هل حان وقت الدولة المدنية في العراق ؟؟
    

 

المخاض الذي يمر به العراق ، وكسر التابوهات ، وظهور جيل جديد يحمل روح التحدي وعزيمة التغيير ، بالاضافة الى ضعف معوقات بناء الدولة ، كلها عوامل تبشر بولادة وطن ، أو  بداية مرحلة جديدة سماتها تختلف عن  كل المراحل التاريخية التي مرت على بلاد الرافدين، فهي  أكثر نصجاً وأعمق وعياً  . 

 ربما كان طرح مفهوم الدولة المدنية قبل أعوام  يلاقي معارضة شديدة في الشارع العراقي ، أو  كان هناك خلط مفاهيمي  في أوساط المجتمع حول الدولة المدنية ، أولعل الداعين لها  لم يوفقوا في شرح المعنى الحقيقي لها ، علاوةً على التحديات  التي كانت تواجه طرح مثل هذا المفهوم ، كون المنظومة القيمية سواء الدينية منها او العشائرية كانت فعالة وقوية ومن الصعب مواجهتها .  

إلا ان الواقع  قد اختلف تماماً  فعراق مقابل التظاهرات يختلف عن عراق ما بعدها ، فقد اختلفت قواعد اللعبة ولم يعد بالإمكان الرجوع الى الخلف . وكل ماكان قد  أصبح من الماضي ، وغدا الجو مهيئا  للعمل باتجاه الدولة المدنية. 

 فبعد الفشل الذريع لاحزاب الاسلام السياسي والأحزاب القومية والاشتراكية وضعف المؤسسة العشائرية والدينية  ،  وانشغال  الدول  الاقليمية كإيران  والسعودية وتركيا التي سعت بشكل حثيث لافشال الدولة المدنية في العراق بمشاكلها ،  بدا الطريق اكثر وضوحاً لطرح مفهوم الدولة المدنية . 

فإيران التي تعاني من الحصار ومن اقتصاد منهك وتظاهرات داخلية لم تعد قادرة على فرض رؤيتها الدينية  على الواقع العراقي . والسعودية بتوجهها الجديد الذي يقوده الامير محمد بن سلمان و ضرب المؤسسة الدينية الوهابية ، لم يعد الصراع المذهبي اولوية كما كان في السابق ، اما تركيا فهي الاخرى انشغلت بالواقع السوري ، والخطر الكردي الذي تعتبره خطراً يهدد أمنها القومي ، لذا ابتعد العراق عن اهتمامات الأتراك  كأولوية في سياستها الخارجية .

 بناءً على هذه المعطيات فان الدولة المدنية أصبحت اكثر قربا ومقبولية مما مضى وحان الوقت ان تطرح بقوة . وذلك لعدة عوامل 

اولها : عدم وجود البديل السياسي  المقبول غير الدولة المدنية  . 

 ثانيا: انها تلبي مطالب المتظاهرين بالقضاء على المحاصصة والطائفية . 

 ثالثاً : تعتمد الهوية العراقية وترفض كل الهويات الفرعية . 

رابعاً : تعتمد الكفائة في التعيينات . 

خامساً :  تعتمد سيادة القانون. 

ان مشروع الدولة المدنية هو المشروع الناهض الذي يعبر بالعراق الى بر الأمان ويبني دولة قابلة للحياة وبعيدة عن الهزات السياسية  . 

الدولة التي  تتحرر من قيود الدين وتحرر الدين من قيود الدولة ، كما انها تتحرر من قيود العشيرة والعائلة  والطائفة والقوم . 

الدولة التي تبتعد عن الشعارات الثورية ، والمواقف الأيديولوجية وتبحث عن المصالح الوطنية . 

 الدولة التي تعتبر السياسة الداخلية اولوية قصوى لانها ترتبط بالشارع الوطني . 

 الدولة  التي تحترم كل الهويات الفرعية لكنها تعتمد الهوية الوطنية فقط ، كما انها تحترم حرية العقيدة وترفض استغلالها بالسياسة . 

 ان بروز النزعة الوطنية  بين العراقيين بهذه القوة ، ورفض  التدخل الأجنبي ، ونبذ الاجندات البالية والأحزاب المنتهية الصلاحية ، وكسر سلطة العشيرة كسلطة قسرية  وسلطة رجال الدين كسلطة مقدسة  ، كلها مؤشرات إيجابية لولادة عراق  ذو نزعة إنسانية بحته  . 

ان الوعي الجماهيري الذي يجتاح الشارع العراقي هو كفيل في تحقيق حلم الدولة المدنية .  فمن الدكتاتورية الى الديمقراطية الفوضوية التي أنجبت نظاماً مشوهاً ، بات واضحاً ان النظام الاكثر ملائمةً لبلد مثل العراق متعدد القوميات والطوائف والأديان والاعراق هو النظام المدني ، النظام الذي يضمن

محرر الموقع : 2019 - 11 - 17