فرنسا… وحظر العباءة على المسلمات
    

 

 

 

فرنسا والحجاب، معركة لم تهدأ حتى تثار من جديد، فبين الحين والآخر تقرّ الحكومة الفرنسية قرارا تُحدّ فيه من ظهور معالم المسلمين في الحياة الاجتماعية، ما يغضب 5 ملايين مسلم في هذا البلد، وتصاعد الحديث عن أحوال مسلمي فرنسا في كل العالم الاسلامي.

 الحكومة الفرنسية وبالأخص ذوي الأفكار اليمينية، يرون في حجاب المسلمات معارضة صارخة لعلمانية فرنسا ومبادئها الديمقراطية، فيحاولون تغيب كل مَعلم إسلامي في الحياة الاجتماعية لا سيما عند المرأة المسلمة، وأما المسلمون فيرون في قرارات الحكومة الفرنسية معارضة لحقوق الإنسان ومضايقة لحرية التفكير واللباس واختيار نمط الحياة.

 لا مؤشرات لنهاية هذه المعركة وإنهاء جدالات ساخنة بلغت من العمر عقود حتى الآن. فالخط الرابط في السياسات الفرنسية ينبئ بخطوات لاحقة ضد الحجاب، وأما مسلمو فرنسا فما تزيدهم القرارات إلا الحاحا على شعائر إسلامية لا مجال عندهم للنقاش فيها، فضلا عن التنازل عنها.

 التاريخ الطويل لهذا الصراع و تبريرات الحكومة الفرنسية وما عند المسلمين لتفنيد القائلين بالخطر الإسلامي  هي مواضيع يتناولها هذا التقرير.

بشهادة التاريخ

يتناول الداعية الإسلامي حسن الحسيني على قناته في اليوتيوب قرار منع ارتداء العباءة في فرنسا مشيرا إلى أسبابه التاريخية قائلا “في منتصف القرن العشرين عادت أوروبا إلى أراضيها مثقلة بخسائر عسكرية واقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية التي دمرت القارة الأوروبية وقتلت الملايين جُلِبت أيدي عاملة لتعيد بناء هذه البلدان، وهكذا انتقلت الآلاف من العرب والمسلمين للبحث عن العمل وقد حملت هذه الجاليات معها عاداتها ومعتقداتها الدينية ومنها شعيرة ارتداء الحجاب، وبهذا انتقلت المعركة إلى الداخل الأوروبي، وبات حضور النساء المحجبات تحديا ثقافيا قويا لأوروبا، ما أفضى إلى تبلور معركة ضد الحجاب. الذي ظل يمثل عند الغرب دليلا على التخلف الشرقي.

وفي عام 2004 صوتت الحكومة الفرنسية لصالح قانون حظر الرموز الدينية في المدارس العامة وقد شمل الحجاب، ومنذ ذلك الحين زادت فرنسا قيودها على الحجاب بحجة الأمن القومي وحماية القيم العلمانية. وفي عام 2010 تم توسيع القانون ليشمل الحظر على النقاب في الأماكن العامة. وبالطبع أنعكست هذه القوانين سلبا على حياة النساء المسلمات في فرنسا وساهمت في خلق جو من الإسلاموفوبيا.

ما هو قانون “تعزيز قيم الجمهورية”؟

في 2 اكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، أعلن ماكرون نية الدولة التصدي لما وصفه بـ “الانعزالية الإسلامية” ، الساعية إلى “بناء نظام مواز وإنكار الجمهورية” معلنا الخطوط العريضة لمشروع قانون “مكافحة النزعات الانفصالية” الذي يستهدف تحديدا “الإسلام السياسي”. 

موجة غضب عارمة شملت المسلمين في فرنسا وحول العالم، بعدها عدّلت فرنسا اسم مشروع القانون فسمته “مشروع القانون الهادف إلى تعزيز العلمانية وتقوى الجمهورية”.

يرى مؤيدو المشروع أنه يشكل أساسا لدمج المسلمين ودعم “الإسلام المتنوّر”، وتعزيز قدرة الدولة على مكافحة جماعات ارهابية تتخذ من أحياء المسلمين حصنا لها، فيما رأى معارضوه أنه يحمل إرثا استعماريا وعنصريا بحق أقلية دينية في فرنسا، تحت ستار العلمانية.

وفي يناير / كانون الثاني من العام الحالي قدّم المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية “شرعة مبادئ” حول الإسلام في فرنسا، لوزير الداخلية، تضمنت بنودا حول توافق الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، وحظر التدخل الخارجي في شؤون المسلمين الفرنسيين، والمساواة بين النساء والرجال.

 خلال الأشهر الماضية أقر مجلس الشيوخ الفرنسي سلسلة تعديلات على مشروع القانون من بينها، منع الموظفين الرسميين من التعبير عن معتقداتهم الدينية أو آرائهم السياسية، وتدريب المدرسين على قيم العلمانية الى جانب منع التدريس في المنزل الا في حالة مصلحة الطفل القصوى.

في منتصف أبريل/ نيسان قرر المجلس تعديلات تطال بشكل محدّد النساء المسلمات وهي:

  • منع ارتداء الحجاب، أو أي رمز ديني من قبل الأشخاص المرافقين لتلاميذ في الرحلات المدرسية.
  • عدم السماح في المسابح العامة بارتداء البوركيني.
  • منع ارتداء أي رمز ديني من قبل القاصرين في الأماكن العامة. 

قبل إقراره بتعديلاته الأخيرة ينبغي أن يعرض مشروع القانون على لجنة مشتركة من مجلسي النواب والشيوخ، إذن ما بدأ نقاشا سياسيا انتهى الى جولة جديدة من مناقشة ملابس النساء التي تستخدم دوما كجهة في صراعات سياسية وإيديولوجية 

التبرير الفرنسي

 “ماذا يعني لباس الحجاب؟ يعني الرفض المطلق للاختلاط، ورفض للآخر. هذه المرأة المحجبة تعلن وعلى الملأ في الأماكن العامة، أنها لن تقيم علاقه رومانسيه أو جنسية مع شخص غير مسلم”. إنها تغريدة  لجيان توماس الإعلامي الفرنسي الشهير لخص فيها أدلة معارضي الحجاب في فرنسا.

ويرى وزير التربية الفرنسية حسب تصريحاته الإعلامية “عندما تدخل إلى أحد الصفوف، لا يفترض أن تتعرف على ديانة أي تلميذ بمجرد رؤيته، وقال لباس العباءة لا مكان له في مدارسنا، شأنه شأن الرموز الدينية الأخرى”. وكتب إيريك سيوتي رئيس حزب الجمهوريين اليميني (اليمين التقليدي) في تغريدة على التويتر “الطائفيه عباره عن جذام يهدد الجمهورية، لقد طالبنا عدة مرات في السابق بمنع ارتداء العباءة في مدارسنا”. (المصدر: فرانس 24) 

وبحسب صحيفة منار:  تحتضن فرنسا أكبر جالية إسلامية في أوروبا. ومع ذلك تعتقد بوجود جهود من طرف خفي يسعى لتغيير النظم الاجتماعية الغربية عبر فرض الآراء الدينية الاسلامية على فرنسا وأوروبا. تعتقد فرنسا بوجود ” قوى ظلامية” و “ناشطين سياسيين دينيين” و “تيارات سياسية متطرفة”  تهدف إلى تدمير الديمقراطية الغربية وأسلوب حياتها المبني على الحرية والمساواة.

الفجاجة الفرنسية

كتب أسامه أبو رشيد في “العربي الجديد”: الإسلاموفوبيا متأصلة مؤسسيا في فرنسا. هذه حقيقة لا تحاول الدولة أن تخفيها أو أن تداري فيها.  لا يتوقف الأمر فرنسيا، عند استهداف مظاهر التدين الإسلامي، كحجاب المسلمات ومنع اللاعبين المسلمين من صيامهم خلال اللعب في رمضان، أو مساعي فرض منظومة ثقافية مغايرة وصارمة على مواطنيها من المسلمين، بل تعد الأمر ذلك إلى حد أن يصرح وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان،  قبل بضعة أيام، “أن الإرهاب الاسلامي السنّي” هو”الخطر الأول” بالنسبه لبلاده وأوروبا.

 وتؤكد دراسات كثيرة أن فرنسا هي قلب الإسلاموفوبيا في أوروبا، إن لم تكن في الغرب كلّه، والراصد لا يكاد يلمس فارقا يذكر في فرنسا بين يمين متطرف ويمين وسط أو حتى يسار في مقاربة المسلمين على أنهم “مشكلة” ينبغي التعامل معها سواء عبر قوانين تمييز العنصري، أو الطرد والإبعاد أو محاولات طمس الهوية الأم، على أمل إعادة تشكيلها.

ومن باريس التي تباهي العالم انها عاصمة الأنوار، وإحدى عواصم الفلسفة والقانون والحضارة، ينبعث ظلام دامس يتوخى مفهوما فجا للعلمانية، عماده القصر والجبر والترويع والتنكيل والإقصاء، مع من لا يتفق مع نظرية الدولة حيالها. ورغم ذلك كله، تزعم فرنسا إنها ديمقراطية ليبرالية، وتُعَيِّر دولة تركيا بأنها ديمقراطية غير الليبرالية.

 

 

 

 

محرر الموقع : 2023 - 09 - 01