في بلاد الربيع العربي.. من لا قبيلة له لا ديمقراطية له!
    

منذ انطلاقة الربيع العربي والاحتجاجات الجماهيرية المرتبطة به لاحقا، كان واضحا التمايز في المسارات والمآلات بحسب التركيبة الاجتماية لكل بلد عربي، بين بلدان منقسمة قبليا وطائفيا مثل، العراق سوريا واليمن وليبيا.

وهذه واجهت نزاعات أهلية وعانت مخاضا عسيرا، وقدّمت القدر الأكبر من الضحايا، وبلدان أكثر انسجاما اجتماعيا مثل، تونس ومصر، تلعب فيها المؤسسة العسكرية والأمنية دورا عميق التأثير، لكن دون أن تكون تلك المؤسسات حكرا على طائفة، أو قبيلة أو مكون اجتماعي.

بحيث يتحول الصدام مع النظام السياسي إلى صدام مع هذا المكون (الطائفة /القبيلة) وتكون المعارضة معتمدة بالمقابل على قبيلة أخرى (قبيلة روحية بمعنى الطائفة أو قبيلة سلالية) وهذا كان يؤدي إلى أن يتحول الصدام مع السلطة إلى احتراب دموي بين طائفة/قبيلة النظام وطائفة/قبيلة المعارضة، فيتحول الربيع إلى اقتتال اجتماعي.

وكان الملاحظ أن ثورات الربيع العربي عبرت مراحل سريعة نسبيا من تحول السلطة في البداية (مبارك في مصر، بن علي في تونس) بينما استغرقت الثورة سنوات طوال، واستنزفت مئات الآلاف من الضحايا والدمار والتهجير في سوريا وليبيا واليمن، والعامل الأول المسبب لذلك هو قوة العصبة، التي تستند لها السلطة الحاكمة، فمن لا قبيلة له لا ربيع عربي مزهر له وبالتالي لا ديمقراطية له.

في ليبيا مثلا، قام نجاح الثورة الليبية على دعم مناطق وقبائل محددة، مصراته مثلا لعبت دورا حاسما في غرب ليبيا، وسقطت بيد المعارضة سريعا، وباتت منطلقا لهجمات «الثوار» على العاصمة طرابلس ومحيطها، وكانت الند لمدينة بني وليد، حيث مركز قبيلة ورفلة التي اتخذت موقفا متوجسا من الثورة الليبية، تحول لاحقا لمعارضتها حتى بعد سقوط العاصمة طرابلس وسقوط النظام الليبي برمته.

إذ حاصر الثوار، الذين هم في الحقيقة مسلحو مصراته، حاصروا بني وليد لأسابيع في محاولة لإسقاطها، ومثلها سرت، التي ظلت تواجه حملات إخضاع منتظمة من قوات طرابلس، التي كانت مصراتة تهيمن عليها حينها، ولولا انتصار فصائل مصراتة في الغرب وبنغازي في الشرق، على فصائل وقبائل بني وليد وسرت وسبها، لما كانت الثورة الليبية انتصرت، ولما كان القذافي سقط.

وحتى مقتل القذافي بهذه الطريقة المهينة، حمل بصمات الثأر من مقاتلي مصراتة الذين حاصروا سرت شهورا، بينما نجد أن ابن القذافي سيف الإسلام لاقى معاملة أفضل نسبيا من آسريه، بسبب طبيعة العلاقة القبلية مع الزنتان، الذين اعتقلوه في طريق هروبه في الصحراء الليبية.

وقبل أيام خرج سيف الإسلام طليقا في مقابلة مع «نيويورك تايمز» يقول فيها إنه يطمح للعب دور سياسي، مستغلا على ما يبدو تراجع سطوة مصراتة، أعداء نظام والده وصعود مناهض لهم هو حفتر، الذي يعتمد في قسم كبير من أنصاره على المناطق والقبائل التي كانت مؤيدة للقذافي.

ومعظم هذه التقسيمة القبلية لها سوابق تاريخية، خصوصا النزاع بين مصراتة وبني وليد، الذين اقتتلوا خلال الاحتلال الإيطالي وحوصرت بني وليد أيضا من مقاتلي مصراتة، وذهب ضحية هذا الاقتتال زعماء من المدينتين، ما أنتج ذاكرة مشحونة وأبياتا من الشعر تحكي قصة المعركة والثأر.

ليبيا ليست سوى مثال لدور القبائل ونزاعاتها، ولدينا في الكفة المقابلة سوريا، التي تخندقت في طوائف (قبائل روحية) وباتت المعارضة حكرا على طائفة، وبات النظام مستندا لطائفة، وما بينهما من طوائف صغيرة (مسيحيين/دروزا) اختاروا النأي بالنفس في أفضل التوصيفات.

وهكذا تبدأ الثورات في البلدان المنقسمة بحدة بمطالب عامة ضد النظام، لكنها تتحول سريعا لنزاع أهلي بين عصبة النظام والمعارضة، هذا وفق التوصيف الواقعي.

أما الافتراضي والمتخيل فيمكن الإسهاب فيه ما دام يعتمد على نماذج مفترضة لا يمكن إسقاطها على المجتمعات المنقسمة، أما في البلاد التي لا تكون فيها للنظام عصبة أو قبيلة يعتمد عليها، كمصر وتونس، فإن المؤسسة العسكرية تحل هنا لتلعب دور الحامي العميق.

لكن رغم ذلك، فالآثار الاجتماعية وحجم الدمار والضحايا في هذه الحالة من استبداد المؤسسة العسكرية، أخف بمراحل من حالة النظام المستندة قوته العسكرية لكتلة اجتماعية تلبس رداء الدولة، وتحميها حماية لوجودها!

وهكذا باتت نتيجة المعركة في الربيع العربي وكأنها تتحدد حسب ميزان القوى بين القبيلة المعارضة والقبيلة الحاكمة، ومن لا قبيلة له لا ديمقراطية له في بلاد الربيع العربي.

وائل عصام /المصدر | القدس العربي

محرر الموقع : 2021 - 08 - 07