المرجعيّة العليا .. وتفرّد ردّها على قرار ترامب !.
    

إذا كان الإجماع قد حصل دوليا ً وإقليميا ً و( جماهيريا ً ) على إدانة واستنكار إعلان الرئيس الأمريكي \" ترامب \" بجعل مدينة القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي , والذي من تبعاته نقل سفارة الولايات المتحدة من \" تل أبيب \" الى مدينة \" القدس \" . لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لردود الفعل والإجراءات المتبعة لذلك الرفض , ويعود ذلك لتباين وجهات النظر باختلاف الأيديولوجيات التي عليها الدول والأنظمة السياسية فضلا ً عن الأحزاب والحركات في العالم ولا سيما في العالمين العربي والإسلامي , وكذلك القرب من الكيان الإسرائيلي اعترافا ً به وتطبيعا ً معه , والبعد عنه إنكارا ً له جهادا ً ومقاومة .
وبإمكاننا أن نلحظ أن الأصوات الرافضة للقرارهي ثلاث أصناف , تباينت بردود أفعالها و بإسلوب إجراءاتها المتخذه ضد القرار :
1 ــ رافضين للقرار الأميركي وهم يؤمنون بالكيان الإسرائيلي كدولة , لإيمانهم بالمفاوضات الجارية المعروفة بـ \"عملية السلام\" العقيمة والهزيلة مذ انطلقت بين الفلسطينين والإسرائليين , والتي من متبنياتها حل (الدولتين) . وهؤلاء كثر سواء في المجتمع الدولي أوالمحيط الإقليمي . ويعتقدون أن القرار الأميركي قد نسف عملية السلام , ويفضلون العودة لطاولة المفاوضات ودفع عملية السلام ( والتي ترعاها الولايات المتحدة ) الى أمام , كأفضل طريقة للحل السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين .
2 ــ رافضين للقرار الأميركي ممن هم على تقاطع مع الكيان الإسرائيلي . ولا يؤمنون بعملية السلام ولا بحل ( الدولتين ) ويعتبرونه كيان غاصب ومحتل للأراضي العربية والإسلامية . وهؤلاء قلة من الدول العربية كـ ( سوريا ) والإسلامية كـ ( إيران ) . وكانوا قد دعوا الشعب الفلسطيني الى انتفاضة عارمة في الأراضي الفلسطينية , وتظاهرات كبيرة في عواصم ومدن العالمين العربي والإسلامي اجتجاجاً , وطرق جميع السبل الإعلامية بما في ذلك مواقع التواصل الإجتماعي , لزيادة الضغط حتى تتراجع الإدارة الأميركية عن قرارها بجعل القدس عاصمة لإسرائيل .
3 ــ رافضين للقرار الأميركي جملة وتفصيلا ً , ولكن لم يذهبوا كما ذهب الفريق الأول بتشبثه بعملية السلام العقيمة بين الإسرائليين والفلسطينيين , كحل بديل للقرار الأميركي . كما لم يذهبوا كما ذهب الفريق الثاني , بالتشبث بالإحتجاجات الشعبية حتى ينثني الأميركان عن عزمهم ويتم إلغاء القرار . لأن كلا الفريقين وضع نصب عينيه ( القرار ) المجحف وتداعياته , ونسوا أو تناسوا \" إسرائيل \" ككيان غاصب ومحتل للقدس ولفلسطين  , الذي من تداعيات الإحتلال هذا  القرار . كمن نسي أو تناسى السبب الأصل وتشبث بما تفرع عنه .
وتجلّى هذا الرفض المتفرّد بموقف المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف , ببيانها الصادر من مكتبها يوم 7 / 12 / 2017م . وهو طرح يُعدّ بحق علاج للقضية الفلسطينية برمتها, بطريقة أكثر راديكالية من الآخرين . وبإمكاننا أن نلحظ عدّة إضاءات , من خلال هذا البيان منها :
1 ـ المرجعية العليا اعتبرت قرار الولايات المتحدة (لن يغير من حقيقة أن القدس أرض محتلة ) سواء أعلنت عنها كعاصمة لإسرائيل أم لا , أو انتقلت اليها سفارة الولايات المتحدة أم لا !. بدليل ( والكلام للفريق الأول والثاني ) أن القدس واقعا ً هي عاصمة لإسرائيل , منذ سبعة عقود , أي  منذ أن اعترف بها الرئيس الأميركي ( ترومان ) كدولة .
( والقدس اليوم هي مقر الحكومة الإسرائلية الحديثة , ففيها البرلمان ( الكنيست ) وبها المحكمة العليا الإسرائلية , وفيها مقر رئيس الوزراء ومقر الرئيس الإسرائيلي , وفيها أيضاً العديد من مقرارات الوزارات التابعة للحكومة الاسرائلية . اليوم نعترف أن القدس هي عاصمة لإسرائيل .. بما هو واقع )) وهذا باعتراف \" ترامب \" ذاته وهي حقيقة غائبة عن الجميع ! هذا فضلاً عن وجود قانون (سفارة القدس) الذي اتخذه الكونغرس الأميركي منذ عام 1995م الذي يعتبر القدس عاصمة  لإسرائيل.
https://www.youtube.com/watch?v=tOzW47WmVWA
2 ـ المرجعية العليا تيقنت من أن الإحتلال سيزول , والأرض المحتلة ستعود لأهلها على نحو ( الوجوب ) كنتيجة تاريخيّة حتميّة ( أن القدس أرض محتلة يجب أن تعود الى سيادة أصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن )! وتتفرع من هذه النقطة المهمة عدة إضاءات منها : أن القدس مدينة محتلة كباقي المدن الفلسطينية وليس لها أفضلية عن المدن الأخرى , بالرغم من احتوائها على أماكن مقدسة تشكل رمزية لدى عموم المسلمين أولا ً . أن الفلسطينيين هم المسؤولون عن تحرير أراضيهم بالدرجة الأولى وبالطريقة التي يرونها ثانيا ً . وأن القدس يجب أن تعود لسيادة أصحابها الفلسطينيين , لأنهم الأوصياء عليها حتى لو كان التحرير بمعونة الآخرين مهما طال الزمن ثالثا ً .
3 ـ المرجعية العليا تدعو الأمّة بما هي أمّة لأن تتظافر جهودها وتتحد كلمتها , في سبيل تحرير الأرض المحتلة , كسبب رئيسي لحل جميع مشاكل فلسطين والأمّة الإسلامية ( ولا بد أن تتضافر جهود الأمّة وتتحد كلمتها في هذا السبيل والله ولي التوفيق ) .
http://www.sistani.com/arabic/statement/25868/
وهي دعوة خالصة لإنقاذ شعب يرزح تحت وطاة الإحتلال منذ أكثر من سبعين عاما ً , ولتحرير أرض فلسطين من ذلك الكيان السرطاني , الذي ما فتئ يتمدد يوما ً بعد يوم ويكبر . بعيداً عن الممارسات الفردية والبطولات الشخصيّة الفارغة , وبعيدا ً عن المزايدات التي لم تجلب إلا الويلات ولم يستفد منها أحد سوى إسرائيل . وبعيدا ً عن اعتلاء صهوة الشعارات الرنانة المرتبطة بالقضية الفلسطينية , ولم يعلو بها سوى شعار إسرائيل . وبعيدا ً عن حرْف بوصلة المعركة ضد الإحتلال , بإذكاء معارك جانبية لم يستفد منها أحد سوى إسرائيل . كالدعوة اليها اليوم حتى إلغاء القرار الأميركي , وكأنّ المعركة اليوم هي معركة قرار جعل القدس عاصمة ـ وليس الإحتلال .
4 ـ الأمّة بما هي أمّة يجب عليها أن تذعن لنصح وإرشاد حكمائها وعظمائها وإلاّ هي سائرة نحو التقهقر والتدهور نتيجة لذلك عقوبة لها . وأي عظيم وحكيم اليوم يوازي المرجعية الدينية العليا , وهي تمثل مقام النيابة العامة عن المعصوم (ع) . فإذا أردنا إنقاذ الشعب الفلسطيني ووقف نزيف دمه ودماء الأمة , وتحرير أرض فلسطين من براثن المحتل الإسرائيلي , ووقف معاناة ومشاكل الأمة , علينا اتباع ما نصحت به ورشدت اليه زعيمة الأمة .
وهذا ما حذّرت منه المرجعيّة العليا واشارت اليه , عبر منبر جمعة كربلاء في 8 / 12 / 2017م وعلى لسان ممثلها السيد \" أحمد الصافي \" حيث قال:  ( أراد الله من الأمّة بما هي أمّة أن تلتفت .. أنه إذا كان هناك من ينبّه ويدعو ويُشير وينصح ويبيِّن , أن على الأمّة أن تلتفت لأن هذه الأمور , إذا لم تتحقق فيها الإستجابة التامة، فمن الممكن - والعياذ بالله - أن ينزل البلاء فيكون بلاءً عاما ً .
فالحديث في هذه الحالة عن أمّة وليس أفرادا ً .. فهذه الأمّة ستدفع هذا الثمن و(كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)!.
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=358

 نجاح بيعي

محرر الموقع : 2017 - 12 - 09