تقرير بريطاني يتحدث عن الفائز الوحيد من حروب أمريكا الأبدية في “أفعانستان والعراق”
    

أظهرت دراسة استقصائية، بمناسبة الذكرى العشرين لأحداث 11 أيلول/سبتمبر 2021، أن حجم ما أنفقته “الولايات المتحدة الأميركية”، في حربي: “أفغانستان” و”العراق”، اللتين خاضتهما بدعوى: “القضاء على الإرهاب”، ناهز خمسة تريليونات دولار، وأن المستفيد الأول من هذه الأموال هو: “صناعة الدفاع الأميركية” ومقاولوها.

جاءت هذه التقديرات والمستخلصات في تقرير استقصائي نشرته صحيفة (الغارديان) البريطانية، تعقّب أحجام وطرائق الصرف الأميركي على ما سُمي: بـ”الحروب الأبدية”، في “أفعانستان” و”العراق”؛ على امتداد العقدين الماضيين، ومن هم المستفيدون الحقيقيون من كل ذلك.

ويكشف التقرير الصادم، الذي أعدته البروفيسور “ليندا ج. بيلمز”، رئيسة مركز “دانيال باتريك موينيهان” للسياسة العامة والمالية العامة؛ بجامعة “هارفارد”، مساعدة وزير التجارة الأميركي السابقة، أن عدد المقاولين العسكريين الخاصين في حربي: “العراق” و”أفغانستان”؛ فاق عدد القوات الأميركية الموجودة على الأرض، في شراكة مريبة حصلت بين القطاعين العام والخاص، كان الفائز الوحيد الواضح فيها؛ هو: صناعة الدفاع الأميركية، بالعوائد وأسعار الأسهم.

ويخلص التقرير إلى أن: “إرث هذا الإنفاق الدفاعي، لما بعد 11 أيلول/سبتمبر، سيستمر في التهام ميزانية الولايات المتحدة لسنوات قادمة”.

عدد المتعاقدين يفوق عدد القوات !

يعرض التقرير؛ كيف أن الجيش الأميركي، في “العراق” و”أفغانستان”، اعتمد بدرجة غير مسبوقة، على متعاقدين من القطاع الخاص للدعم في جميع مناطق العمليات الحربية تقريبًا.

وبحسب التقرير؛ قام المقاولون بلوجيستيات تزويد الشاحنات والطائرات والوقود والمروحيات والسفن والطائرات من دون طيار والأسلحة والذخيرة، بالإضافة إلى خدمات الدعم من تقديم الطعام والبناء إلى تكنولوجيا المعلومات والخدمات اللوجيستية.

ويعتمد التقرير بيانات رسمية تُظهر أن عدد المتعاقدين على الأرض فاق عدد القوات الأميركية في معظم سنوات النزاعات.

فبحلول صيف عام 2020، كان لدى “الولايات المتحدة”: 22562 متعاقدًا، في “أفغانستان”، وهو ما يقرب من ضعف عدد القوات الأميركية.

وقبل ذلك، أظهرت أرقام “القيادة المركزية الأميركية”، (CENTCOM)، للربع الرابع من السنة المالية 2018، وجود: 49451 متعاقدًا يعملون لصالح “وزارة الدفاع” في منطقة مسؤوليتها، بما في ذلك: 28189 فردًا في: “أفغانستان والعراق وسوريا”.

ثقافة المال اللامتناهي..

ويعرض التقرير كيف أن تمويل مخصصات بند: “الحساء” مثلاً، الخاص بصناعة الدفاع؛ كان يتم بالطريقة نفسها التي تم بها وضع ميزانية الحروب ودفع ثمنها.

فقد استخدم “الكونغرس” التمويل: “الطاريء”، الذي يتحايل على عملية الموازنة العادية. فهذا النوع من مخصصات الطواريء، عادة ما يكون محصورًا بالأزمات لمرة واحدة مثل الفيضانات والأعاصير، لكن الإشراف المفصل على الإنفاق ضئيل، كما يوضح التقرير.

ولأن هذا النوع من الإنفاق مستثنى من توقعات الموازنة وتقديرات العجز، فقد مكّن الجميع من الاستمرار في التظاهر بأن الحروب ستنتهي قريبًا. وكانت النتيجة، كما يُشير التقرير، هي ما أسماه وزير الدفاع السابق، “روبرت غيتس”: “ثقافة المال اللامتناهي” داخل (البنتاغون).

فقد اتخذت “وزارة الدفاع” القرارات العملياتية، إدارة عملية تقديم العطاءات للمقاولين، منح العقود، (إلى حد كبير باستخدام العطاءات غير التنافسية)، وأحتفظت بما لا يقل عن: 10% من تمويل زمن الحرب في حسابات سرية.

ولذلك، حتى الأزمة المالية، لعام 2008، لم تستطع أن توقف فورة الإنفاق، ففي حين فرض “الكونغرس” سقوفًا شاملة للإنفاق على البرامج الحكومية، فقد تم استبعاد الإنفاق الحربي على وجه التحديد.

وكان (البنتاغون) قادرًا على استخدام ميزانية الحرب: “الطارئة”؛ الخاصة لشراء التحديثات والخدمات والمعدات الجديدة، التي بالكاد كانت مرتبطة: بـ”العراق” أو “أفغانستان”، وبالتالي، استمرت ميزانية (البنتاغون) في النمو، وتمكنت من مضاعفة حجمها بين عامي: 2001 و2020.

ارتفاع أسهم شركات الصناعات الحربية..

ويُظهر التقرير؛ أن أسهم شركات الصناعة الدفاعية، خلال حرب “أفغانستان”؛ ارتفعت بأكثر من: 60% فوق المؤشر العام للسوق.

فقد أتاحت زيادة الإنفاق الحربي موجة من الإندماج في الصناعة الدفاعية، بحسب التقرير، إذ استحوذت الشركات الخمس الكبرى: “لوكهيد مارتن”، و”بوينغ”، و”جنرال دايناميكس”، و”رايثيون”، و”نورثروب غرومان”، على حفنة من الشركات الأخرى الأصغر؛ مثل: “هيوز” للطائرات و”ماكدونيل دوغلاس”.

وقامت شركة “لوكهيد مارتن” بتصنيع مروحيات، (بلاك هوك)، المستخدمة على نطاق واسع في “أفغانستان”، وباعت شركة “بوينغ” الطائرات والمركبات القتالية البرية، كما فازت شركة “رايثيون” بالعقد الرئيس لتدريب القوات الجوية الأفغانية، في حين أن شركتي: “نورثروب غرومان” و”جنرال دايناميكس” زودتا تلك القوات بالمعدات الإلكترونية ومعدات الاتصالات.

أرباح المقاولين..

وفي الوقت نفسه كسب الآلاف من المقاولين، حول العالم؛ أموالاً من بيع نظارات الرؤية الليلية والمحركات وأكياس الرمل ومعدات الاتصالات وجميع أنواع الأدوات في المجهود الحربي.

كما كانت شركات “النفط” العالمية من المستفيدين الرئيسيين من الحرب، لأن (البنتاغون) هو أكبر مشترٍ للوقود في العالم.

ولتوضيح مبررات الريبة في كل ذلك، يُسجل التقرير أن قطاع الدفاع أنفق أكثر من: 2.4 مليار دولار؛ للضغط على “الكونغرس”، منذ عام 2001، وقدم مساهمات مباشرة في حملات معظم الأعضاء.

وليس من المستغرب، وفق التقرير، أن الكثير من النفقات في زمن الحرب كانت مهدرة للغاية. المفتشون العامون لـ”أفغانستان” و”العراق”، ولجنة التعاقد في زمن الحرب، والمفتش العام لـ (البنتاغون)، جميعهم وثّقوا حالات الهدر والربح والفساد و”الإنفاق الوهمي”، حيث بينوا أن: “الأموال أُنفقت على أنشطة لم تكن موجودة على الإطلاق”، بحسب التقرير.

ووفقًا لمحللين حكوميين، كما جاء في التقرير، كانت النتيجة النهائية لمشاركة القطاع الخاص على نطاق واسع في “العراق” و”أفغانستان”، هي زيادة تكلفة العمليات الحربية ماديًا. وتم إنفاق الكثير من أموال إعادة الإعمار البالغة: 145 مليار دولار على مشاريع مشكوك فيها، وبميزانيات بدت مفرطة، أو ببساطة لا يمكن حسابها.

ويخلص التقرير إلى أن الوجود العسكري الأميركي على الأرض؛ قد يكون انتهى الآن، لكن، لا يزال يتعين على “أميركا” استيعاب الثمن الباهظ.

محرر الموقع : 2021 - 09 - 15