27 سنة على تفكيك حلف وارسو الذی أرعب أوروبا
    

يعد حلف وارسو الذراع العسكرية للاتحاد السوفيتي سابقاً، استخدمه لتحقيق أهدافه السياسية التي عجز عن تحقيقها بالسلم، وعلى الرغم من أن السبب الأساسي لإنشائه كان وجود حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن الحلفين لم يتواجها مباشرةً في أي حرب، بل اقتصر المواجهة بينهما على تحشيد الدول لهذا الحلف أو ذاك

تعريف حلف وارسو

هو حلف دولي نشأ في المعسكر الشرقي بموجب معاهدة وارسو للصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة، حيث عُرف اختصاراً بـمنظمة معاهدة وارسو أو حلف وارسو، وذلك في بتاريخ 14 مايو/أيار لعام 1955. وقد تألف الحلف بشكل أساسي من الاتحاد السوفياتي، وألبانيا، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وألمانيا الشرقية، والمجر، وبولندا، ورومانيا. وقد نصت معاهدة وارسو على وجود قيادة عسكرية موحدة للدفاع عن أي دولة عضو تتعرض للهجوم من طرف قوة خارجية، وقد تأسس هذا الجيش تحت قيادة المارشال السوفياتي إيفان كونيف – Ivan Konev. كما نصت على صيانة الوحدات العسكرية السوفيتية في أراضي الدول المشاركة الأخرى. وتم تجديد المعاهدة في 26 من نيسان لعام 1985. وقد كان هذا الحلف تحت قيادة الاتحاد السوفياتي بشكل أساسي، والذي كان يهدف إلى استغلال المواقع الاستراتيجية لدول أوروبا الشرقية لغايات عسكرية خاصة أثناء الحرب الباردة. فبعد الحرب العالمية الثانية أبرم الاتحاد السوفييتي معاهدات ثنائية مع كل من دول أوروبا الشرقية باستثناء ألمانيا الشرقية، التي كانت لا تزال جزءاً من أراضي ألمانيا السوفيتية المحتلة. وتنص المعاهدة التي تتكون من 11 بنداً على أنها مفتوحة لجميع الدول بغض النظر عن نظامها السياسي، ويتم التحاق أي عضو جديد بعد موافقة الدول الموقعة. وتم تحرير المعاهدة بأربع لغات، هي: الروسية، والبولندية، والتشيكية، والألمانية.

وحصلت جمهورية الصين الشعبية على حق حضور اجتماعات الحلف بصفة مراقب، ورغم اتباع جمهورية يوغسلافيا الاتحادية النظام الشيوعي إلا أنها لم تنضم إلى الحلف وذلك بسبب الخلاف القائم بين زعيمها جوزيف بروز تيتو – Josip Broz Tito مع الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين – Joseph Stalin في 1948، حيث فضل الوقوف على الحياد إزاء تكتلات القوى العالمية.

خلال الحرب العالمية الثانية نجح الاتحاد السوفييتي في تحرير أوروبا من الاحتلال النازي، لكن بعد انتهاء الحرب لم ينسحب من دول أوروبا الشرقية، وسعى لاستخدام هذه الدول كمنطقة عازلة للدفاع عن الاتحاد السوفيتي ضد محاولات الدول الغربية الهجوم عليه، لذلك وقع الاتحاد السوفييتي مع دول أوروبا الشرقية (بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا، المجر، بولندا، ورومانيا) معاهدات ثنائية هدفها تعزيز التعاون والصداقة والمساعدة المتبادلة، كما تحظر هذه المعاهدات على دول أوروبا الشرقية الدخول في علاقات مع الدول المعادية (الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية).

بعد تأسيس حلف شمال الأطلسي المعروف بـ (الناتو) في عام 1949، بقي هاجس تسليح ألمانيا يقلق الاتحاد السوفيتي، وبعد تقسيم ألمانيا إلى دولتين شرقية وغربية، وقع الاتحاد السوفيتي اتفاقية أمنية مع كل من ألمانيا الشرقية وبولندا في عام 1949.

وقعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون اتفاقية لإعادة تسليح ألمانيا الغربية وإدماجها في منظمة حلف شمال الأطلسي، وذلك في أوائل عام 1950، الأمر الذي اعتبره الاتحاد السوفييتي تهديداً حيوياً له، حيث كان هدفه منع انبعاث دولة ألمانية قوية وخصوصاً إذا كانت متحالفة مع الدول الغربية، وفي مسعىً لعرقلة انضمام ألمانيا الغربية لحلف شمال الأطلسي، اقترح ممثل الاتحاد السوفيتي في مؤتمر وزراء الخارجية المنعقد في برلين عام 1954 أمرين:

إجراء انتخابات في وقت واحد في كل الولايات الألمانية بهدف توحيدها، شرط أن تكون محايدة وغير مسلحة.

توقيع معاهدة عامة حول الأمن الجماعي في أوروبا وتفكيك التكتلات العسكرية الحالية (أي حلف الناتو)..

لكن الدول الغربية رفضت المقترحات السوفيتية، وضموا ألمانيا الغربية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الخامس من شهر أيار/مايو عام 1955، وهو ما اعتبره الاتحاد السوفيتي تهديداً خاصاً لمصالحه، فاجتمعت دول أوروبا الشرقية (الاتحاد السوفيتي، ألبانيا، بلغاريا، بولندا، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، المجر) وقرروا تشكيل الحلف.

قام الحلف على المبادئ التالية:

التعهد بالدفاع المشترك عن أي عضو في الحلف يتعرض للهجوم.

عدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

احترام السيادة الوطنية والاستقلال السياسي للدول.

هيكله التنظيمي

يتألف الهيكل التنظيمي لحلف وارسو من:

المجلس المركزي للحلف، أعلى هيئة لصنع القرار في حلف وارسو، يضم رؤساء دول حلف وارسو، من مهامه تقييم التطورات الدولية التي يمكن أن تؤثر على أمن الدول المتحالفة معها، وضمان تنفيذ أحكام الدفاع عن النفس الجماعية لحلف وارسو.

اللجنة الاستشارية السياسية، تهتم بالمسائل السياسية، حيث أسسها المجلس المركزي للحلف في عام 1976، الذي يضم في عضويته وزراء خارجية الدول الأعضاء، مهمتها تقديم توصيات للمجلس المركزي للحلف.

القيادة المشتركة للقوات المسلحة للحلف، تسيطر عليها قوات متعددة الجنسيات المعينة، مقرها العاصمة البولندية وارسو، ويتفرع عنها:

هيئة الأركان.

القائد العام، يسيطر على كل القوات العسكرية المنضوية في الحلف، وله نائب واحد، وكلاهما أي القائد العام ونائبه من الضباط السوفييت حصراً.

المجلس العسكري، يضم القائد العام، رئيس هيئة الأركان، ممثلين عن الدول الأعضاء، يتم فيه توزيع المهام والواجبات على الدول الأعضاء، وتبادل الآراء حول الأوضاع السياسية.

استراتيجية حلف وارسو

كان الدافع الأساسي وراء استراتيجية تشكيل حلف وارسو رغبة الاتحاد السوفيتي السيطرة على وسط وشرق أوروبا، لسبيين:

سبب إيديولوجي، انتحل الاتحاد السوفياتي الحق في تحديد الاشتراكية والشيوعية والتصرف كزعيم للحركة الاشتراكية العالمية، فكانت النتيجة الطبيعية لهذه الفكرة ضرورة التدخل إذا تبين أن أي من الدول الأعضاء تنتهك الأفكار الاشتراكية والحزب الشيوعي، الذي جاء صراحة في تصريح الرئيس السوفييتي بريجنيف.

سبب جيو استراتيجي، مفاده منع غزو أراضي الاتحاد السوفييتي والدول الأعضاء من قبل القوى الأوروبية الغربية.

ميثاق حلف وارسو

تألف ميثاق حلف وارسو من ديباجة وأحد عشر مادة، في أربع نسخ باللغات: (الروسية، البولندية، التشيكية، الألمانية)، كما تضمن الميثاق أن حلف وارسو مفتوحاً لجميع الدول، “بغض النظر عن النظام السياسي والاجتماعي”، شرط موافقة الدول الأعضاء على انضمام هذه الدولة أو تلك، تضمن ميثاق حلف وارسو النقاط التالية:

رفض استخدام القوة العسكرية في حل المنازعات الدولية.

اعتماد مبدأ التشاور في حال وقوع تهديد خارجي ضد أي دولة من دول الحلف.

تعهد الدول الموقعة بعدم الدخول في أي التزامات تتعارض مع التزاماتها داخل الحلف.

كما حصر تطبيق تلك المعاهدة في النطاق الأوروبي وليس خارجه. وعلى عكس حلف الناتو، كانت اتفاقية تأسيس حلف وارسو محدودة الأجل، مدتها عشرين عاماً قابلة للتمديد، وهو ما حصل فعلاً حيث استمر الحلف حتى عام 1975، ثم مدد تلقائياً حتى عام 1985، حيث تم تمديد معاهدة تأسيس الحلف.

العمليات العسكرية لحلف وارسو

نفذ حلف وارسو خلال الحرب الباردة العديد من العمليات العسكرية، منها:

المجر، اقتحم حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي المجر في عام 1956 وقضى على الثورة التي كانت قد وصلت إلى السلطة، حيث شُكلت حكومة قرر رئيسها إيمري ناجي الانسحاب من الحلف.

تشيكوسلوفاكيا، اقتحم حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي تشيكوسلوفاكيا للقضاء على الثورة التي اندلعت هناك في عام 1968، وتمكن من القضاء على الثورة.

حلف وارسو وهيمنة الاتحاد السوفياتي:

 يظهر جلياً هيمنة الاتحاد السوفياتي على الحلف بدءاً من كونه نشأ لحماية مصالح الاتحاد العسكرية والسياسية، كما أنَّ كُلاً من القيادة المشتركة للقوات المسلحة التي تأسست بموجب المادة الخامسة، واللجنة الاستشارية السياسية التي نشأت وفقاً للمادة السادسة تقع مقراتها في موسكو. بالإضافة لذلك فقد كانت القيادة وهيئة الأركان المشتركة جزءاً من هيئة الأركان العامة السوفييتية، وقد كان القائد العام للميثاق ورئيس الأركان من الضباط السوفييت. ولم يكن هنالك تنظيمات عسكرية مستقلة للدول الحلفاء حيث لم يكن هنالك هيكل قيادة، أو لوجيستيات، أو مديرية عمليات، أو شبكة دفاع جوي منفصلة عن وزارة الدفاع السوفييتية لدى القوات المسلحة المشتركة.

العقد الأول للحلف: انعكس تطور الأهداف الاستراتيجية للاتحاد السوفيتي وكذلك التغيرات في التكنولوجيا العسكرية على الهيكلة العسكرية للحلف. وقد شهد العقد الأول من حياة الحلف جهوداً حثيثة للسيطرة السياسية على الأعضاء غير السوفييت، إلا أنَّ هذه الجهود لم تثمر كما أراد لها الاتحاد السوفييتي، فعقب وفاة ستالين ونشوء حركة ما يعرف بتفكيك الستالينية – De-Stalinization بدأت دول أوروبا الشرقية تستبدل الضباط السوفييت في المناصب الحساسة في جيوشها الوطنية بضباط آخرين من الدول نفسها كما ركَّزت على توفير تدريبات مهنية لأفرادها. وقد أثارت الثورة البولندية والمجرية عام 1956 قلق موسكو من إمكانية الوثوق بالقوات غير السوفييتية في الحلف. نتيجة لذلك ظهرت العديد من المنعطفات الحادة في تاريخ حلف وارسو فقد تداخل هدف حماية القوات السوفياتية في أراضي الأقمار الصناعية مع قومية بعض الدول المكونة للحلف.

وبعد أزمة الاندماج ورحيل ستالين بدأ حلف وارسو يستجمع قواه من جديد، فعمد إلى تكثيف التدريبات العسكرية المشتركة، وتطوير المعدات السوفييتية العسكرية. كما تم استحداث لجنة وزراء الدفاع، والمجلس العسكري، والمجلس التقني العلمي العسكري، واللجان الفنيَّة. وجاءت هذه التغييرات في إطار تفعيل مشاركة الأوروبيين الشرقيين في عملية صنع القرار في الحلف، كما ساعدت التعديلات السوفييت على تنسيق أبحاث الأسلحة وتطويرها وإنتاجها مع الأوروبيين الشرقيين على نحو أفضل.

حلف وارسو والثورات الشعبية:

تم استخدام الحلف وسيلة لحفظ تماسك الاتحاد السوفياتي، كما تم استخدامه ذريعةً لكبح جماح الثورات الشعبية في المجر عام 1956، وتشيكوسلوفاكيا عام 1968، فقد قام الاتحاد السوفياتي باستدعاء قوات الحلف إلى داخل تشيكوسلوفاكيا في آب من عام 1968 وذلك لردع النظام التشيكوسلوفاكي عن اتخاذ خطوات بعيدة عن إطار الحلف، حيث سعت تشيكوسلوفاكيا إلى تعميق علاقتها مع الغرب، كما سعت إلى رفع القيود عن حرية التعبير. ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ رومانيا وألبانيا كانتا الدولتين الوحيدتين اللتين لم تشاركا في عملية قمع تشيكوسلوفاكيا، كما قامت دولة ألبانيا بالانفصال عن الحلف في العام ذاته، تحديداً في سبتمبر/أيلول 1968، بعد أن قاطعت اجتماعات الحلف منذ عام 1962، وقد كان العامل الجغرافي في صالح ألبانيا حيث لم تمتلك أي حدود مشتركة مع أي من أعضاء الحلف. وقد كان الحلف أداة سياسية فاعلة في يد السوفييت في دول العالم الثالث، حيث استخدم الاتحاد قوات عسكرية من دولٍ أخرى ضمن التحالف للتعاون مع دول صديقة في أفريقيا والشرق الأوسط خلال فترة السبعينيات والثمانينيات. كما تدخل الحلف في الثورة الشعبية في بولندا عام 1981م.

نهاية الحلف:

بحلول البيريسترويكا – Perestroika (إعادة الهيكلة) في عهد ميخائيل جورباتشوف – Mikhail Gorbachev دخل حلف وارسو مرحلة جديدة من الضعف والتفكك، حيث عمد جورباتشوف عبر هذه السياسة إلى إعادة رسم العلاقات السياسية والاقتصادية بين السوفييت وأوروبا الشرقية، كما تم تجديد المعاهدة عام 1985م. وفي عام 1987م تم تعديل المعاهدة للتأكيد على طبيعة الحلف الدفاعية إلا أنَّ ذلك لم يقف حائلاً أمام تدهور اقتصاد الدول الأعضاء وتصاعد النزعة الوطنية في دول أوروبا الشرقية.

وبعد ربيع الثورات الديموقراطية الذي اجتاح أوروبا الشرقية وانهيار جدار برلين عام 1989 أصبح حلف وارسو في طريقه للفناء، وكان انفصال ألمانيا الشرقية عن الحلف في العام التالي أي 1990، وتوحيد ألمانيا هو القشة التي قسمت ظهر البعير، والتي مثلت خرقاً أمنياً مرعباً للاتحاد السوفييتي، وعلى إثر ذلك ضغطت دول أوروبا الشرقية على السوفييت لحل الهياكل العسكرية الخاصة بالحلف، حيث انسحبت كل من تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا في شهر أكتوبر من عام 1990 من جميع التدريبات العسكرية في حلف وارسو، ثم تلتهم بلغاريا. وتم حل الهياكل العسكرية رسمياً بموجب قرار صدر عن اجتماع اللجنة الاستشارية السياسية في بودابست في شباط / فبراير 1991.

وقد تم اعتبار الحلف غير موجودٍ بشكل كامل في الأول من يوليو عام 1991، حيث تم إعلان ذلك في آخر اجتماع لقادة الحلف في براغ، تشيكوسلوفاكيا، وذلك قبل انحلال الاتحاد السوفياتي نفسه. وقد تم على إثر ذلك سحب القوات السوفياتية المنتشرة في مناطق الأقمار الصناعية وبذلك استقلت الدول المكونة للحلف عن بعضها والتي رفضت استمرار العداء التاريخي بين دول أوروبا الشرقية والغربية بشكلٍ رسمي مما أدى لاحقاً إلى دخول دول الحلف السابق – باستثناء روسيا – إلى حلف الناتو – NATO حيث انضمت كل من تشيكيا، والمجر، وبولندا إلى حلف الناتو خلال عام 1999، وتلا ذلك انضمام بلغاريا ورومانيا، وسلوفاكيا في 2004، كما انضمت استونيا، وليتونيا، وليتوانيا إلى حلف الناتو وهي جمهوريات سوفياتية سابقة.

أحلاف سادت ثم بادت

لا تختلف نهاية “حلف وارسو” عن نهايات أحلاف عسكرية أخرى ظهرت خلال النصف الثاني من القرن الماضي. ففي عام 1947 تم تشكيل “حلف الريو” الذي وُقّعت معاهدته فى مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية بهدف إيجاد تعاون وثيق بين دول القارة الأميركية، لكنه ما لبث مع مرور السنين أن شهد انسحابات شملت العديد من الدول ليبقى حبراً على ورق. وفي عام 1954 أنشأت الولايات المتحدة حلفاً حمل اسم “معاهدة حلف جنوب شرق آسيا” (أو حلف مانيلا) لمواجهة المدّ الشيوعي في المنطقة وضمّ إلى جانبها كلاً من: أستراليا، وفرنسا، ونيوزيلندا، والفيليبين، وتايلند، والمملكة المتحدة، وبروناي وفيتنام، لكنه ما لبث أن حُلَّ في عام 1977.

وفي عام 1955 تشكل “حلف بغداد” المعروف باسم “المعاهدة المركزية”، بعدما وقعت تركيا والعراق ميثاقا ينصّ على تعاون الدولتين فى مجالات الأمن والدفاع، وتُرك باب العضوية مفتوحاً أمام “الدول التي يعنيها الدفاع عن السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط من الخطر الشيوعي”. وضمّ التحالف في أوجه كلاً من: إيران، وباكستان، وتركيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. أما العراق الذي كان عضوا مؤسساً فقد انسحب رسمياً عام 1958، لتلحقه باكستان بعدما رفض أعضاء التحالف نجدتها أثناء حربها مع الهند عام 1971، ليتفكّك الحلف وينتهي مع قيام ثورة إيران عام 1979.

أمّا أكثر الأحلاف العسكرية رسوخاً واستمراراً في عصرنا الراهن فهو بلا منازع “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، الذي تأسس في أبريل (نيسان) 1949، كقوة موازنة للقوة السياسية والعسكرية المتنامية للاتحاد السوفياتي آنذاك. لكن بعض الخبراء الاستراتيجيين يتوقعون للناتو مصيراً مشابهاً لوارسو.

الناتو إلى أين؟

مع انهيار الاتحاد السوفياتي وما تلاه من سقوط للنظم الشيوعية في أنحاء عديدة من العالم، لم يعد الوضع الاقتصادي والسياسي والعسكري المستجد يُبرر إنفاق الولايات المتحدة لأموالها ومواردها العسكرية كما حدث خلال الحرب الباردة. في عام 1949، حدّدت الولايات المتحدة مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية على أنها تتماشى مع أوروبا، لكن في عامنا الحالي لم تعد هذه المصالح هي نفسها. إذ بدأت واشنطن، ومنذ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، تحويل اهتمامها ومواردها العسكرية نحو الجبهة الآسيوية ترقباً لصعود “التنين الصيني”، وبدأت تنظر إلى أوروبا بوصفها منافساً أكثر منه حليفاً.

ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي، والناتو يبحث عن سبب لوجوده. وقد منحت هجمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001  قبلة حياة للناتو؛ لكن مع توصّل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع حركة “طالبان” الأفغانية، سيضمحل هذا السبب قريباً. ومع تزايد انشغال أميركا بصعود الصين، فإن ثمة شعوراً متزايداً لدى إدارة الرئيس دونالد ترمب بأن الناتو بات عبئاً على الولايات المتحدة لا يمكنها تحمله، وبأنه من الأفضل استبداله بمجموعة من التحالفات المؤقتة والأصغر حسب الحاجة، على شاكلة التحالف الدولي للقضاء على “داعش”.

ثمة أسباب عدة تشير إلى قرب تفكّك الناتو، بحسب ريتشارد كارول، الباحث لدى “بوليسي دايجست”؛ فقد نفد صبر الولايات المتحدة جرّاء رفض غالبية دول الناتو تحمل نصيبها العادل من أعباء الحلف المالية، لا بل لم يخفِ ترمب اعتقاده بأن حلف الناتو لم يعد كياناً قابلاً للحياة، وأن انسحاب الولايات المتحدة منه بات ضرورة ملحة. لكن التركيز على قضية التمويل يحجب مشكلات أخرى. فالإحباط يتزايد داخل أروقة الحلف، وهو ما عبّر عنه بوضوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وصفه أخيراً بأنه يعاني من “موت دماغي”، ويحتاج من أعضائه التوقف عن الحديث حول التمويل طوال الوقت وبذل الكثير من الجهد للتعامل مع المشكلات الاستراتيجية العميقة التي يعاني منها.

بيسكو بدل الناتو؟

مع تخلي الولايات المتحدة شيئاً فشيئاً عن دورها كشرطيّ العالم، وتصميمها على نقل مركز ثقلها العسكري من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، فإن التحالف الذي استمر منذ عام 1949 يقترب من نهايته. 

في 2017، وقّع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية “بيسكو” الرامية لتعزيز التعاون الدفاعي، في مشهد أعاد للأذهان ما حدث عام 1966 عندما انسحبت فرنسا من قيادة حلف الناتو، ما شكّل زلزالاً هزّ وحدة الحلف آنذاك. شكّل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوات دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكرية تتخلص بفضلها من التبعية العسكرية للولايات المتحدة. ذراعٌ تعتمد عليها لتنفيذ سياستها خصوصاً في منطقة حوض المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.

ويرجّح الباحثون السياسيون، في حال استمرار فجوة التباعد بين طرفي الأطلسي، أن تلجأ الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو إلى زيادة إنفاقها العسكري، ليس لصالح الحلف، بل لصالح البدائل المطروحة، وأهمها تأسيس جيش أوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا يتحمل مسؤولية الأمن الأوروبي. ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تتجه دول أوروبا أكثر فأكثر نحو تكثيف التنسيق العسكري في مجالات البنى التحتية الدفاعية وتوحيد نظم التسليح والاتصال والدعم اللوجستي، ليجعلوا أنفسهم أقل اعتماداً على الولايات المتحدة الملوحة من بعيد على الشاطئ الغربي للأطلسي، وأكثر ردعاً في وجه الدبّ الروسي الرابض على بوابات “القارة العجوز” الشرقية.

المنابع:صحف ومواقع

محرر الموقع : 2021 - 02 - 26