4 أزمات اقتصادية تهز العالم منذ القرن الثامن عشر الميلادي
    

 

 

 

يمر الاقتصاد العالمي بواحدة من أقسى الأزمات التي شهدها عبر التاريخ بعد اجتماع تداعيات جائحة كورونا مع الحرب الروسية على أوكرانيا وما نتج عن ذلك من موجة تضخم عاتية، وارتفاع بأسعار النفط الخام، والتهديدات التي تواجه سلاسل الإمداد العالمية، علاوة على التوترات الأمنية بأنحاء العالم.

وبالتزامن مع هذه الأزمة المتواصلة تحل في ذاكرة العالم مع دخول شهر سبتمبر الحالي، ذكرى الأزمة المالية العالمية التي بدأت فصولها في العام 2008 وتسببت بخسائر مليارية للاقتصاد العالمي وأنهكته على مدار عقد كامل بعدها.

وهذه الأزمة كانت ضمن 4 أزمات مزلزلة عايشها العالم منذ القرن الـ17 الميلادي، وصولاً إلى القرن الـ21، وهزت أركان اقتصاده وتسببت بتصدعات لاقتصادات دول عملاقة.

هذه الأزمات الاقتصادية بدأت بأزمة الائتمان عام 1772 ليمر العالم بعدها بالكساد الكبير بين 1929 و1939، ثم صدمة أسعار النفط عام 1973، وصولاً إلى الأزمة المالية في سنة 2008.

أزمة الائتمان

حدثت هذه الأزمة بعد فترة من التوسّع السريع في الائتمان المصرفيّ وقد نشأت في لندن ثمَّ انتشرت بسرعة إلى بقية أوروبا في منتصف ستينيات القرن الثامن عشر.

وحينها كانت بريطانيا قد جمعت ثروةً هائلةً من خلال ممتلكاتها وتجارتها الاستعماريّة، وتبع ذلك حالة من التفاؤل المفرط فحدث توسع ائتمانيّ من قبل العديد من البنوك البريطانية وبشكل مفاجئ انسحب ألكسندر فوردايس، أحد شركاء البيت المصرفيّ البريطانيّ، وهرب إلى فرنسا خوفاً من سداد ديونه.

وعندما انتشر الخبر سادت حالة من الذعر المصرفيّ في إنجلترا وبدأ العملاء يصطفون طوابير أمام البنوك البريطانيّة للمطالبة بسحب نقديّ فوريّ ومن ثمَّ انتشرت تلك الأزمة بشكل سريع إلى أسكتلندا وهولندا وأجزاء أخرى من أوروبا.

ونتيجة للأزمة أعلنت 22 مؤسسة مصرفية إفلاسها ومنها من أوقف عمليات الدفع للعملاء، لتعاني إثر ذلك العديد من المؤسسات من ضائقات مالية، وهو ما رفع عدد حالات الإفلاس لتصل في بريطانيا إلى 556 حالة إفلاس.

وامتدت الأزمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ونتج عنها تدهور كبير في النموذج الائتماني الرابط بين كل من الدائن والمدين خاصة في الجنوب الأمريكي.

وعولجت هذه الأزمة عن طريق تحسين أدوات الأوراق المالية ومعالجة القروض المستحقة وطرق سدادها.

ثم ما لبث أن صدرت وثيقة إنشاء بنك أمريكا وتشكيل “لجنة الصندوق الغارق”، حيث كلفت بحل الأزمة المالية، وأقرت مجموعة من المعايير لإعادة التوازن الطبيعي لسوق الأوراق المالية، ثم عاد تدريجياً الاستقرار المالي.

الكساد الكبير

كانت أسواق المال الأمريكية أول ضحايا الأزمة بانهيار بورصة نيويورك يوم 24 أكتوبر 1929، وحدث ذلك بسبب طرح 13 مليون سهم للبيع، لكنها لم تجد مشترين، لتفقد قيمتها كلياً.

ونشر الوضع الاقتصادي الذعر لدى المستثمرين في البورصة، وبادر الوسطاء إلى البيع بكثافة، ليجد آلاف المساهمين بعد ذلك أنفسهم مفلسين.

وأعلنت عشرات المؤسسات المالية إفلاسها، وأغلق العديد من المصانع، وكثرت أعداد العاطلين عن العمل وتوقف الإنتاج, وانتقلت الأزمة كالنار في الهشيم إلى جميع الأسواق العالمية.

وخسر مؤشر داو جونز المنهار 22.6% من قيمته يوم 24 أكتوبر 1929، واستمر بالخسارة حتى فقد 89% من قيمته عام 1932.

ودفع ذلك أصحاب المصارف بالولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمة، فقاموا باسترجاع كميات كبيرة من المال من مصارف في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا، وهي دول تضررت كثيراً من تداعيات الأزمة.

وفي ألمانيا تسببت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في انهيار جمهورية “فايمار”، وتلا ذلك ظهور النازيين، أما في فرنسا فبدأت آثارها بالظهور سنة 1931، في حين اتخذت بريطانيا إجراءات قللت من حدة الأزمة مثل تخفيض أسعار الفوائد.

ولم يبدأ الانتعاش في الولايات المتحدة إلا عام 1933 مع سياسة “العهد الجديد” التي وضعها الرئيس فرانكلين روزفلت، حيث نصت على وضع حلول للأزمة المصرفية عام 1933 وإعادة فتح البنوك السليمة، وإصدار قوانين عامي (1933-1935) التي تمنع البنوك من التعامل بالأسهم والسندات.

وحسب دراسة للمؤرخ المصري جمال محمود حجر، منشورة في العام 1999، فإن أزمة الكساد الكبير كان لها تأثيرات كبيرة في دول الخليج التي لم تكن في ذلك الوقت تملك هياكل اقتصادية واضحة مثل بقية دول العالم، حيث لم يكن قد ظهر النفط آنذاك بشكله الحالي، وكان اللؤلؤ عماد اقتصاد هذه المنطقة.

وتسبب انهيار أسواق المال الغربية بإضعاف عملات منطقة الخليج، وأصبح الناس غير قادرين على شراء احتياجاتهم الأساسية، وفق الدراسة.

وذكر المؤرخ حجر أنه في ذلك الوقت في ظل ضعف المال “كان من الطبيعي أن ينصرف الناس بالعالم تماماً عن شراء احتياجاتهم الكمالية من اللؤلؤ الذي كان يشكل عماد الاقتصاد الخليجي”.

وأشار إلى أنه نتيجة لذلك لحق الكساد باللؤلؤ وتجارته، وتعطل الناس عن العمل في الغوص، الذي كانت نسبة العاملين فيه تصل إلى 99% من إجمالي عدد الرجال القادرين على العمل في المجتمعات الخليجية.

وأدى ذلك إلى البطالة، ووقعت المنطقة بكاملها في ضائقة اقتصادية ومالية عنيفة، بعد أن كانت تنعم برخاء كان اللؤلؤ مصدره.

وساعد على مضاعفة الآثار السلبية للأزمة في منطقة الخليج العربي ظهور اللؤلؤ المزروع باليابان، فقد كان أرخص ثمناً.

صدمة أسعار النفط

بدأت هذه الأزمة في 16 أكتوبر 1973عندما قررت دول (أوبك) إيقاف تصدير النفط للولايات المتحدة والدول الداعمة لـ”إسرائيل” بشكل مفاجئ لدفعها لإجبار “إسرائيل” على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967.

وتسببت الأزمة حينها بنقص كبير في النفط، وارتفاع حاد في أسعاره، ما أدى لحدوث صدمة تضخمية عالمية دفعت البنوك المركزية بالعالم لزيادة معدلات الفوائد بشكل كبير، ما تسبب بإعاقة النمو، لنصل إلى ما يعرف بـ”الركود التضخمي” (ارتفاع الأسعار بشكل كبير مع توقف النمو الاقتصادي).

وفي الولايات المتحدة فقد ارتفع سعر التجزئة للغالون من البنزين من متوسط 38.5 سنت في مايو 1973 إلى 55.1 سنتاً في يونيو 1974، فيما فقدت بورصة نيويورك للأوراق المالية 97 مليار دولار من قيمة أسهمها خلال ستة أسابيع فقط.

وبعد مرور بضعة أشهر على تلك التطورات تراجعت حدة الأزمة، وتم رفع الحظر في شهر مارس 1974 بعد مفاوضات أجريت في مؤتمر قمة النفط في واشنطن، غير أن الآثار المترتبة عليها استمرت طوال السبعينيات.

الأزمة المالية العالمية

انفجرت الأزمة في سبتمبر 2008، واعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير، وبدأت بالولايات المتحدة ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية.

وبدأت الأمور بالتأزم مع رفع البنك الاتحادي الأمريكي لنسب الفائدة لتصل حتى 5.25% بحلول يونيو 2006، وهذا الارتفاع أدى إلى تراجع مبيعات المنازل وانخفاض أسعارها وانهيار سوق البناء.

ووصلت الأزمة إلى أصحاب المنازل المرهونة الذين بدؤوا يواجهون صعوبات كبيرة في الدفع مع ارتفاع الفائدة الكبير، وهو ما أدى بالكثيرين إلى التخلف عن الدفع، وذلك تسبب في إفلاس كثير من المؤسسات المصرفية المقرضة.

وفي أغسطس 2007 بدأت البورصات تتدهور أمام مخاطر اتساع الأزمة، والمصارف المركزية تتدخل لدعم سوق السيولة، إلا أن ذلك لم ينجح، لتعلن مصارف كبرى بأمريكا مع نهاية 2007 انخفاض أسعار أسهمها.

وبين يناير 2008 وسبتمبر من العام نفسه، اتخذ البنك المركزي الأمريكي (بنك أمريكا) وبنوك أوروبية أخرى إجراءات لمحاولة احتواء الأزمة، إلا أن عدة بنوك أعلنت إفلاسها وواصلت البورصات العالمية التدهور.

وفي 19 سبتمبر 2008، وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش نداء بالتحرك فوراً بشأن خطة إنقاذ المصارف لتفادي تفاقم الأزمة، التي سيطرت على مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة حينها.

وفي 29 سبتمبر 2008، رفض مجلس النواب الأمريكي خطة الإنقاذ، لتنهار بورصة وول ستريت بعد ساعات قليلة، وتتراجع البورصات الأوروبية بشدة، في حين واصلت معدلات الفوائد بين المصارف ارتفاعها مانعةً المصارف من إعادة تمويل ذاتها.

وفي الأول من نوفمبر 2008 عاد الكونغرس الأمريكي وأقر خطة الإنقاذ المالي لتبدأ مرحلة التعافي.

وفي دارسة أعدها أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين العراقية علاء عبد كطافة، شملت عرض تأثيرات الأزمة المالية العالمية على دول الخليج، قال إن “دول مجلس التعاون تتميز بأنها ذات درجة انفتاح اقتصادي ومالي مرتفع تجاه العالم الخارجي”.

وأضاف كطافة: “بسبب هذا الانفتاح لا يمكن أن تكون هذه الدول بمعزل عن المتغيرات والأحداث الدولية، لذلك تأثرت بالأزمة المالية من حيث انخفاض أسعار النفط، وانخفاض الطلب عليه، وانخفاض قيمة الدولار، فضلاً عن الخسائر الكبيرة التي منيت بها الصناديق السيادية لدول المجلس”.

وحينها خسرت بورصة السعودية 57% من قيمة أسهمها، وتراجع مؤشر بورصة دبي بنسبة 72%، وكانت قطر هي الدولة الأقل تعرضاً للضرر، حيث انخفض مؤشرها هذا العام بنسبة 28%، فيما لا تتوفر بيانات حول خسائر بورصات بقية دول الخليج.

 

 

 

محرر الموقع : 2023 - 09 - 02