هل تحولت المظاهرات من السلميه الى السلبيه
    

لا شك أن التظاهرات الأحتجاجيه هي مظهر من مظاهر الحياة الديمقراطيه , حتى أن السماح بهذه الممارسه يعطي للدوله سمت احترام حقوق الأنسان . كما هي نشاط أحتجاجي على ممارسات السلطه التنفيذيه , ومتنفس للأحتقان الشعبي الحاصل نتيجه للسلوك الحكومي الغير مرضي منه جماهيريآ , كما هي آليه لتصريف السلوك العنفي وأحيانآ المتوحش عند الأنسان الغاضب على شكل مسيرات سلميه ,ترفع المطالب والشعارات معبره عن أراده معارضه لأرادة الحكومه لتحملها على تغير قرار أتخدته , أو سلوك أنتهجته لم ينال رضى الشعب .

من المعروف أن للمظاهرات قوانينها , ومحدداتها , أن خرجت عنها تتحول الى عمل وسلوك خارج عن القانون , ويعرض أمن البلاد الى التهديد ,لأن التظاهرات الغير مرخصه سوف تفتح الباب مفتوحآ لكل الأحتمالات , وقد يتخللها حاله من العنف الغير مسيطر عليه , قد يتحول الى حرب أهليه أو تستغل من قبل المجرمين لممارسة أعمال السلب والنهب والأعمال الأجراميه . هذه الأحتمالات قد عززتها الأحداث في أكثر من قطر , منها سوريا , وليبيا وتونس والآن التظاهرات الجاريه في العراق وما تخللها من مظاهر الحرق والتخريب والقتل وأخيرها وليس أخرها عملية قتل بشعه للشاب هيثم  البطاط ذو العمر ال 16 عام , والذي قتل ذبحآ وعلق في ساحة الوثبه , ومن الغريب أن من قام بهذا الفعل الشنيع شباب بعمر المراهقه , وهذا دليل على حالة الأنفلات الأمني ,وأن التظاهرات أما أن تكون بلا قياده أو تقودها عصابات أرهابيه أو تدار من قبل أجنده تنوي السوء للعراق وأهله , وهنا تكمن أهمية وجود قياده مسؤوله وحكيمه للمظاهرات تعبر عن مطالب وروحية الشعب المحتج .

المظاهرات عندما تكون ذات أجنده وطنيه , وتقاد من قبل الأنتلجنسيا تعطي ضمانه أكيده للشارع العراقي بأن هناك حراكآ متقدما يتبلور في المجتمع العراقي سيتمخض عن ولاده لعمليه سياسيه متقدمه , وأن الوضع السياسي يسير بالأتجاه الصحيح , وهنا يتأكد ومن خلال ما حدث من أنفلات أمني في بغداد والناصريه والنجف والعماره يدل دلاله واضحه بأن الكتله التاريخيه التي سبق وأن تكلمنا عنها في مقال سابق بقيادة طبقه مثقفه مسؤوله هي الضمانه الوحيده لعدم ألأنفلات الأمني في البلد , كما هي الضمانه الأكيده لتحقيق المطالب الشعبيه والتحولات الضروريه في بنية الجهاز الحكومي, لكي يكون ضمن مسار تطوري يستجيب لمتطلبات الحياة الحديثه , ويقدم الخدمات الأنسانيه للمواطن , ويضمن حياة يسودها الأستقرار السياسي والقتصادي للبلد , وهذه أهم مقومات الرقي لكل بلد , لكن وللحقيقه التاريخيه أن الطبقه المثقفه العراقيه لم تأخذ دورها التاريخي , ولم تسعى للمبادره , بل أخذت دور المتفرج على الأحداث واقفه على التل تاركه مسرح التظاهرات تقوده مجاميع مجهولة الهويه , وللعصابات من قطاع الطرق , وللمراهقين الذين ينزعون للأستمتاع بالفوضى ,وخاصه الكثير منهم ممن ترك مقاعد الدراسه وأتخذ من المقاهي الليليه مقرآ للسهرات ولعب الورق . هذه الطبقه المثقفه مسؤوله مسؤوليه كبيره عما يحدث بالبلد نتيجة عدم شجاعتها , والتقصير الكبير في مسؤوليتها , بل وهناك للأسف من يتربص لأنتهاز الفرص وأستغلالها لمصالح شخصيه , وهنا يلعب الكثير من المحسوبين على الطبقه المثقفه دورآ أنتهازيآ مقيتآ , في حين يتطلب الموقف سلوكآ ثوريآ ووطنيآ يسجل فيه المثقف دورآ رياديآ وأنسانيآ بارزآ, يساهم بأنقاذ بلده من حمى العبث , ودوامة التوحش , وعمليات الهدم التي لم يسبق لها مثيل الا أيام دخول هولاكو الى بغداد 1258 م .

أن ما يجري اليوم في بغداد وبعض المحافظات تنبأ عن أمكانيه خطيره لأجرام مستتر ,تضمره نفوس معبئه بمتراكم خطر من العنف . أن الشارع العراقي عباره عن برميل من البارود ينتظر من يرميه بشراره لينفجر فيحرق البلد بكامله , وعندما يحث هذا لا سامح الله سيحرق تاريخ حضاره , وسيغير جغرافية بلد , وديمغرافية شعب عاش الاف السنين في هذه الأرض , وأن تأتي أقوام جاهزه للهجره اليه , بل وتخطط لهو منذ القدم . أن السيناريو المذكور ليس نتاج خيال بل هو مخطط معد وجاهز للتطبيق أذا لم ينبري أبناء الوطن , وخاصه مثقفيه بالتعون مع الطبقات الأخرى من المجتمع بما فيهم المرجعيه الدينيه والتي تركت وحدها بالساحه تداوي حراحات شعب دامي , في حين تراخت طبقات أخرى ومنها نخبة المجتمع , وأهل الحل والعقد فيه من تحمل مسؤوليتها لما يجري من أحداث خطيره , حتى أن تأخرها بأخذ زمام المبادره سيتدهور الوضع الى ما لا يحمد عقباه , وستتحمل الظبقه المثقفه والجالسه اليوم في صالوناتها الأدبيه الوافرة المقاعد وفي مقاهي أسواق الكتب كالشابندر والزهاوي يتبادلون أطراف الحديث عما يحدثه الأخرون , ولم يتنادون بينهم عما يفعلون. أن التاريخ سيسجل صفحه مخزيه للطبقه المثقفه العراقيه بتقاعسها وأهمالها , ولا مسؤوليتها لما يحدث في بلدها , وأنهم لم يحملوا مشروعآ وطنيآ ولم يكونوا صروحآ معرفيه توجه الجماهير الثائره , بل أن مثقفينا كقطع الجليد في الأجواء البارده لا تزيده الا تجمدآ ,فهم بدلآ من أن يشعلوا نارآ ليبعثوا الدفئ بالحياة , تراهم يهرولون الى الى مقهى الشابندر لأحتساء الشاي والبدء بثرثرة لا تنتهي الا عندما يعلن صاحب المقهى بوقت أغلاق المقهى , وحينئذ كل يذهب الى مخدعه , تاركين ساحة التحرير تعج بحركة شباب غير معلومة الأتجاه , ينتظرون غد غير معلوم الملامح ,فتجدد خيبتهم ويعلو منسوب يأسهم ,وعندما يستبد بهم اليأس ,عنئذ تفتح أبواب جهنم على مصراعيها , ولات ساعة مندم.

أياد الزهيري

 

محرر الموقع : 2019 - 12 - 14