صراعات في كل مكان… والعالم في أزمةكبيرة
    

وفقا لتنبؤات كارل ماركس، الفيلسوف الألماني، فإن النظام الرأسمالي، ووفقا لبنيته الداخلية ووظيفته وطبيعته، مثل الإنتاج والاستهلاك، يدخل في أزمة وركود كل ربع قرن. يعاني النظام الرأسمالي العالمي في يومنا هذا من أزمة تفاقمت بسبب جائحة كورونا. وعلى الرغم من ركود النظام الرأسمالي لعدة مرات بعد الحرب العالمية الأولى، مثل الانهيار الكبير عام 1929، والذي لم يتم حله الا باندلاع الحرب العالمية الثانية، لكن لم يحدث بان كانت العناصر المختلفة للبشر منفصلة عن بعضها البعض وتعيش في صراع مستمر.

 اليوم ومن ناحية، هناك صراع عميق بين الولايات المتحدة والصين، ومن ناحية أخرى، هناك تضارب في المصالح بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وحتى الأوروبيون يحاولون إنشاء جيش موحد منفصل عن الناتو ولم يثقوا بالولايات المتحدة ومن ناحية أخرى، ففي داخل الاتحاد الأوروبي، هناك خلافات بين الدول الغنية والفقيرة، مما أدى إلى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. بالإضافة إلى ذلك، في بلد كبير مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هناك العديد من التناقضات بين الطبقات المختلفة. ففي المجتمع الأمريكي، على سبيل المثال، لم تكن مثل هذه العداوات الطبقية تظهر إلى العلن منذ الحرب العالمية الثانية، إذ تم اثارة مختلف القضايا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وكما هو معروف وفي خلال رئاسة دونالد ترامب، أصبحت التناقضات الطبقية والعرقية واضحة تماما. حتى اليوم، اظهر المجتمع الأمريكي طبيعته متعددة الأقطاب. في أوروبا ظهرت الأحزاب اليمينية المتطرفة في فترات ما، مما يشير إلى ظهور أزمة طبقية في المجتمع الأوروبي. والدليل على هذا هو التصريحات التي تم الإدلاء بها أثناء انعقاد الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ دورة كانت تهدف إلى مواجهة التحديات العالمية الكبرى. وكانت الموضوعات الرئيسية للاجتماع هي قضية أفغانستان وقضية المرأة وقضية التغير المناخي والاحتباس الحراري، والتي انعكست في خطابات الأمين العام للأمم المتحدة وبعض رؤساء الجمهورية.

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إن القيم الإنسانية التي عمل المجتمع الدولي بجد من أجل بنائها على مدى عقود تمر اليوم بمرحلة الانهيار، وان العالم أصبح أكثر من أي وقت مضى مهددا. وصرح إن الوقت قد حان لإعادة التفكير في الهيكل السياسي للعالم. لأن الهيكل الحالي لا يمكنه مواجهة تحديات عالم اليوم. إن عدم المساواة الاقتصادية في العالم لا يقوض الثقة في الحكومات فحسب، بل يقوض الثقة في القيم التي ضاعف العالم جهوده من أجلها. 

ان ما يجري في أفغانستان وسيطرة طالبان خلال الفترة السابقة اظهر للعالم قضايا مثل منع تعليم البنات واتساع رقعة اللامساواة بين الجنسين والقتل والمذابح العرقية والدينية، وهي قضايا مؤلمة جدا للإنسانية اليوم. تدل تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة على وجود أزمة كبرى في العالم في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، إذ لم يواجه العالم مثل هذه الأزمة الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية. ففي أفغانستان، على سبيل المثال تم التشكيك في جميع القيم الديمقراطية والحقوق المدنية، التي ربما كانت أعظم إنجاز معنوي للبشرية منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يشهد العالم سوى سقوط أفغانستان في أيدي حركة طالبان، الذين لم يؤمنوا باي من تلك القيم الديمقراطية والحقوق المدنية.

فبعد عقدين من الزمن سلمت الولايات المتحدة أفغانستان إلى طالبان وسحبت قواتها العسكرية، ولم تأخذ أي قضية في هذا الأمر سوى مصلحتها الخاصة، ولم يهمها حقوق المواطنين الأفغان المدنية، علاوة على ذلك، وفي العالم الراهن، نشهد العديد من ثنائيات الأقطاب داخل البلدان وخارجها التي لم نكن نشهدها في الماضي؛ مثل الصراع بين الولايات المتحدة والصين، والصراع بين روسيا والولايات المتحدة، والصراع بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي، والصراع بين الهند وباكستان و. 

ان ما يجري في دول مثل سوريا، ليبيا، لبنان، العراق، وقضية المشردين في ميانمار، وحرب كاراباخ، ووضع الجياع في إفريقيا، والمناخ والاحتباس الحراري، والجفاف في الشرق الأوسط، وحرب المياه بين الدول، وظهور الأصولية الدينية في مناطق مختلفة و … كلها تشير إلى ظهور أزمة في العالم الحالي، تتجلى كل يوم في جزء مختلف منه وبأشكال مختلفة. لتقديم دليل لإثبات الادعاء أعلاه، يمكن القول إن مختلف الدول بما فيها أمريكا وروسيا وغيرها لعبت دورا مباشرا في وقوع المأساة المؤلمة في أفغانستان، مما يشير إلى أزمة كبيرة في العالم وتدهور في القيم الديمقراطية، وعدم المساواة، وتدهور الثقة الاجتماعية، وتدهور رأس المال الاجتماعي، وتدهور القيم الإنسانية، وتدهور حقوق الإنسان، وتعرض السلام للخطر، وزيادة احتمالات نشوب الحرب في جميع أنحاء العالم.

في الماضي، كانت الدول الرأسمالية تحل أزمتها الاقتصادية والركود الدخول في الحروب. نأمل ألا يقوموا هذه المرة بحل الركود الاقتصادي من خلال الدخول في حرب كبيرة مباشرة أو بالوكالة أو حروب إقليمية عن طريق بيع الأسلحة وتعزيز اقتصادهم. ربما كان أكثر مظاهر الأزمة الإنسانية مأساوية وحزنا وإيلاما في عالم اليوم، هو تشبث العديد من المواطنين الأفغان بأجنحة طائرة صاعدة والسقوط منها وتفضيل الموت عن قصد، على البقاء في العالم الراهن.

صحيفة شرق

محرر الموقع : 2021 - 10 - 30