قراءة في مستقبل مشروع نشر الديمقراطية الأمريكية حول العالم
    

تمهيد:

شفقنا- مرت الولايات المتحدة في تاريخها الممتد لأكثر من مئتي عام، هي عمر الجمهورية الأمريكية، بمرحلتين رئيسيتين في علاقاتها بالعالم الخارجي، الأولي مرحلة العزلة الدولية، وذلك في إطار مبدأ مونرو، نسبة إلى الرئيس الأمريكي  جيمس مونرو، والذي وضع هذا المبدأ في العام 1823، وكان يهدف إلى منع أوروبا من التدخل في الفناء الخلفي للولايات المتحدة “أمريكا اللاتينية”، وكذا إبقاء بلاده بعيداً عن مشكلات السياسة الأوروبية. وقد ظل هذا المبدأ حاكماً في السياسة الأمريكية حتى الحرب العالمية الأولى، عندما حاول الرئيس “وودرو ويلسون” الانفكاك من سياسة العزلة، والتدخل في مسار الحرب العظمي لصالح الحلفاء “الديمقراطيين” ضد محور ألمانيا “الديكتاتوري”، حيث كانت إحدى دوافعه الرئيسية هو رغبته في “جعل العالم آمناً للديمقراطية”، ولذلك طرح ويلسون المبادئ الـ 14، والتي شكلت الأساس الذي نشأت عليه عصبة الأمم. بيد أن جهود الرئيس ويلسون في دفع بلاده للانخراط في السياسة العالمية لم تُكلل بالنجاح، فقد آثر الجمهوريون سياسة العزلة على الاندفاع في أتون السياسة الأوروبية الملتهبة.

ولم تمر سنوات طويلة، حتى وجدت الولايات المتحدة نفسها طرفاً أساسياً في الحرب العالمية الثانية، فخرجت منها منتصرة، واشتركت مع الاتحاد السوفيتي في وضع الأسس التي قام عليها النظام العالمي الجديد، ثم تقاسمت معه الهيمنة العالمية بتزعمها للمعسكر الغربي، والذي أسمته “معسكر العالم الحر” استناداً إلى أن معظم دوله الرئيسية كانت دولاً ديمقراطية، وكذا للتفريق بينه وبين المعسكر الشرقي الذي اتبعت بلدانه النموذج السوفييتي “السلطوي”، وقد نجحت الولايات المتحدة في تجربة تأسيس الديمقراطية في ألمانيا وإيطاليا واليابان، إلا أنها وعلى النقيض من ذلك لم تتردد للحظة في دعم أي انقلاب عسكري أو حتي تدبيره ضد الحكومات الوطنية والديمقراطية المُنتخبة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأسيا، إذا رأت أن هذه الحكومات تهدد مصالحها، وقد شكل هذا الإرث وصمة في جبين الديمقراطية الأمريكية، والذي لم تعتذر عنه حتى هذه اللحظة.

ومع سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، بدأت حقبة جديدة في تاريخ العالم، هيمنت فيها الولايات المتحدة على النظام الدولي، وأصبح نموذج الديمقراطية الأمريكية المثال الذي يجب أن ينتشر حتى لو تطلب الأمر استخدام الآلة العسكرية. وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية للولايات المتحدة من وراء دعاوى نشر الديمقراطية في العالم وفي الشرق الأوسط بصفة خاصة، فهل نجحت الولايات المتحدة حقاً في نشر الديمقراطية كما أرادت، وما هي النتائج التي ترتبت على التدخلات الأمريكية الصلبة في المنطقة بذريعة نشر الديمقراطية؟

إن محاولة الإجابة عن هذا التساؤل تستلزم تقييماً تفصيلياً وشاملاً لمشروع نشر الديمقراطية الأمريكية حول العالم، وفي منطقتنا بصورة خاصة، إلا أن المقال ليس بصدد التفصيل في معرض الإجمال، لذا أضع تصوراً لإجابة سريعة ومُبسطة حول هذا التساؤل المشروع.

لقد اهتمت الولايات المتحدة في مشروعها لنشر الديمقراطية بالإجراءات على حساب القيم والمؤسسات، فعادةً ما يُفرق دارسوا العلوم السياسية بين الديمقراطية الإجرائية بما تشمله من انتخابات وأحزاب وعمليات تصويت وتداول للسلطة خلال مدة محددة، وبين الديمقراطية كجوهر يتطلب شروطاً اقتصادية واجتماعية، وقيماً حداثية وثقافة متطورة تستوعب طبيعة التنافس السياسي وحدوده، ثم تنشأ لذلك المؤسسات اللازمة لاستقرار الديمقراطية والضامنة لاستدامتها. وبتعبير أخر فقد اهتمت الولايات المتحدة ببناء الشكل أو الصورة على حساب الجوهر أو المضمون.

لقد تغافلت الولايات المتحدة بقصد أو بدون، عن دعم ما يُسمى بمتطلبات الديمقراطية  (Democracy Requisites )، وهى الشروط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية اللازمة لنشأة ديمقراطية سليمة، بعيداً عن ديمقراطية الطوائف في العراق، أو ديمقراطية السراب الذي انكشف في أفغانستان، وليتصور القارئ الكريم، الحال لو كانت الولايات المتحدة قد وجهت التريليون دولار التي أنفقتها عسكرياً في أفغانستان، إلى بناء المدارس الحديثة والمستشفيات المتطورة، ووجهت جزءً لدعم الزراعة والصناعة وتعزيز البنية الإنتاجية للبلاد، ووضعت نصب عينيها رفع مستوى معيشة المواطن الأفغاني، وركزت على محاربة الفساد الحكومي، هل كان من المتصور أن نرى مشاهد استيلاء طالبان على السلطة، أو هروب الأفغان على أجنحة الطائرات؟.

إن الحديث عن نتائج مشروع نشر الديمقراطية الأمريكية في العالم قد لا ينتهي، بيد أنه تجب الإشارة إلى أن الهدف الرئيس من أي نظام حكم هو تحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية للمواطنين، لكن المشروعات التي وقفت وراءها الولايات المتحدة أتت بنتيجة كارثية وعكسية، وهى في منطقتنا حالة الفوضى التي تعيشها منذ سنوات طويلة بأبعادها المختلفة، والفوضى هي البيئة المناسبة التي تخرج من رحمها السلطويات بصورة أقوى وأكثر كفاءة، وهذه النتيجة لا تنفصل بطبيعة الحال عن ضرورة تفنيد أوهام إدارتي بوش وأوباما بشأن مخططات الشرق الأوسط الجديد، ورغبتهما في إحلال التنظيمات الأصولية محل الأنظمة القديمة في المنطقة، فساهمت الولايات المتحدة عن قصد في دعم ظاهرة التطرف والإرهاب.

مبدأ بايدن ومؤتمر دعم الديمقراطية المُرتقب.

على خلاف سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب، احتلت الديمقراطية ركناً أساسياً من الأجندة السياسية للرئيس بايدن، خلال حملته الانتخابية وبعد توليه منصبه الرئاسي، إلى الحد الذي اعتبر فيه أن الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية هو دعم الديمقراطية والحفاظ على صورة الولايات المتحدة كرائد للعالم الحر، وقد أطلق البعض على ذلك “مبدأ بايدن”  والذي يرتكز حول الارتباط بين الديمقراطية والسياسة الخارجية الأمريكية.

وكانت أحد تعهدات الرئيس الأمريكي في هذا الصدد، هو إقامة مؤتمر عالمي لدعم الديمقراطية في العالم، وقد تم الإعلان عنه بالفعل في 11 أغسطس الماضي، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية عن عقد قمة افتراضية حول الديمقراطية في 10 و11 ديسمبر القادم، وتستهدف القمة تعزيز ثلاثة مبادئ أساسية وهى: مكافحة السلطوية، ومحاربة الفساد، وتعزيز احترام حقوق الانسان حول العالم.

لم تمر سوى أربعة أيام بعد هذا الإعلان حتى حدث الانسحاب الفوضوي للقوات الامريكية من أفغانستان، والذي وضع صورة الولايات المتحدة ومكانتها على المحك، وبلا شك فإن ذلك سيلقي بظلاله على المؤتمر المُرتقب. وأحدها هي التساؤلات الجادة والمشروعة حول طبيعة مشروع الديمقراطية الجديد الذى ستدعمه الولايات المتحدة، خاصة أن خطاب الرئيس بايدن في 16 أغسطس الماضي، قد فاجأ العالم بأن الولايات المتحدة لم تكن معنية ببناء الديمقراطية في أفغانستان، وذلك على خلاف الحقائق التي عبرت عنها الإدارات الأمريكية السابقة.  إذن ما هو هدف مشروع الديمقراطية الأمريكية الجديد، وإلى أي مدى يمكن أن ينجح؟

إن التمعن قليلاً في تصريحات الرئيس بايدن، على هامش قمة مجموعة الدول السبع، قد يعطينا تصوراً عن طبيعة المشروع الذي يتبناه الرئيس الأمريكي، حيث ذكر ” إن ديمقراطيات السوق، وليس الصين أو أي دولة أخرى، ستكتب قواعد القرن الحادي والعشرين حول التجارة والتكنولوجيا“. يشير هذا التصريح إلى إن مشروع بايدن الجديد أقرب إلى فكرة رابطة الديمقراطية العالمية أو ما يُمكن أن نسميه “Pax Democratica“، وقد استخدم هذا التعبير لأول مرة، الكاتب الأمريكي “روبرت هانتلي”، في كتاب حمل ذات الاسم ( Pax Democratica: A Strategy for the 21st Century )، وقد نُشر الكتاب في نهاية عام 1999، أي في مطلع القرن الواحد والعشرين، وتبني الكتاب أفكاراً قريبة من تصورات بايدن الحالية حول مشروع الديمقراطية.

يشتمل مشروع بايدن الجديد على بعدين، الأول، مواجهة خطر النموذج الصيني على النحو الذي يبرز باستمرار في تخوفات الساسة الأمريكان من المنافسة الصينية الشرسة في صراع الهيمنة على العالم. بالإضافة إلى الوقوف في وجه النزعات السلطوية حول العالم والتي تزايدت خلال الفترة الماضية، حيث وصلت نسبة الدول الغير ديمقراطية أو السلطوية في العالم إلى أعلى معدل لها في عام 2020 منذ الموجة الثالثة للانتقال الديمقراطي في بداية التسعينيات، وذلك بناءً على مؤشر الإيكونيميست للديمقراطية.

البعد الأخر في المشروع، هو ما يتعلق بالأدوات، حيث يرى بايدن أهمية التخلي عن الأداة العسكرية لفرض الديمقراطية والاستعاضة عنها بالعقوبات الاقتصادية التقليدية لكن في إطار جماعي بالشراكة مع الدول الديمقراطية الحليفة.

في ضوء ما سبق يمكن أن ننتقل إلى مناقشة احتمالات فشل أو نجاح المشروع الجديد، وذلك بالإشارة إلى التحديات الأساسية التي تواجه هذا المشروع، وهى:

  • أولا: تحدي النموذج الصيني الصاعد.

ليس جديداً أن يواجه النموذج الأمريكي تحدياً قيمياً على مستوى وجودي، فقد سبق وواجه نموذج الاتحاد السوفيتي السابق والذي سقط ليترك النموذج الأمريكي وحيداً منتصراً، وأغرى هذا الانتصار فوكاياما ليكتب عن نهاية التاريخ وانتصار النموذج الليبرالي.

لكن الولايات المتحدة تواجه اليوم تحدياً أساسياً على كل المستويات، متمثلاً في الصين الصاعدة، فعلى عكس الاتحاد السوفيتي فإن النموذج الصيني لازال فتياً، ولا يمكن الدفع بأنه قد يواجه خطر الانهيار خلال أي مدي قريب أو متوسط، وقد حققت الدولة الصينية نجاحات اقتصادية واجتماعية لم يتمكن الاتحاد السوفييتي من تحقيقها بل لم تحققها الولايات المتحدة مع قوة اقتصادها وغلبة جيشها. كما لم تنخرط الصين حتى الآن في أي معارك خارجية يمكن أن تستنزف قوتها، وتكفي هنا الإشارة إلى مقارنة بسيطة بين الولايات المتحدة والصين، فنسبة الفقر في الولايات المتحدة خلال عام 2020، بلغت 11.4 %، أي أكثر من 37 مليون مواطن أمريكي يعيش تحت خط الفقر، بينما تحقق الصين – التي عانت لعقود من المجاعات المميتة-، نجاحات مُذهلة في محاربة الفقر، والذي تراجع بصورة درامية خلال عشرين عاماً، من نصف السكان تقريباً سنة 2000 إلى أقل من 1% عام 2020، وذلك بناءً على تقديرات خط الفقر الوطني الصيني (2.30 دولار للفرد في اليوم الواحد). ومع كل هذه النجاحات بات النموذج الصيني مغرياً للعديد من الدول والشعوب على السواء، وهو ما يتنبه إليه بايدن، الذي يُدرك أن النموذج الصيني يمثل خطراً وجودياً على الهيمنة الأمريكية أي على النموذج الأمريكي بصفة عامة.

وبالنظر إلى تصريح بايدن السابق حول استبعاد الصين، فهو ليس سوى نوعاً من التفكير بالتمني، الذي يتهاوى أمام حقيقة أن الصين عضواً رئيسياً في منظومة الاقتصاد الرأسمالي والتجارة العالمية، بحيث لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف، وليس أدل على ذلك من الإشارة إلى حجم استثمارات الشركات الأمريكية في الصين خلال عام 2020 فقط، والتي اقتربت من 124 مليار دولار، بل إن مجمل الاستثمارات الامريكية في الصين خلال عشرين عاماً، قد بلغت أكثر من 1195 مليار دولار.

أما الصين من جانبها فلا تبدو متعجله على نشر نموذجها والترويج له، ولا تضع اعتباراً لقيم الديمقراطية وحقوق الانسان في علاقاتها الخارجية، فهي منشغلة أكثر بالانخراط في السياسة العالمية من خلال التنمية الاقتصادية التي تعبر عنها في مشروع طريق الحرير. بالإضافة إلى تأمين فضاءها الإقليمي في المحيط الهادي والهندي، وليس أكثر دلالة على نظرة الصين (التي لازالت تعتبر نفسها دولة نامية) لتراجع الهيمنة الأمريكية، سوى ما علقت به وكالة أنباء شنغهاي على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والذي اعتبرته بمثابة شهادة وفاة للهيمنة الأمريكية، وانتهزت الفرصة لتحذير الدول الحليفة للولايات المتحدة بالمحيط الهندي والهادي، لعدم الاعتماد على القوة الأمريكية فقد باتت الولايات المتحدة على حد قولها “نمراً من ورق وحليفاً لا يمكن الوثوق به”. فكيف سيتعامل مشروع بايدن مع هذا التحدي؟

  • ثانياً: العلاقات الأمريكية – الأوروبية المتأزمة.

تعتبر أوروبا، الحليف الأساسي ضمن “رابطة الديمقراطية العالمية” التي ستتولى الدفاع عن مشروع الديمقراطية الجديد، إلا أن التحالف التاريخي والتقليدي بين الولايات المتحدة وأوروبا بات في أزمة حقيقية عنوانها التدهور في العلاقات، فحجم الخلافات يتراكم بينهما منذ سنوات وأخذ وتيرة متصاعدة خلال العام الجاري، خاصة بعد أزمة الغواصات الفرنسية، وقبلها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، الذي أضفي بظلال ثقيلة على مستقبل التحالف بين الطرفين، فالأصوات داخل الاتحاد الأوروبي تتزايد للدعوة إلى الاعتماد على الذات وعدم الإرتكان إلى القوة العسكرية، وهو ما برز في اجتماع وزراء دفاع الدول الأوروبية في العاصمة السلوفانية مطلع سبتمبر الجاري، حيث دعا المجتمعون إلى انشاء قوة ردع سريع أوروبية تتولى التدخل في النقاط الساخنة وحماية المصالح الأوروبية حول العالم.

كما تواجه أوروبا تحدياً جوهرياً من داخلها والمتمثل في النزعات الشعبوية والسلطوية التي برزت مؤخراً لدى بعض الحكومات الأوروبية كالمجر وبولندا، ويهدد كل ذلك بطبيعة الحال بتفكك الاتحاد الذي تأسس على مبادئ الديمقراطية الليبرالية. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فتجدر الإشارة إلى أن الصين هي الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي، وبحجم مبادلات تجارية 586 مليار دولار في عام 2020، وبعجز تجاري لصالح الصين بقيمة 181 مليار يورو.

إن أوروبا اليوم، باختصار ودون مبالغة أضعف من أن تصبح قوة عظمى بالمعني الشامل، وأكبر من أن تنكفأ على نفسها، وهى في ذلك ستضطر إلى التغاضي عن التحديات المتعلقة بمبادئها وقيمها، لتتعامل مع الأمر الواقع خاصة في ظل هواجس الأمن والهجرة والإرهاب التي تشغل دوائر صناعة القرار الأوروبي أكثر من التحدي الصيني أو تحدي السلطوية في العالم.

  • ثالثاً: تغير اتجاهات الرأي العام الأمريكي بشأن نشر الديمقراطية:

يعتبر هذا التحدي الداخلي هو الأهم بالنسبة للإدارة الأمريكية التي يتعلق وجودها بمدي رضا الناخب الأمريكي عن سياساتها، فرغبة بايدن في إحياء مشروع نشر الديمقراطية الأمريكية في العالم، تتعارض مع المزاج العام الأمريكي، حيث أكد تقرير نشره مركز بيو للأبحاث في مارس الماضي، أن مسألة تعزيز الديمقراطية خارج الولايات المتحدة أصبحت تحتل مرتبة متدنية للغاية بين أولويات المواطن الأمريكي. ولا ينفصل هذا التوجه بطبيعة الحال عن مستقبل الديمقراطية الأمريكية نفسها، بعد التهديد الذي يمثله ترامب وأتباعه على المؤسسات الديمقراطية الأمريكية.

أخيراً.

إذا كانت الديمقراطية بالأساس مشروعاً لرفاهية الانسان، والسلام المحلي والعالمي، فمن غير المنطقي أن تقترن بالفوضى، والخراب، ثم يُطلب من الشعوب الالتفاف حولها، وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تدعم الديمقراطية حول العالم، فقد يكون عليها أولاً أن تراجع إرثها السيء في نشر الفوضى، وثانياً أن تتبني منظوراً جديداً، واستراتيجية مختلفة، تتفهم خصوصيات المجتمعات وتفاوت درجات الاستجابة لمشروعات التغيير، والذي لا يجب أن يُفرض من الخارج بأي حال من الأحوال، وتتفهم ضرورة أن تُلبي الديمقراطية حاجة الشعوب إلى الأمن والغذاء والاستقرار، ويعني ذلك أن توجيه الانفاق الضخم إلى دعم شروط الديمقراطية، سيصبح ضرورة ملحة. ذلك كله وأكثر إذا كانت الولايات المتحدة صادقة في توجهاتها، وحينها قد يصبح الـ Pax Democratica مشروعاً جدياً للأمن والسلام العالمي، وليس مجرد محاولة بائسة لإعطاء قبلة حياة لـPax Americana  أو الهيمنة الأمريكية الآفلة.

بقلم :  محمود عبد العزيز – معيد، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة – مصر 

  • المركز الديمقراطي العربي
محرر الموقع : 2021 - 11 - 03