الفكرةُ الثالثة
    

 

 تعوَّدنا ان نطرح الأفكار المضادة لبعضنا البعض بثنائية الضد النوعي،  ونتحمسلرفض الآخر ، باستحضار ثنائية الضد المخزونة باللاوعي .  

انت مع  الحشد .... انا ضد الحشد ، انت مع ايران.... انا مع امريكا انت علماني .... أناضد العلمانية، انت اسلامي ... انا ضد الاسلامي   والعكس صحيح ، لم نفكر ان نصنعفكرة بديلة.  

فكرة الضد هي فكرة البحث عن العدو  المفترض ، وهي تعمل على صناعة   فريقينمتصارعين على الدوام ،  لان اساس الفكرة ناشئة على الخصومة ، وبالتالي نهاياتهامعروفة وهي المواجهة والصِدام . ففكرة الضد هي الفكرة التي لا تقبل التعايش مع الاخر ،باعتبارها فكرة متوترة مأزومة  غير قادرة على صناعة الحلول العقلانية . 

ودائماً ما يلجأ اصحابها الى الاثارة  والتجييش، وشيطنة الخصم ، فهي الوسيلةالوحيدة للانتصار كما يعتقدون .  ربما يكونوا منتصرين،   ولكنه انتصار الوهم ، نعممنتصر ، لكن السؤال منتصرٌ  على مَنْ ؟ 

ان أصل فكرة الضد  متأتية من ثنائية  الله والشيطان، اي الخير المطلق والشر المطلق ،وهي فكرة دينية بحته ، خرجت من رحم الموروث الثقافي الديني ، فالشيطَّنة أو الأبلَّسة  مفهوم ديني  لا يصلح  في عالم السياسة ، الذي ليس فيه  محرمات ولا مطلقات في العملباعتبار ان عالم السياسة عالم متغير . 

من هنا تعتبر الشيطنة عصا شديدة القوة  تستخدمها الاديان من اجل فرز من لا يؤمنونبالله، وبالتالي يحق على الرافضين  العذاب دون اعترض من احد .

ولكون محاربة الشر وما يرتبط به  طبيعة فطرية ، لذا يكون التسويق لفكرة الضد سهلةوميسرة . 

لذا  استخدم السياسيون الثيوقراطيون والمؤدلجون بشكل عام  ثقافة شيطنة الخصوم،لانها اسهل طريقة للوصول الى الهدف ، اذا ما علمنا ان اغلب السياسيين يراهنون علىوعي الشارع  العاطفي المنفعل. 

ان نفي فكرة الضد ليست في مصلحة  المتخاصمين سياسياً، لذا نراها رائجة على الدواموحاضرة متى ما وجدت العقول المريضة  . 

ومن ناحية اخرى فان أفكار الضد تعيش على بعضها البعض وتكتسب ديمومتها منالاخرى ، وان أقصت احدهما الاخرى عن مشهد الصراع لفترة ما ،  لكن الاخرى  لن تموتبل ستبقى حية تتربص باختها  للظهور مرة اخرى.

لازال العقل السياسي العراقي والعربي بشكل عام  يعاني من ثنائية الفكرة ، باعتبارهعقل موتور ومأزوم ، يؤمن بثقافة صناعة الأعداء ،حتى لو كانوا وهميين. 

لم يتمكن   هذا العقل في مسيرته السياسية وعبر مراحله التاريخية  من البحث عن فكرةثالثة تستوعب الفكرتان،  ليمنحنا قدر اً من العقلانية كمواطنين  ، بل  جعلنا ندور فيفلك التبرير لفكرة الضد ، بالطائفية مرة وبالقومية اخرى وثالثة بالمدنية ، وكل هذاوالعناد هو السيد  المسيطر على انفعلاتنا النفسية . 

 ففي كل حدث يتجدد الصراع بين العراقيين ، وينقسمون الى فريقين مؤيد ومعارض ،وتتصاعد موجة الاتهامات والتخوين والعمالة ، ومن الطبيعي ان نتوقع المواجهة  بينهما، فلكل فعل رد فعل يساويه بالقوة يعاكسه بالاتجاه. 

 ففي المواجهة يخسر الجميع وفِي المقدمة الوطن . 

ربما نتمنى ان ينتهي الصراع في وطننا  ونعيش  بثبات ونبات ونجيب صبيان وبنات ،لكن التمني وحده ليس كافياً . نحتاج الى نهضة عقلانية حقيقية ، وهذه النهضة  لايصنعها  الشارع المنفعل  بل تصنعها النخب المستنيرة . 

حينما نتحدث عن الفكرة الثالثة،نعني بذلك الفكرة المسترخية الفكرة الخارجة من رحمالخير، التي لا تنمو معها الطفيليات السياسية، ويمكن ان نطلق عليها نقطة الشروعالجديدة لمشروع جديد.  

 

محرر الموقع : 2020 - 07 - 12