“‬أفسدنا‭ ‬كل‭ ‬شيء”.. عنوان النهاية المهينة لأمريكا في أفغانستان
    

انتهت‭ ‬أطول‭ ‬حرب‭ ‬أميركية‭ ‬قبل‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬ليل‭ ‬31‭ ‬آب‭/‬أغسطس‭ ‬الموعد‭ ‬النهائي‭ ‬الذي‭ ‬حدده‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬لاكتمال‭ ‬عملية‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬مع‭ ‬إقلاع‭ ‬طائرة‭ ‬نقل‭ ‬عسكرية‭ ‬من‭ ‬كابول،‭ ‬محملة‭ ‬جنودا‭ ‬وأسلحة‭ ‬وسفير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

ومع‭ ‬مغادرة‭ ‬تلك‭ ‬الطائرة‭ ‬العملاقة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬سي‭-‬17‮»‬،‭ ‬انتهى‭ ‬الجسر‭ ‬الجوي‭ ‬الذي‭ ‬أجلي‭ ‬عبره‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬عقب‭ ‬استيلاء‭ ‬طالبان‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬قبل‭ ‬أسبوعين،‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬تدخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والإطاحة‭ ‬بالحركة‭ ‬المتشددة‭ ‬

وبذلك،‭ ‬تكون‭ ‬أفغانستان‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬وجود‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬أنزلت‭ ‬المصير‭ ‬نفسه‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الحديث‭. ‬

وقفزت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تابعها‭ ‬الاميركيون‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬فجأة‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬13‭ ‬جنديا‭ ‬أميركيا‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬انتحاري‭ ‬تبناه‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭-‬ولاية‭ ‬خراسان‭. ‬

وبعد‭ ‬قرابة‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭ ‬عام‭ ‬دون‭ ‬مقتل‭ ‬أي‭ ‬أميركي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬ستبقى‭ ‬صورة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬واضعا‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬قلبه‭ ‬أمام‭ ‬نعوشهم‭ ‬لدى‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬القاعدة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬دوفر‭ ‬الأحد،‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬الأذهان.  ‬وكان‭ ‬خمسة‭ ‬جنود‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬رضعا‭ ‬عندما‭ ‬نفّذ‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬المتمركز‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والمحمي‭ ‬من‭ ‬طالبان،‭ ‬هجمات‭ ‬11‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬فتيل‭ ‬الصراع‭. ‬

ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬أن‭ ‬طالبان‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ضمنت‭ ‬جزئيا‭ ‬الأمن‭ ‬لانسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعدما‭ ‬هددها‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭-‬ولاية‭ ‬خراسان‭. ‬

وقال‭ ‬الجنرال‭ ‬كينيث‭ ‬ماكنزي‭ ‬مسؤول‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬للجيش‭ ‬الأميركي‭ ‬الاثنين‭ ‬إن‭ ‬‮«‬طالبان‭ ‬كانت‭ ‬براغماتية‭ ‬ومحترفة‭ ‬جدا‮»‬‭. ‬

درجة‭ ‬ثانية‭ ‬

وأفغانستان‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الجبهة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬11‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تراجعت‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأميركي‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬لإطاحة‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬السلطة‭. ‬

وبدلا‭ ‬من‭ ‬مغادرة‭ ‬هذين‭ ‬البلدين‭ ‬بعد‭ ‬أولى‭ ‬الانتصارات،‭ ‬احتلتهما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لبناء‭ ‬دولتين‭ ‬ديموقراطيتين‭ ‬على‭ ‬صورتها‭. ‬

في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬أثبتت‭ ‬الحكومة‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬أنها‭ ‬فاسدة‭ ‬وغير‭ ‬فعالة‭ ‬فيما‭ ‬واصل‭ ‬مسلّحو‭ ‬طالبان‭ ‬تمرّدهم‭. ‬

وكان‭ ‬المدنيون‭ ‬والجيش‭ ‬الأفغاني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عانى‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الإخفاقات‭ ‬مع‭ ‬مقتل‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬صفوفهم‭. ‬

لكن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬دفعت‭ ‬أيضا‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا،‭ ‬مع‭ ‬مقتل‭ ‬2350‭ ‬عسكريا‭ ‬وكلفة‭ ‬مالية‭ ‬إجمالية‭ ‬بلغت‭ ‬2‭,‬3‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬وفقا‭ ‬لجامعة‭ ‬براون‭. ‬

النهاية‭ ‬

بدأت‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬منصبه‭ ‬العام‭ ‬2016‭ ‬متعهدا‭ ‬إنهاء‭ ‬‮«‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‮»‬‭. ‬

لكن‭ ‬ترامب‭ ‬واجه‭ ‬مقاومة‭ ‬من‭ ‬البنتاغون‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬زاد‭ ‬الانتشار‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬إلى‭ ‬16‭ ‬ألف‭ ‬جندي،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لذلك‭ ‬تأثير‭ ‬يذكر‭ ‬على‭ ‬طالبان‭. ‬

ثم‭ ‬بدأ‭ ‬مفاوضات‭ ‬ثنائية‭ ‬مع‭ ‬المتمردين‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬اتفاق‭ ‬يقضي‭ ‬بانسحاب‭ ‬الجنود‭ ‬الأميركيين‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬أيار‭/‬مايو‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬موافقة‭ ‬طالبان‭ ‬على‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬كابول‭ ‬والتعهد‭ ‬عدم‭ ‬مهاجمة‭ ‬الجنود‭ ‬الأميركيين‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ذلك‭. ‬

لكن‭ ‬طالبان‭ ‬صعّدت‭ ‬هجومها‭ ‬ضد‭ ‬الجيش‭ ‬الأفغاني‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

عندما‭ ‬وصل‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬تبقى‭ ‬إلا‭ ‬2500‭ ‬جندي‭ ‬أميركي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭. ‬

وبعد‭ ‬درس‭ ‬الوضع‭ ‬مليا،‭ ‬قرر‭ ‬الرئيس‭ ‬الديموقراطي‭ ‬منتصف‭ ‬نيسان‭/‬أبريل‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الانسحاب،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المaوعد‭ ‬تأخر‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬عن‭ ‬الموعد‭ ‬المقرر‭ ‬سابقا‭. ‬

‭ ‬وقال‭ ‬بايدن‭ ‬‮«‬ذهبنا‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭ ‬بسبب‭ ‬هجوم‭ ‬مروع‭ ‬قبل‭ ‬20‭ ‬عاما‭. ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يفسر‭ ‬سبب‭ ‬بقائنا‭ ‬فيها‭ ‬العام‭ ‬2021‭. ‬ حان‭ ‬الوقت‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‮»‬‭. ‬

‭ ‬‮«‬أفسدنا‭ ‬كل‭ ‬شيء‮»‬‭  ‬

انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬لكن‭ ‬أسرع‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬المسؤولون‭ ‬الأميركيون‭. ‬

فقد‭ ‬خططوا‭ ‬لعملية‭ ‬إجلاء‭ ‬منظمة‭ ‬للمدنيين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬المغادرة،‭ ‬بهدف‭ ‬تجنب‭ ‬مقارنات‭ ‬بالذكرى‭ ‬المؤلمة‭ ‬لسقوط‭ ‬سايغون‭ ‬والصورة‭ ‬التي‭ ‬خلدت‭ ‬هزيمة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭: ‬لاجئون‭ ‬يصعدون‭ ‬على‭ ‬مروحية‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬أحد‭ ‬المباني‭. ‬

وقال‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬تموز‭/‬يوليو‭ ‬‮«‬لن‭ ‬تشاهدوا‭ ‬اجلاء‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬سفارة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‮»‬‭. ‬

وبعد‭ ‬خمسة‭ ‬أسابيع،‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬طالبان‭ ‬كابول‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقاومة،‭ ‬هبطت‭ ‬مروحيات‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬شينوك‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬لنقل‭ ‬دبلوماسيين‭ ‬أميركيين‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الأمان‭. ‬

والحرب‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فيه‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬ولا‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬موجودة،‭ ‬انتهت‭ ‬بمقطع‭ ‬فيديو‭ ‬انتشر‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬للضابط‭ ‬في‭ ‬مشاة‭ ‬البحرية‭ ‬ستيوارت‭ ‬شيلر‭ ‬الذي‭ ‬طالب‭ ‬بمحاسبة‭ ‬القيادات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬على‭ ‬إجراءات‭ ‬الانسحاب‭. ‬

وقال‭ ‬في‭ ‬المقطع‭ ‬‮«‬الناس‭ ‬غاضبون‭ ‬لأن‭ ‬رؤساءهم‭ ‬خذلوهم‭. ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬يرفع‭ ‬يده‭ ‬لتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬ويقول‭ +‬لقد‭ ‬أفسدنا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭+‬‮»‬‭. ‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬تم‭ ‬إعفاء‭ ‬ستيوارت‭ ‬شيلر‭ ‬من‭ ‬منصبه‭. ‬

المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب

محرر الموقع : 2021 - 09 - 01