فمع أنالجانب الأمريكي قد وعد الدول المشتركة في مضيق هرمز, بالحماية العسكرية,إلا أن هذه الحماية سوف لن تكون مجانية، أولا، وسوف لن تحقق حالة استقرارمستدام, يمكن الحركة التجارية والاقتصادية من التحرك بسهولة، ثانيا. وقوف عادل عبد المهدي بوجه هذا المخطط, إنما يعني استعداء محور كبيريضم دولا قوية لها تغلغل ونفوذ وأذرع في العراق أكثر حتى من أمريكا، ومعأن عبد المهدي مدرك لأبعاد هذه المعادلة, ويدرك جيدا أن المخطط الأمريكيوالعربي (السعودي) يهدف إنهاء وجود منظومة الحكم في إيران, وأن وجود عبدالمهدي ووجود غيره من الأحزاب التي تقود البلد، هو محسوب بطريقة أو بأخرىمع المحور الإيراني، فإن تعاطيه مع قضية تشكيل حكومة، تكون على هواه أوهوى الشعب, هو أمر مستبعد إن لم يكن مستحيل. بين عادل عبد المهدي, وباب المندب, الكثير من التفاصيل الشائكة والغامضة !*دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة.
|