إعادة تعريف المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط في ظل التنافس مع الصين
    

لو ألقينا نظرة على السياسة الأمريكية في العام المنصرم، لأتضح بان أولوية الصين في السياسة الأمريكية واستراتيجيتها، تعد حقيقة لا يمكن رفضها وتجاهلها. فاتخاذ سياسة منفعلة في مواجهة الحرب التي جرت بين أذربيجان وأرمينيا بعام 2020 والنهاية الرسمية لدعم السعودية في الحرب ضد اليمن والاتفاق مع بغداد لخروج القوات العسكرية الأمريكية من العراق، وتبني سياسة الحفاظ على الوضع السائد في سورية وإخراج جزء من المعدات العسكرية من الخليج واستقرار جزء منها في الأردن وأخيرا الخروج من أفغانستان، كلها قضايا تدل على ان أمريكا تريد ان تركز كل قواها على احتواء الصين، وتضع نهاية لقضايا مكلفة لهذه البلد، غير ان السؤال الرئيس يدور حول مصير السياسة والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؟

وفي خطاب ألقاه في 30 سبتمبر، بعد انتهاء الوجود العسكري في أفغانستان، أعلن جو بايدن بأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هو نهاية المهمة العسكرية لإعادة بناء الدول. وهذا يعني أن الولايات المتحدة لن تتدخل بعد الآن في الشؤون الداخلية وقضايا مثل حقوق الإنسان وبناء الدولة. بالطبع هذه السياسة الأمريكية ليست جديدة وتضرب بجذورها في الحرب الباردة. فعندما ظهر التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لم تهتم الولايات المتحدة بقضايا مثل حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، وما كان يهمها هو انحياز المزيد من الحكومات في الكتلة الغربية إلى الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي. في الواقع، أدت أولوية التنافس مع الاتحاد السوفيتي إلى قيام الولايات المتحدة بدعم أكثر الدول ديكتاتورية بشرط أن تعارض الاتحاد السوفييتي أو تتعاون مع الولايات المتحدة.

على هذا فإن ما يهم الولايات المتحدة من الآن فصاعدا هو أمن الشرق الأوسط وذلك في شكله الصلب. هذا يعني أنه حتى لو حكمت الحكومات الاستبدادية الشرق الأوسط ولم تحترم حقوق الإنسان، لكنها تساعد في الحفاظ على الأمن الإقليمي، فهذا يكفي للولايات المتحدة. بعبارة أخرى، لم تعد القضايا الناعمة والمتمحورة حول القيم من أولويات أمريكا في الشرق الأوسط. على هذا، فإن القضايا الصلبة والأمنية تشكل مصدر قلق لهذا البلد. ومن ثم، فإن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تبتعد عن القضايا التي تحركها القيم، وستعتمد فقط على عدم تعرض امن الشرق الأوسط بالمعنى الصلب للتغييرات. إذ ان ما يهم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليس الشؤون الداخلية للشرق الأوسط. إن ما يهمها هو العلاقات بين دول الشرق الأوسط. بالطبع، العلاقة الكاملة بين حكومات الشرق الأوسط ليست مهمة للولايات المتحدة. بل إنها تشكل جزءا فقط من العلاقة التي تهدد أمن المنطقة ككل.

على هذا يمكن القول بان الولايات المتحدة كانت تركز على قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط لمدة ثلاثة عقود منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وحتى في خطة جورج بوش المعنونة بـ الشرق الأوسط الكبير، فقد سعت إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الشرق الأوسط بأكمله. ولكن الآن وبعد أن أصبحت المنافسة مع الصين على رأس أولويات الولايات المتحدة، يتم تهميش القضايا الناعمة، وما يهم الولايات المتحدة هو عدم مواجهة أمن المناطق الرئيسية في العالم، مثل الشرق الأوسط، تحديات ما، كي لا تحمل أمريكا أي تكاليف. ومن ناحية أخرى، هذا الأمر يمهد الطريق لظهور الحكومات المتنافسة، مثل الصين وروسيا. وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن الولايات المتحدة لن تقوم بعمل عسكري صارم في أي دولة أخرى في الشرق الأوسط للدفاع عن بناء الدولة أو الديمقراطية.

ديبلماسي إيراني

 

محرر الموقع : 2021 - 09 - 07