موظفون بلا إنجاز (نقطة الصبَّة)
    

أحمد عداي

يروي ضابط عراقي، والكلام منذ سنين، أنه عند مراجعته لكشف ورديات الحراسة، لاحظ وجود نقطة بإسم ( نقطة الصبّة)، وعند إستفساره عنها، كان الجواب غريباً، لدرجة إحتار ( حسب تعبيره)  بين الضحك أو البكاء.

أحد الأيام، وجه الضابط السابق، أمراً ببناء ربوة إسمنتية، كي يعتليها مشرفاً على العرضات؛ اليوم التالي، لاحظ آثار أقدام حيوانات البرية، فأمر بإضافة نقطة حراسة، لحمايتها من عبث الحيوانات لحين جفافها؛ بعد ايام قليلة، جفت الربوة، لكن الضابط نسي أن يوجه، بإلغاء نقطة الحراسة عليها،  ولَم يجرؤ أحد على تذكيره بذاك؛ فاستمر هذا الحال سنوات، كل يوم يسهر مجموعة من الجنود، لا يغمض لهم جفن، واضعين أرواحهم على أكفهم، وهم يستبسلون في حماية ( نقطة الصبَّة)!

آلاف الحالات المشابهة، تحكي نفس القصة المضحكة المبكية، مناصب وهمية، بطالة مقنَّعة، كفاءات معطلة، تضخم وظيفي بدون إنجاز يذكر، بلا حلول جذرية، أو خطط تحاول أن تحلحل العقدة، أملاً بفكها.

ليس الغرض هنا، التكلم عن إحصائيات، ملأت الصحف والمواقع الألكترونية، و إستهلكت ساعات من المناقشة، على شاشات التلفاز، و داخل القاعات المغلقة؛ و إنما معرفة أسباب، عدم تنشيط هذا العدد الضخم، كي يقدم خدمة، أو عمل يليق بما يتقاضاه، ليكون منتجاً بدلاً من كونه مستهلكاً؛  و كذلك فك إرتباط المواطن بالحكومة، فهو يسعى فقط ليكون موظفاً.

الحكومات الاشتراكية السابقة، كانت توزع مبالغ ثابتة، كرواتب شهرية؛ فكان التوجه الى عدد أكبر، كي يقدم خدمة مقابل الراتب؛ و إن كانت الخدمة بسيطة، لدرجة أنك - على سبيل المثال- تمر بأربع موظفين، كي تضع طابع بريدي، للرسالة أو أي ورقة تعامل مع الحكومة!

الاشتراكيون، نجحوا مرحليا  في هذا الأمر، فكان الكل متساوون تقريباً في الدخل، وذابت الطبقية، ومع ذلك إنهار إقتصادهم، لضخامة المصروفات، قياساً بالعائدات؛ أما في الوقت الحالي، أغلب الدول قللت، من عدد موظفيها، كي تستطيع تحمل النفقات، و ضمنت حقوق العدد الأكبر، العاملين في القطاع الخاص.

القطاع الخاص، تطور من كونه مصدر، لتوفير العمل خارج النطاق الحكومي، إلى عامل مؤثر في إقتصاد البلدان؛ بل هناك دول، تتحكم رؤوس الأموال الخاصة بقراراتها، بل بإختيار حكامها في حالات ليست بنادرة؛ وهذا - رغم سلبياته- يفتح مجال واسع للعمل الحر، فتعدد فرص العمل، يضعف الهيمنة الفردية.

قطاع الإعمار، أهم القطاعات التي تحتاج، لإدخال الإستثمار عليها،   خصوصاً في العراق، فحسب تقارير وزارة الإعمار والإسكان، الإحتياج الحالي حوالي (٣.٦ مليون) وحدة سكنية؛ و تقارير وزارة التخطيط تذكر، أن معدل النمو السكاني في البلد (٨٠٠الف نسمة) سنوياً؛ هذا يعني أننا سنحتاج، لحوالي ( ٥ مليون) وحدة سكنية، خلال السنوات العشرة القادمة.

أهمية قطاع الإعمار، لا تنحصر في توفير السكن، بل تمتد الى تحريك، مختلف القطاعات المتوقفة، كالصناعات المختلفة، والتجارة، وتوفير فرص عمل بعدد كبير، وغيرها من الأمور المتعلقة، بوجود حركة ونشاط في مجال الإعمار.

هل ستلجأ الحكومة الجديدة، إلى دعم الإستثمار، لتحريك عجلة التطور؟

أم  هل تستمر  بالإعتماد على الموظفين الحكوميين، أمثال حرَّاس ( نقطة الصبَّة)؟

 

محرر الموقع : 2019 - 02 - 15