مصر: تعديلات دستورية أم نظام سياسي جديد؟
    

 

د. أحمد عدنان الميالي/مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

 

تشهد مصر أزمة سياسية أثارتها قضية تعديل الدستور، لكنها تستبطن محرضات عديدة تنطلق من مسألة الموقف من وصول عبد الفتاح السيسي للسلطة ما إذا كان بثورة ذات مشروعية أم انقلاب عسكري على رئاسة محمد مرسي الذي يمثل خط الاخوان المسلمين، وتبع هذا حصول انقسامات سياسية واجتماعية إزاء مقبولية العسكر بالحكم السياسي أم مقبولية الإسلام السياسي في ممارسة السلطة؟

 وبعد استبدال المواقع مابين الطرفين بدأت جماعة الاخوان المسلمين وبعض القوى السياسية الأخرى بمعارضة حكم السيسي، والأخير عمل على تجيير أدوات السلطة لإضعافهم سياسيا، مما أنعكس على فتح أزمات أمنية وسياسية، فعلى مستوى التراجع الأمني في إستخدام ورقة التفجيرات المتكررة في سيناء وتفجيرات كنائس واغتيالات لقادة وقانونيين، نسبها السيسي للإخوان، أما على المستوى السياسي: طرحت قضايا إنتهاكات حقوق الإنسان داخليا ودوليا، بالمقابل استخدم السيسي القضاء كمنصة للتخلص من المعارضين.

صراع الشرعية والمشروعية لنظام السيسي المطروح من المعارضين لحكمه تمت مواجهته من قبله بطرح مسألة التعديلات الدستورية التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط السياسية والاجتماعية، وتتمحور هذه التعديلات حول إمكانية تمديد الولاية الرئاسية إلى ست سنوات وتمدد لولايتين مع السماح للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الاستفادة من هذا التعديل، مما يمكنه وفق ذلك البقاء في سدة رئاسة الجمهورية المصرية لغاية عام ٢٠٣٤ -إن فاز بالإنتخابات-، ومع كل الجدل الحاصل أنطلق قطار التعديلات داخل البرلمان المصري وتمت الموافقة المبدئية عليها، والسؤال هنا: هل أن المضي بتنفيذ هذا التعديل في حد ذاته، يشكل تعديلا دستوريا إجرائيا، أم عودة عن فلسفة وأصول الدستور القائم نحو دستور يجترح نظام سياسي جديد؟.

هذه التعديلات بحسب الكثير من المراقبين تطرح سيناريوهات ترى أن مصر أمام دستور ونظام جديد، يتجاوز المبادئ والأطر الرئيسة لتنظيم العلاقة بين سلطات الدولة التي تحكم الشعب المصري، وتصبح قضية التعديل عملياً، ليست للبحث عن مخرج دستوري لتمديد بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي لولايات رئاسية جديدة فهذه قضية ثانوية، بل أن مغزى التعديلات الدستورية هو إقحام نظام سياسي جديد في مصر يقوي من صلاحيات رئيس الجمهورية ويجعله مستحوذاً على كل السلطات، إضافة إلى كشف اللثام عن دور الجيش في الحياة السياسية المصرية.

إن أهم التعديلات هو منح رئيس الجمهورية صلاحيات جديدة تضعه عملياً على رأس السلطة القضائية، مع إنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية برئاسة رئيس الجمهورية وينوب عنه وزير العدل، في حال غيابه ويتولى الرئيس تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية، بما في ذلك المحكمة الدستورية، وهي الجهة المنوط بها النظر في دستورية القوانين والإجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية ورئيس الدولة.

من التعديلات الأخرى هو تكييف وضع الجيش وإقحامه بشكل علني في الشأن السياسي بعد أن كان يحكم من الخلف، إذ وفق التعديلات سيتغير وضع المؤسسة العسكرية جذرياً ويصبح لها وضع مقنن دستورياً، إذ يصبح تعيين وزير الدفاع منوطا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والأهم من ذلك كله هو توسيع مهمة ودور الجيش، وبعد أن كانت تقتصر على حماية البلاد والحفاظ على أمن وسلامة أرض الدولة، أصبحت أدواره تشمل صيانة الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد، مما يمنح قيادة الجيش كل القرارات التي تتعلق بكافة جوانب ومجالات الحياة في مصر وفي مختلف الظروف، غطاءً دستوريا، ويجعل من هذه القيادة، عمليا، السلطة العليا في مصر.

أما التعديلات الأخرى تظل ثانوية أو شكلية، أو لأهداف إجرائية، مثل إنشاء مجلس للشيوخ لا يتمتع بأي صلاحيات ليكون وسيلة لإرضاء بعض الجهات والفئات البارزة في المجتمع عبر دخولها هذا المجلس.

يتضح من كل ذلك، إن التعديلات المقترحة لن تقتصر على تفصيلات تتعلق بتمديد الولاية الرئاسية وعددها وإتاحة بقاء السيسي في السلطة، وإنما تشكل تراجعاً جذريا لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وفقدان استقلالية تلك السلطات عن بعضها البعض، بل وتخلق سلطة رابعة مهيمنة تتمثل في الجيش الخاضع للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، ومن هنا يصبح السؤال مشروعا عما إذا كان الحديث يتعلق بمجرد تعديلات دستورية أم نظام سياسي عسكري جديد؟.

سياسيا، تؤكد كافة المؤشرات المحلية والدولية أن هذه التعديلات يمكن أن تمر باستفتاء شعبي، وقد يفوز السيسي بالانتخابات المقبلة عام ٢٠٢٢، لكن يبدو أن تلك التعديلات لا يراد أن يكون الدستور للتطبيق والشرعية، كما إنه لا يراد أن يكون عقداً فقط، بل يراد بتلك التعديلات أن يكون آية للانتصار وبرهان هزيمة للخصوم السياسيين، ووثيقة اعتراف جماعية بالنظام منتصراً.

مع ذلك، من المعروف أيضا أن مفهوم شرعية السلطة يتجاوز النصوص الدستورية أو القانونية، وظروف وإجراءات إقرار تلك التعديلات، ويتعلق أساسا بوجود مناخ سياسي جماهيري ونخبوي وحزبي مرحب ومتضامن، هذا المناخ أما محدود أو مغلوب على أمره. بالمقابل هنالك اتجاهات تطالب بالتغيير وترفض التعديلات الدستورية رغم محدوديتها كما ترفض الهيمنة والسلطوية. وهذا صلب المشكلة التي ستفتح اتجاهات عدم الاستقرار السياسي في مصر ودخولها أزمة شرعية حكم مستمرة.

لكن هنالك مؤشرات على امكانية تجاوز نظام السيسي أزمة الشرعية، كالآتي:

1- مؤشرات دولية: تتمثل بنجاح السيسي تجاوز ما تثيره أوضاع حقوق الإنسان في مصر من تحفظات دولية، فالولايات المتحدة وأوروبا لا يمكنها تجاهل الدور المصري كعملاق إفريقي عربي له موقع إستراتيجي وقدرات بشرية بمئة مليون نسمة، ولهذا فالغرب يعتبر السيسي شريكا استراتيجيا بارزا له، وكذلك قريب من توجهاته في إدارة الأزمات في ليبيا وسوريا واليمن والموقف من إيران، ورغم أن الغرب أقر بحدوث تجاوزات على مستوى حقوق الإنسان في مصر لكنه أعتبر أن الأولوية هي للاستقرار الأمني والسياسي فيها، وهذا شكل دافعية للسيسي للتمديد لنفسه ولتعديل الدستور، فمن المؤكد أن مساعي الرئيس المصري لتمديد ولايته قد لا تلقى رادعا لها لدى المجتمع الدولي بحجة مكافحته الإرهاب والهجرة السرية وحفظ الاستقرار في المنطقة.

2- مؤشرات إقليمية: فمصر كدولة إفريقية سترأس أتحاد القارة لهذه الدورة برئاسة السيسي بدءاً من الشهر المقبل، كما عمل السيسي على تقارب مع إثيوبيا فيما يخص أزمة سد النهضة، وأيضا فتح حوارات مع السودان، وهو لايزال حليف مهم للمملكة العربية السعودية التي تدعمه حتى بتجاوز أزماته الاقتصادية، إضافة إلى العلاقة المستقرة مع إسرائيل.

3- مؤشرات داخلية: فعلى المستوى المحلي هنالك شرائح كبيرة من المصريين تؤيد حكم السيسي لا حباً فيه لكن كرهاً بخصومه السياسيين، فهنالك قناعة مصرية عظمى بتغليب أولوية الاستقرار والأمن على الفوضى، فضلا عن إيجاد السيسي حلول لبعض المشكلات المرتبطة بالكهرباء والبنى التحتية رغم الضغط الاقتصادي الذي يتعرض إليه بفعل تهالك تلك البنى، ومنها سكك الحديد وغيرها.

محرر الموقع : 2019 - 04 - 22