السيد السيستاني.. بالأمس قاد المعركة ضد داعش واليوم يقودها ضد الفاسدين!
    



لم يكن وقع بيان المرجعية العليا في جمعة 15/11/2019م مثيل لدى الشعب العراقي المنتفض في الشوارع ضد الفساد والفاسدين, سوى بيانها المدوّي والخطير الذي تضمن فتوى الدفاع المقدسة ضد عصابات تنظيمات داعش في جمعة 13/6/2014م.
فالبيان الأخير تضمن لأول مرّة (تبني) المرجعية العليا للتظاهرات والإحتجاجات الشعبية المليونية السلمية, معتبرة الدماء الزكية (شهداء) وأن طريق التظاهر (طريق مشرف). وتضمن (صون) الإرادة الحرة للشعب العراقي من أي تدخل خارجي. وتضمن كذلك (تبني) المطالبة بإقرار قانون (الإنتخابات) على أن تكون عادلة ونزيهة, وقانون (المفوضية) وعلى أن تكون حيادية ومهنية وتحظى بالمصداقية والقبول الشعب وإلا فلا. وتضمن أيضا ً شكوك المرجعية العليا بـ(قدرة وجدية) القوى السياسية الحاكمة في (تنفيذ مطالب المتظاهرين حتى في حدودها الدنيا) في إشارة الى أن إرادتهم مسلوبة ومسحوقة من قبل إرادات خارجية. وتضمن أيضا ً الكشف بأن (الفساد) بات خرابا ً مستشريا ً على كافة الأصعد. وان الطبقة السياسية قد توافقت قواها الحاكمة على جعل الوطن (مغانم يتقاسمونها فيما بينهم وتغاضي بعضهم عن فساد البعض الآخر، حتى بلغ الأمر حدودا ً لا تطاق), وأن الموطنين لم يخرجوا الى المظاهرات طلبا ً للإصلاح (إلاّ لأنهم لم يجدوا غيرها طريقاً للخلاص من الفساد المتفاقم يوماً بعد يوم). كما وتضمن تهديدا ً مُباشرا ً لجميع من بيدهم السلطة وقال لهم أنكم (واهمون) إن ظننتم بإمكانكم (التهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة). وتضمن أيضا ً دق ناقوس الخطر لجميع الأطراف الداخلة في معركة الإص!
 لاح, وأنهم سوف يكونون الطرف الخاسر كـ(قوى سياسية) و(أطراف خارجية) وسيكون (الشعب العراقي) الخاسر الأكبر فيها, في حال خرجت معركة الإصلاح عن خطها الوطني, لأنها معركة وطنية تخص الشعب لوحده.
فمثلما تزعمت المرجعية العليا بالأمس المعركة ضد (داعش) فهي اليوم تصدت بكل جدارة ووضوح لتقود المعركة ضد (الفساد). لأن القاسم المشترك بين (الإرهاب) و(الفساد) هو وجود (السياسي الفاسد) الفاشل. وقد أشارد المرجعية العليا الى ذلك بكل وضوح في أحد أجوبة (أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية) في 20/8/2015م حيث قالت: (من المؤكد أنّه لولا استشراء الفساد.. ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر لما تمكّن تنظيم داعش الارهابي من السيطرة على قسم ٍ كبير ٍ من الأراضي العراقية). فحقيقة (السياسي) اليوم تنطوي على ميزتيّ (الإرهاب) و(الفساد) معا ً.
إذن.. فالمعركة مع الفساد وإن كانت (أمر وأقسى) من المعركة مع داعش, ألا أن المرجعية العليا قد وضعت (مُحددات) معينة, تضمن النصر في هذه المعركة كما ضمِنتها مع المعركة ضد داعش, مع فارق واحد جوهري يتحمله (الشعب) في معركته ضد الفساد سنبينه لاحقا ً, ومن تلك (المُحددات) الضامنة للنصر في معركة الإصلاح ضد الفساد:
1ـ المعركة مع الفساد وطنية بحتة ضمن حدود البلد (العراق)كما كانت المعركة مع داعش.
2ـ المعركة تخص العراقيين وحدهم ولامكان لأحد غيرهم كما الحال في المعركة مع داعش.
3ـ العراقيون وحدهم من يتحملون أعباء تلك المعركة الثقيلة كما تحملوها بمعركتهم مع داعش.
4ـ ولإحراز النصر المؤزر والحتمي بهذه المعركة كما كتب النصر على داعش, ينبغي عدم الجواز بالسماح بأن تتدخل أطراف خارجية ومن أيّ إتجاه كانت (وخصوصا ً الأطراف الإقليمية) أيّا ً كان اتجاهها.
5ـ تكون خسارة الأطراف الخارجية بتدخلها في معركة الإصلاح حتمية, ولكن الخاسر الأكبر فيها هو الشعب العراقي. وهي إشارة تحذير نهائية لجميع الأطراف التي تقف على أرضية الأجندات الخارجية والتبعية بعيدا ّ عن الإرادة الوطنية, كما الحال في التجربة العدو داعش ومعركته.(1).
ـ أما النقطة الجوهرية التي تخص (الشعب) العراقي وبها تفترق معركة داعش عن معركة الإصلاح, هي أن الأولى (أي معركة داعش) كانت مؤامرة كبيرة خارج إرادة الشعب, حذرت المرجعية العليا منها قبل أوانها مرارا ً وتكرارا ًبمدة طويلة جدا ً ولا من مجيب ولا من معتبر حتى وقع المحذور. وأما الثانية (أي معركة الإصلاح ضد الفساد والفاسيدن) كانت إرادة الشعب حاضرة (قبلها) و(فيها) و(بعدها). ويُفترض أن تتجلى في أن يعي الشعب العراقي ويُدرك بأن (الحكومة ـ أي حكومة كانت) في نظام العملية السياسية (الديمقراطية)الجارية في العراق, إنما تستمد شرعيتها من إرادته كـ(شعب) نتيجة (الإقتراع السري العام). وبما أن الإقتراع السري العام (والفضل يعود للمرجعية العليا في تشخيص الخلل) لم يجري بصورة (عادلة) و(نزيهة) بسب فساد الطبقة السياسية وتوافقها فيما بينها(على جعل الوطن مغانم يتقاسمونها فيما بينهم) وهذه مؤامرة بحد ذاتها, لذا تصدّت المرجعية العليا وتبنّت قيادة هذه المعركة ضد (الطبقة السياسية) لأن الأمر يحتاج حقيقة الى مُقارع جلد ينتصر في النهاية, بـ(حجم) و(دور) و(مقام) و(قوة) و(قدرة) المرجعية العليا في النجف الأشرف, لوجود غريم (غاشم) لا يختلف بجميع صفات وميزات ومخرجات العدو (داعش) حينما هدّد  بعدوانه العراق أرضا ً ومُقدسات.
فبادرت المرجعية العليا وانطلاقا ً من (رصيدها الجماهيري الناشيء من ثقة الجماهير بحصافة رأيها وسداده وحكمته وأنها لا تبحث عن مصالح دنيوية في تحركها ومنهجها)(2) لأن تتبنى طلبا ً مُباشرا ً من القوى السياسية الفاعلة والقابعة في البرلمان (الإسراع في إقرار قانون مُنصف للإنتخابات) شرط :
1ـ أن يُعيد ثقة المواطنين بالعملية الإنتخابية.
2ـ أن لا يتحيز للأحزاب والتيارات السياسية.
3ـ أن يمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية.
4ـ وسوف لن يكون القانون مقبولا ً ولا جدوى منه إذا كان لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين(اذا أراد الشعب تغييرها واستبدالها بوجوه جديدة).
نلحظ ومن خلال جملة صغيرة واحدة ذُيلت بها الفقرة (4) الأخيرة (اذا أراد الشعب تغييرها واستبدالها بوجوه جديدة) تكون المرجعية العليا قد رمت الكرة في ملعب (الشعب) بعد تبنيها المطالبة بهذين القانونين المهمين. وما ذلك إلا احتراما ً وحرصا ً واحترازا ً لـ(إرادة الشعب) ودوره كجزء لا يتجزأ من عملية ديمقراطية بحتة تتحق بها إرادته في الخلاص.
ـ وكذلك لأن تتبنى طلب (إقرار قانون جديد  للمفوضية) مفوضية الإنتخابات شرط:
1ـ أن يوثق بحيادها.
2ـ ومهنيتها.
3ـ وأن تحظى بالمصداقية والقبول الشعبي.
فبوجود القيادة الحقة لمعركة الإصلاح, وامتلاكها لبرنامج عمل صِيغ بعناية فائقة من قبلها لدرجة ان يكون ضامن للنصر بتلك المعركة, تمثلت بطلب سن قانونيّ (الأنتخابات ومفوضيتها) وبعد سن هذين القانونين (لكل حادث حديث), ووجود مُخلصين (الشعب المتظاهر والمحتج) ملتفين حولها... يكون النصر حتميا ً (إنّ معركة الإصلاحات .. معركةٌ مصيريةٌ تحدّد مستقبلنا ومستقبل بلدنا ولا خيار لنا شعباً وحكومةً إلّا الإنتصار فيها..)(3) وقد آن الأوان.
ــــــــــــــــ
ـ الهوامش:
ـ(1) بيان مكتب سماحة السيد السيستاني في 15/11/2019م والذي ألقي من على منبر جمعة كربلاء.
ـ(2) ـ خطبة جمعة كربلاء الثانية في 9/8/2013م.
ـ(3) ــ خطبة جمعة كربلاء الثانية في 21/8/ 2015م.

بقلم: نجاح بيعي.

محرر الموقع : 2019 - 11 - 17