المستبدون انتصروا في الربيع العربي لكن ثمة صراع لم ينته بعد وهو مظالم الفقراء
    

قبل سنتين ونيف، أطلق البابا “فرنسيس” صرخة تحذيرية مدوية بمناسبة اليوم العالمي الثالث للفقراء، اقتبس فيها كلمات للأب “بريمو مازولاري” التي قال فيها: “إن الفقير هو احتجاج مستمرّ على مظالمنا؛ الفقير هو برميل بارود، إذا أشعلته، ينفجر العالم”.

وجاءت تلك الصرخة قبل تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وبعد مرور عقد إلا قليل على الموجة الأولى لثورات الربيع العربي التي خرج فيها الشعوب للشوارع؛ للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وإسقاط  الحكام المتسببين في إفقارهم وتدهور أوضاع بلادهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وفي غضون تلك المدة، ربما يبدو أن المستبدين من الحكام العرب، انتصروا في معركته ضد شعوبهم الذين تبخرت آمالهم بالحرية، لكن ثمة صراع لم ينته بعد وهو مظالم الفقراء التي توشك أن تنفجر في ظل فشل هؤلاء الحكام في إدارة بلادهم بشكل صحيح.

وفي ظل هذا الفشل، وتداعيات فيروس كورونا، شهدت الأوضاع خلال العامين الماضيين تدهورا ملحوظا في الشرق الأوسط في المزيد من البلدان. وتتأرجح لبنان وسوريا واليمن على شفا كارثة إنسانية، مع تفاقم الفقر والانهيار الاقتصادي الذي يهدد بإلقاء المنطقة في اضطراب أعمق.

وفي هذا الصدد، يقول “جوليان بارنز-داسي”، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه بعد أكثر من عقد من إراقة الدماء والاضطرابات التي أشعلتها انتفاضات الربيع العربي وهجوم تنظيم الدولة الإسلامية، استقرت معظم الدول العربية في المنطقة في مأزق عسكري أو صراع مجمّد، مصحوبًا بتدهور الاقتصادات وزيادة معدلات الفقر والقمع الأشد.

لبنان في سقوط حر

كان الانخفاض الأكثر إثارة للصدمة في العامين الماضيين هو لبنان الذي يشهد حالة من السقوط الحر منذ أن بدأت الأزمة المالية في أواخر عام 2019؛ مما أدى إلى إغراق نحو ثلاثة أرباع السكان في براثن الفقر في الأشهر الماضية.

وبعد أن كان يفخر اللبنانيون منذ فترة طويلة بمهاراتهم في تنظيم وإدارة المشاريع، يكافحون الآن للحصول على الكهرباء أو الوقود أو الدواء، وبالكاد تستطيع معظم الأسر جمع ما يكفي لتناول وجبتهم التالية.

وفي شهر يناير/ كانون الثاني، نشر البنك الدولي تقريرا استثنائيا في لهجته، وصف فيه الأزمة الاقتصادية في لبنان، بأنها الأسوأ في تاريخه، ومن أسوأ الأزمات التي مرّت بها أي دولة درسها البنك.

وذكر البنك الدولي أن الفساد من الطبقة الحاكمة وفشلها في التعامل الصحيح مع جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية؛ دفعت بالاقتصاد اللبناني إلى الحضيض، فانخفض الناتج المحلي الإجمالي من 52 مليار دولار في 2019 إلى 22 ملياراً في 2021، أي انكماش بنسبة 58% خلال عامين فقط.

ونتج عن ذلك زيادة نسبة من يقعون تحت خط الفقر إلى 78% من السكان، حسب تقديرات الأمم المتحدة في مارس /آذار 2021. فإذا استمر الأمر على هذا الحال فقد تختفي الطبقة الوسطى قريباً.

كما انخفضت موارد الحكومة بمقدار النصف تقريباً خلال عامين، في حين ارتفع الدين العام فتجاوز 180% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة خدمة الدين في لبنان نحو 150% من قيمة الصادرات، وهما من أعلى النسب في العالم.

وزادت صعوبة التمويل الحكومي بعد أن رفضت الحكومة تسديد أقساط سندات أجنبية في مارس/ آذار 2020، لأول مرة في تاريخ لبنان، وبعد أن دخل البنك المركزي في خضمّ الخلافات السياسية وثقافة الفساد.

فقدت الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها منذ عام 2019، وارتفعت تكلفة الواردات، بما في ذلك واردات الوقود، وأثّرت على مستوى المعيشة فهبطت بأغلبية الأسر إلى مستوى الفقر لأول مرة في حياتها.

يعرف اللبنانيون أن مشكلاتهم الاقتصادية قد صنعها السياسيون، وهذا ما كان واضحاً في الاحتجاجات الشعبية منذ ثورة أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

سوريا أسوأ من أي وقت مضى

رغم مرور عدة سنوات منذ وقوع آخر المعارك الكبرى ضد النظام فى دمشق، وإحكام الرئيس “بشار الأسد” قبضته على معظم أنحاء البلاد، يقول السوريون إن أوضاعهم الاقتصادية حاليا أسوأ من أي وقت مضى.

وتقول الأمم المتحدة إن عدد السوريين الذين يحتاجون المساعدات الإنسانية أكبر من أي وقت مضى منذ بدأت الحرب.

يعاني الاقتصاد السوري من أضرار واسعة لحقت بالبنية التحتية والصناعة خلال الحرب، وازداد تدهورا منذ 2019 عندما تسببت تداعيات الأزمة المالية في لبنان بانهيار الليرة السورية. وفاقم الأوضاع  تداعيات جائحة كورونا وموجة جفاف.

وتقول الأمم المتحدة إن عدد المعوزين بلغ 14.6 مليون نسمة في 2021 بزيادة 1.2 مليون عنه في 2020. ويقدر أن الفقر المدقع ينتشر بين حوالي ثلثي السكان الذين يعيشون في سوريا الآن، ويبلغ عددهم نحو 18 مليون نسمة.

وبينما تعزو دمشق البؤس المتزايد في الأساس إلى العقوبات التي شددتها عليها واشنطن في 2020 وأدت إلى تزايد عزلة سوريا، تقول دول غربية إنها تهدف إلى الضغط على “الأسد” لإنهاء القمع والتفاوض على تسوية سياسية.

ووفق “آنا سيرفي” مديرة المجلس النرويجي للاجئين في سوريا، فإن الناس يضطرون في مختلف أنحاء البلاد لاختيارات صعبة؛ مثل الاختيار بين سداد العلاج الطبي لأحد الأبوين وتوفير المال من أجل وجبة للأطفال.

وسعت الحكومة لمعالجة هذا الوضع بزيادة أجور العاملين في الدولة والقطاع العام والمعاشات، وكان آخر هذه الزيادات في ديسمبر/كانون الأول. ومع ذلك أدى تدهور الأوضاع وخفض الدعم إلى احتجاجات في مدينة السويداء في الجنوب الغربي هذا الشهر.

وخلال احتجاجاتهم المتواصلة، قطع أهالي محافظة السويداء عددا من الطرق الداخلية، إضافة إلى الطريق الرئيسي (دمشق – السويداء)، حيث رفعوا شعارات مناوئة للفساد، وارتفع السقف لتتحول الشعارات إلى مهاجمة النظام السوري وعائلة “الأسد”.

وترافقت الاحتجاجات مع وصول تعزيزات عسكرية لقوات النظام السوري، وانتشار عناصر أمنية وعسكرية على أسطح المباني الحكومية في مركز المدينة.

المغرب وتونس ومصر

وبعيدا عن سوريا ولبنان، شهدت عدة مدن مغربية، الأحد، وقفات احتجاجية رافضة لرفع الأسعار بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، مقارنة بـ”مستوى الأجور الهزيلة التي يحصل عليها العمال”، إضافة إلى ما وصفوه بتعمد الحكومة عدم الإنصات لصوت المواطنين.

وسبق احتجاجات المغرب، خروج احتجاجات حاشدة بمصر في 2019 ضد فساد النظام الحاكم، لكن تم اقتلاعها بواسطة القبضة الأمنية للنظام في نهاية المطاف، والزج بالكثير من المتظاهرين بالسجون.

وبحسب “ممدوح الولي”، الخبير في الاقتصاد والرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة “الأهرام”، فإن مصر تكافح تحت جبل من الديون.

في عام 2009، سجلت الأمم المتحدة 21.6% من السكان تحت خط الفقر. وبحسب بيانات البنك الدولي، ارتفع هذا المعدل فى 2021 إلى 30%؛ وهذا يعني أن سياسات نظام “عبدالفتاح السيسي” أفقرت تسعة ملايين مصري على الأقل.

وفي تونس، لا يتوقع الكثيرون مستقبلا سعيدا لحليف “السيسي”، الرئيس “قيس سعيد”، الذي تتفاقم مشاكله يوما بعد آخر عقب انقلاب، حيث لم تسارع البلدان العربية التي دعمته سابقا لنجدته بضخ الأموال التي يحتاجها بالفعل.

المصدر: الخليج الجديد

محرر الموقع : 2022 - 02 - 14