أربيل حُبلى بالمفاجأت ومعبر للحالمين بالهجرة
    

إمتلأت أربيل باللاجئين، وأضحت واحدة من كبريات منابع الهجرة الى أوروبا، فهي الملاذ الذي يلوذ به الهاربون من القتال والتهجير القسري في عدة مدن عراقية خصوصا من سهل نينوى وسنجار والعديد من المدن العراقية، إضافة الى مناطق من سوريا، فيلتقطون الأنفاس هنا، ويعدون العدة للسفر منها بإتجاه تركيا أولا، ومنها الى دول اللجوء " الحلم ".

يصعب هذه الأيام وصف ما يحدث هنا، فالمنطقة حُبلى بالمفاجأت، لا بل مليئة بالتناقضات ..! فعندما إقترب مسلحو " داعش " قبل أيام من منطقة خازر على مشارف أربيل، لم يكن الناس هنا يصدقون ما يحدث، أو يقدرون حجم الخطر الذي كان يهددهم.

لا أحد هنا كان يتوقع، أن تصل الأمور الى تفريغ مناطق شاسعة من محافظة نينوى، من سكانها الأصليين، الذين عاشوا فيها منذ عدة آلاف من السنين.

الكومبس تحدثت مع اللاجئ شمعون متي، الذي لا يتوقف عن التدخين وهو يتحدث لنا في حديقة مزار مار إيليا في بلدة عنكاوا بأربيل، كنموذج يعكس تفكير كثيرين غيره:

" التاريخ يكتب صفحة جديدة، عن " وباء " و " طاعون " إسمه " داعش " ينشر الموت المجاني بين الناس الأبرياء، لم يحدث مثيلا له في التاريخ، وكل ذلك يجري بإسم الإسلام . تعايشنا لقرون مع المسلمين في العراق دون مشاكل، فأين كان يختفي هذا " الوباء "؟

أضاف: " ما حدث لم يكن حدثا عابرا بل لا يمكن ضمان عدم تكراره إلا بتوفير الحماية الدولية، أو الهجرة الجماعية". وقبل أيام خرج المسيحيون الذين هربوا من بيوتهم في سهل نينوى بتظاهرة أمام القنصلية الأمريكية في أربيل، رفعوا شعار: " إما الحماية الدولية أو الهجرة الجماعية ".

وقبل محاولة " داعش " الإقتراب من المدينة، كان عشرات آلاف السوريين، وقبلهم آلاف آخرين من كرد تركيا وإيران يعيشون في مخيمات ومناطق مختلفة فيها، إنضم إليهم لاحقا آلاف آخرين من الفلوجة والمحافظات الغربية.

لكن هول ما حدث للإيزيديين في سنجار، وللمسيحيين في سهل نينوى، فاق كل التوقعات، وزاد من عدد اللاجئين في المدينة، بحيث لم تتوقعه حتى الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، التي وقف أفرادها مذهولين في الأيام الأولى من إندلاع المعارك، عاجزين عن التحرك لإسعاف الجميع.

من إستطاع الهرب وجد نفسه مشردا في شوارع المدينة وساحاتها وحدائقها، خصوصا أن الأماكن العامة والكنائس إمتلأت على آخرها بهم.

هل هي حربٌ دينية؟

للحظات عندما يتمعن المرء، فيما حدث، يتسارع الى الذهن سؤال كبير: هل ما يحدث حرب دينية؟ فالصحفيون الأجانب الذين يغطون الحرب وتداعياتها هنا في شمال العراق، يجدون صعوبة في فهم ما يجري! فالمسلمون والمسيحيون وأبناء الديانات الأخرى مهجرون ونازحون، والكنائس والجوامع يتم تفجيرها معاً!! واللاجئون من كل القوميات والأديان في كل مكان. فمن يقاتل ضد من؟

في المقهى الذي أجلس فيه، وأنا أكتب هذا التقرير، على مسافة أمتار من كنيسة مار يوسف في عنكاوا، دخل نساء ورجال ومعهم العديد من الأطفال الى المكان، ظنا منهم أن المقهى هو مطعم، فأحدثوا بأصواتهم جلبة وبعض الضجيج.

بعض النسوة مسيحيات يحملن الصلبان، ويلبسن الملابس التراثية القديمة للنساء المسيحيات، فيما ترافقهن ثلاث محجبات وعدد من الرجال يبدو من حديثهم إنهم مسلمون. وفيما إنشغل الرجال بالحديث حول " داعش " وما يجري في الموصل من جرائم، تبادلت النساء الحديث حول ما جرى في الأيام الماضية لهن بعد هجرة إجبارية تركن فيها كل ما يملكن.

إقتربت منهم بحذر وعرفت نفسي بأنني صحفي أود اللقاء بهم، فساد على الفور نوع من الهدوء الحذر الطاولة الطويلة التي كانوا يجلسون عليها، فطلبوا عدم نشر صورهم أو أسمائهم!

سألتهم: من ماذا انتم خائفون وقد وصلتم بأمان إلى أربيل؟

ردت علي سيدة مسيحية بلكنة عربية مصلاوية ( لهجة أهل الموصل ): هذه عائلة جيراننا المسلمين من الموصل، جاؤوا للإطمئنان علينا بعد أن طردتنا " داعش " من بيوتنا! ونخاف على حياتهم إذا تم نشر صورهم أو صورنا، لاننا سنعود إذا هدأت الأوضاع.

 

الهجرة " حلم " الجميع تقريبا

ليس مبالغاً القول، إن الهجرة أصبحت حلم الجميع تقريبا هذه الأيام، ليس فقط لدى النازحين من الموصل وسهل نينوى، بل حتى لدى الأقليات الدينية والقومية التي تعيش في أقليم كردستان العراق والتي كانت توقفت تقريبا عن السفر واللجوء الى الخارج، بسبب إستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والإقتصادية في الأقليم. فبعد سنوات طويلة من الهدوء والإستقرار، ساهمت الأحداث الأخيرة في تعميق مخاوف هذه الأقليات من المستقبل، وعززت عدم الشعور بالأمان لديهم، فأضحى " الجميع" يفكر بطريقة أو أخرى للسفر.

وفي الأيام الأولى من محاولة داعش الإقتراب من أربيل، سارعت العديد من العوائل الى إقتناص كل فرصة سفر الى أي مكان سياحي كان. والكثير منهم توجهوا الى جورجيا، حيث هناك خط جوي مباشر بينها وبين أربيل.

وقال مسافرون لـ " الكومبس " إن بعض المسافرين إشتروا على وجه السرعة شقق سكنية هناك، فإرتفعت أسعار العقارات بشكل كبير، وكذلك أسعار الفنادق والرحلات الجوية.

كما حدث نفس الشيء إيضا في تركيا، خصوصا في أنتاليا وفي لبنان، رغم أن الأوضاع هي الاخرى فيها غير مستقرة تماما.

ويعيش النازحون الى كردستان، على أمل ان يتم قبولهم في دول اللجوء، بعد الذي حدث لهم، حتى أن العديد ممن تحدثت الكومبس إليهم، يتصورون أن عملية اللجوء تتم من داخل العراق. وبمجرد أن يجدون وفدا يزورهم يسارعون الى إعلان رغبتهم في الهجرة، وهذا ما حدث عندما نادى العديد منهم أمام وزيري الخارجية الفرنسي والألماني وبعدهم السويدي كما ذكرت المعلومات لاحقا، بفتح باب اللجوء الى أوروبا أمامهم.

وعندما أعلنت فرنسا قبل أسابيع أنها سوف تسهل اللجوء إليها، تجمع المئات من النازحين أمام القنصلية الفرنسية في أربيل، لتسجيل أسمائهم، فيما تقوم شركات سفر وهمية، بإستغلال هذه الرغبة العارمة في السفر، والحصول على أموال طائلة من النازحين، بحجة أنهم سيوفرون " فيزة " لهم ويضمنون لهم اللجوء.

وتعكس هذه الممارسات قلة المعرفة التي تسود أوساط النازحين بقضايا ومبادئ اللجوء، فكما هو معروف أن من أهم شروط منح اللجوء، هو وجود صاحب الطلب داخل الدولة التي يريد الحصول على الحماية فيها، وليس من خارجها. والطريقة الوحيدة للحصول على الحماية من الخارج هي عن طريق التسجيل في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة الى الأمم المتحدة، التي لديها برنامج سنوي لإعادة التوطين.

 

نزار عسكر

nazar@alkompis.com

محرر الموقع : 2014 - 09 - 06