الصداقة في الجامعات تتخذ مسارات جديدة
    

تغيرت مفاهيمها بمرور الزمن
بغداد / عذراء جمعة
تغير مفهوم الصداقة اسوة بالكثير من المفاهيم التي تغيرت مع تطور وحداثة المجتمعات، هذا ما تراه الطالبة الجامعية سرور خالد، ولان الدراسة الجامعية مرحلة جديدة في حياة الفرد، وتحمل في طياتها الكثير من المتغيرات لذلك يذهب اليها الطالب وهو مرتاب وحذر من الاختلاط، والصداقات بصورة عامة تحتاج الى وقت حتى يتعرف الطالب على الاشخاص المشابهين له في السلوكيات والافكار حتى يكون معهم صداقة حقيقية ومتينة، وللاسف هناك من يعد هذه المرحلة فرصة لصيد الفتيات، ولكن هذا لا يمنع من تكوين صداقات حقيقية نقية تستمر لسنوات وتتحول الى عائلية فيما بعد، وكل هذه الامور تعتمد على تربية وبيئة الافراد، فكل شخص يعكس تربيته وما تعود عليه.
واوضح الطالب الجامعي عقيل محمد: "الصداقة الحقيقية قليلة جدا بل تكاد تكون نادرة، خصوصا في الجامعات، اذ ان الكثير منها مبني على المصالح الشخصية والمنفعة الذاتية، وكل طالب يريد الافادة من زميله بأية طريقة كانت، ثم يقطع علاقته به بعد التخرج ، وهناك من يوطد هذه العلاقة ويستمر بها ويحب التواصل مع اصدقائه بصدق ومحبة".

المنظومة القيمية
وتقول الاستاذة الجامعية سماء علي:   
"تغيرت طبيعة العلاقات بين طلبة الجامعات واخذت تتدرج من علاقة احترام وتقدير الى علاقات مليئة بالمشاكل المرفوضة اجتماعيا، فاحيانا تشتكي الطالبات من حالات تحرش وتشهير بالسمعة من قبل زملاء لهن في الدراسة والعكس ايضا، فبعض الطالبات اذا ما حدث خلاف مع زميلها تلجأ الى اتهامه بما يؤدي الى فصله من الدراسة، وكثيرا ما نشاهد في الوقت الحاضر تصرفات غير موزونة من قبل الطالبات والطلبة كتبادل الالفاظ والشتائم غير المقبولة، اضافة الى المشاجرة بالايدي، سواء بين زميل وزميل اخر او زميلة مع زميلها، وهذا شوه كثيرا طبيعة الحياة الجامعية وعلاقات الصداقة نتيجة خلل في المنظومة القيمية في المجتمع ككل ومقابل ذلك توجد علاقات صداقة وزمالة يسودها الاحترام والتعاون، الا انها باتت قليلة مقابل الحالات الاكثر انتشارا".
واشارت علي الى: 
"ان دور الهيئة التدريسية هنا هو تقديم النصح والارشاد اضافة الى تشكيل لجان الارشاد التربوي ومحاولة احتواء المواقف التي تحل بالتهدئة واحيانا اخرى بعقوبات تنبيه وفصل لايام معدودة بحسب صلاحيات القسم، وفي حالات يحال الطالب الى لجنة انضباط، اذا لم يرتدع ويفصل لسنة كاملة، كما ان للحرس الجامعي دورا في حل النزاعات والاشتباكات بالايدي لكن ليست له صلاحيات في توجيه عقوبات اقوى، فهو يفض النزاع فقط ويقتاد الطلبة اذا ما احتد الصراع الى اقرب شخص مسؤول عن اتخاذ القرار، اضافة الى ضبط الحالات غير المقبولة واللائقة بالحياة الجامعية ومحاولة تحجيمها ونقل الصورة الى المسؤول في الجامعة عن انضباط الطلبة (لجنة انضباط الطلبة)، وغالبا ما ينظر الطلبة الى علاقاتهم غير المقبولة في كثير من الاحيان على انها نوع من التحرر والتطور المجتمعي على الرغم من انها كثيرا ما تسبب مشاكل للطرفين قد تصل الى استدعاء اولياء الامور".

الصداقة الحقيقية
وبينت استاذة الدراسات التربوية والنفسية في جامعة بغداد الدكتورة ناز بدر خان السندي:
"المعنى الحقيقي للصداقة نابع من الصدق، واذا ما قارنا بين الصداقة الآن وسابقا سنجد تلاشي الصداقة ومعناها الحقيقي نتيجة تغير ظروف الحياة والتطور الذي جرى عليها والتطورات السياسية والظروف التي تمر بها البلاد التي ابعدت عنا الحياة الاجتماعية كالتصاق العديد من الاطفال والشباب وحتى الكبار بالأجهزة الالكترونية كالموبايل والايباد كصديق لهم وابتعادهم عن علاقاتهم الاجتماعية، ما سبب من الناحية النفسية تقليل انجذابهم الى الاخرين، فالطلبة تغيرت افكارهم ومفاهيمهم عن الصداقة وبات تقييما على اساس المصلحة نتيجة ظروف المجتمع الاقتصادية والمشاكل التي تعرض لها ، واحيانا تملي حاجة الطلبة الى بعض الاشياء جعلت اختيار الصديق يتم وفق هذه المتطلبات، وكل هذا اضاع مصداقية الصداقة وباتت للأسف تتماشى مع ظرف أومصلحة معينة وتنتهي حال انتهاء تلك المصلحة".
واشارت السندي الى ان: 
" التغيرات التي طرأت على المجتمع أثرت في العلاقات بين الذكر والانثى في الجامعة وجعلتها لا تبنى على اساس حقيقي و بدأت العلاقات تأخذ منحى اخر نتيجة تاثرها بظروف الحياة، واصبحت هذه العلاقات تشوبها اشياء غير صادقة نتيجة ظروف الاسرة وفقدان الامن والاستقرار، وبدأ الطلبة يتخوفون من هذه العلاقات وحتى اذا كانت نية هذه العلاقات صادقة يحكم المجتمع عليها بشيء سلبي وهذا من جراء تعقيدات الحياة، كما ان فصل الذكورعن الاناث في الدراسة من المرحلة الابتدائية والثانوية ثم الانتقال المفاجئ إلى الاختلاط جعل الزمالة والصداقة والقيم والاخوة والعلاقات الحقيقية في حالة التجريب والتخمين، وأدت مخاوف العائلات الى تحجيم اختلاط الانثى ليس في الجامعة فقط وانما حتى في النوادي الاجتماعية ومراكز التسوق".
علاقة طويلة الأمد
واشارت استاذة الاجتماع في جامعة بغداد الدكتورة شيماء عبد العزيز إلى ان: "مفهوم الصداقة من المفاهيم التي تبني العلاقات بشكل صحيح ولا بد ان تكون هناك علاقات صحيحة حتى يبنى المجتمع بشكل صحيح، فالانسان بطبعه يعيش في المجتمع مع الاخرين، والصداقة تختلف عن باقي العلاقات، لانها تبنى اساسا على الصدق والصراحة والتي تبقى مع الانسان لفترات طويلة من عمره على عكس باقي العلاقات مثل الحب التي  بمجرد انتهائها يبتعد الطرفان عن بعضهما، والصداقة تصبح أكثر قوة بمرورالسنوات وتتحول من علاقة فردية الى عائلية ، لكن هذه العلاقة بدأت تتغير ليس في مجتمعنا فقط وانما في العالم اجمع ".
واوضحت عبد العزيز:
" ان الطلبة في الجامعات بحاجة الى الصداقة الحقيقية البعيدة عن المصالح، لان الصديق الحقيقي هو من ينصح صديقه ويعرفه باخطائه ويقف الى جانبه في السراء والضراء، وما يعانيه طلبتنا اليوم من سوء علاقات الصداقة بينهم ناتجة عن اختلاف الظروف الاجتماعية وحتى الظروف الفيزيقية التي غيرت المواسم والاحوال الجوية، فنرى ان مرحلة المراهقة التي كانت تبدأ من سن 12 عاما وتنتهي ب18 عاما الان نجد الطلبة يتخرجون من الجامعة وهم مراهقون، ولهذا نجد علاقاتهم مع بعضهم متسرعة وغير متقنة الاختيار ولم تبن على اسس صحيحة ومتينة نتيجة لانحدارهم من عائلات محملة بمكبوتات تجاه الطرف الاخر، ولذلك لم تثمر صداقاتهم عن علاقات ناجحة تؤدي الى الزواج مثلما كان موجودا في السابق، يوم كانت العلاقات الجامعية من انجح العلاقات على عكس ما موجودة الآن، علاقات طائشة للتفاخر والتباهي وتطير مع اول عاصفة".
وبينت عبد العزيز: "ما نشاهده اليوم من علاقات صداقة في الجامعة غايتها تمضية الوقت فقط، وتغلق ابوابها بعد التخرج ولا يسأل الاصدقاء عن بعضهم لان اساس هذه الصداقات بنيت على اساس المصلحة والافادة من الاخر اما ماليا او علميا او تفاخرا، ومع ذلك توجد علاقات صادقة تبقى وتستمر مع الطلبة حتى بعد التخرج لانها بنيت على اساس قوي واستطاع الطلبة التعرف على بعضهم خلال سنوات الدراسة الجامعية وتجاوزهم للمواقف التي مروا بها خير دليل على حسن نواياهم".

محرر الموقع : 2017 - 01 - 14