الوصفة المشفّرة تثقل كاهل الفقراء.. وتزيد أرباح الأطباء والصيادلة!
    

من غير المعقول هذه الصيدلية الثالثة التي أدخلها، ولم يستطع الصيدلي قراءة الوصفة، أحد المرضى الواقفين نصح الشاب الذي يحمل وصفة طبية لمرض جلدي، بأن يراجع الصيدلية التي قرب الطبيب أو يسأل الطبيب عن الصيدلي الذي اتفق معه على رموز الدواء. استغرب الشاب ذلك، فعلى ما يبدو أنها المرة الأولى التي تحدث معه. بعد أن فرغ الصيدلي من عمله، أعاد النظر بالوصفة الطبيّة ونوع الدواء الذي كان عبارة عن تركيبة خاصة لعلاج أحد الأمراض الجلدية، وتركيبة ثانية ملطفة للجلد، والرموز التي كتبت بها لايستطيع أحد فك رموزها إلا الصيدلي الذي تم الاتفاق معه على نوعية كل مرهّم ورمزه ...

التجارة بدل الطب
واحدة من أبرز المشاكل التي تواجه الفقراء ومحدودي الدخل، الذين يؤثرون على أنفسهم توفير ثمن كشفية الطبيب الوصفة (المشفّرة) التي لايمكن لأي صيدلي فك رموزها، الأمر الذي يعني أن ثمنها سيكون مرتفعاً جداً. عدي نوري موظف حكومي، راجع أحد الاطباء لأعراض مرض جلدي، بعد أن فحصه وشخّص العلاج سلّمه الوصفة، التي فضّل شراءها من منطقته الشعبية، لكن اغلب الصيادلة عجزوا عن قراءة الوصفة. مبيناً: أن أحدهم أخبره بمراجعة الصيدلية القريبة من الطيب. متابعاً: وفعلاً استطاع الصيدلي قراءتها وعلى وجه السرعة سلّمني مجموعة ادوية بينها (خلطة). مستدركاً: لكن ثمنها سبّب لي صدمة كبيرة، اذ بلغ قرابة (90) الف دينار.
وأضاف نوري: وقتها لم أكن احمل المبلغ، اعتذرت من الصيدلي، لكن رجعت اليه في اليوم الثاني. مستغرباً: من أن سعرها وصل الى (75) الف دينار نفس الكمية والنوعية، لكن الصيدلي كان شخصاً آخر. منوهاً: الى اهمية أن تولي الجهات المعنية الاهتمام اللازم بهذه الظاهرة، التي اخذت تثقل كاهل الفقراء من الناس.
سعد عبد الرحيم طالب جامعي بيّن: أن الوصفات الطبية المشفّرة أصبحت متداولة بين بعض الأطباء والصيادلة بشكل يدعو للاستغراب والخوف. مضيفاً: أن هذا الحالة غير الانسانية جعلت من الأطباء، تجّاراً  يربحون الملايين على حساب صحة المرضى، بخاصة الفقراء منهم. مبيناً: أن الكثير من الأطباء يملكون صيدليات، إن كانت لزوجاتهم أو ابنائهم أو أحد معارفهم، فيتم ارسال الوصفات الطبية حصراً لصيدلياتهم وفق وصفات مشفرة لا يفهمها غيرهم، حتى لا يذهب المريض إلى صيدلية أخرى لشراء الدواء.
وعن رأي الاطباء بهذه الظاهرة، بيّن اخصائي الأطفال د. ميثم حسن لـ(المدى) أن هذا الأمر مرفوض ومستهجن وغير انساني. منوهاً: الى أن هذه الظاهرة تشير الى غياب الجانب الانساني عن الطبيب وتحوّله الى جشع وطمع. مشدداً: على ضرورة أن تكتب الوصفة الطبية بشكل واضح ومفصل، كي تسهل عملية الصيدلي. مؤكداً: على اهمية محاسبة الأطباء والصيادلة الذين يتاجرون بصحة الناس عبر هكذا اتفاقيات  يفترض أنها لاتمت لمهنة الطب بصلة.

الفرق كبير بين السعرين
أحد المواطنين وجّه رسالة الى .. نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة ومكتب وزيرة الصحة، عنونها بقصة (الراجيته المشفرة)...  اذ بيّن انه بتاريخ 2017/3/7 ذهب وزوجته الى طبيبة اخصائية، للكشف عن حالتها وبعد الكشف كتبت لها علاجاً من الصيدلية المتعاملة معها وهي صيدلية (......) وبعد ذهابه الى الصيدلية لشراء العلاج تفاجأ بالسعر (45) الفاً، وهو لا يملك سوى (15)  الف دينار، وفق ذلك قرر الذهاب الى صيدلية أخرى، في شارع الحبوبي وعندما اعطى الوصفة، نظر الصيدلي الى اسم الدكتورة وقال: أخي أن هذه الوصفة مشفّرة لايستطيع غير (......) حل رموزها وشفرتها.. متابعاً: لذا قررت الذهاب الى صيدلية أخرى وكان رد صاحب الصيدلية مشابهاً، الوصفة مشفرة، وتكرر الأمر مع خمس صيدليات، وكانوا يردّون عليّ  الردّ ذاته.. وأضاف كريم في رسالته: رجعت الى زوجتي التي تنتظرني في عيادة الدكتورة. قلت لها، لم اشتر العلاج وشرحت لها الحالة بالتفصيل. مضيفاً: وانا أكلّم زوجتي وماجرى، سمعتني امرأة متوسطة العمر فقالت -اعطني الوصفه، اخذتها ودخلت على الدكتورة ومعها زوجتي فقالت لها- دكتورة اننا لانملك ثمن العلاج، ارجو أن تغيّري الصيدلية الى صيدلية أخرى، لأننا ذهبنا لعدّة صيدليات، وقالوا لنا لانعرف مامكتوب بالوصفة، لأنها مشفرة لصالح صيدلية مسلم. مؤكداً: أن الدكتورة تلكأت عندما سمعت هذا الكلام وقامت بتغيير الوصفة. اخذنا الوصفة الثانية غير المشفرة، الى احدى الصيدليات، وهنا المفاجأة، اعطانا الصيدلاني العلاج بـ(13) ألف دينار، فقط وعندما رجعنا الى الدكتورة لإعطاء زوجتي التعليمات، لأخذ العلاج، سألت زوجتي بكم هذا العلاج، فقالت لها (13) الف دينار فقط.

منع ومطالبات نقابية
سبق وأن طالبت نقابة الصيادلة في ذي قار، اطباء المحافظة، الى اعتماد الوصفة المطبوعة بالحاسوب بدلاً من المكتوبة باليد، في اجراء يهدف الى القضاء على الوصفات المتفق عليها مسبقاً بين الأطباء والصيادلة، مبينةً، أن عدداً من الاطباء تعذّروا عن تطبيق هذا الاتفاق .وقال ممثل النقابة في ذي قار الدكتور حيدر حويس الشويلي: إن ممثلية نقابة الصيادلة، عقدت اجتماعاً بحضور مدير عام صحة ذي قار ونقيب الاطباء، وجرى خلاله الاتفاق على مجموعة من النقاط، وكان منها أن تكون الوصفة مطبوعة بدلاً من الوصفة المكتوبة بخط اليد .
وأبدى الشويلي أسفه من عدم استجابة اغلب الأطباء وتحجّجهم بضيق وقت الدكتور الذي لايسمح له باستخدام الحاسوب في طباعة الوصفات العلاجية، لافتاً: الى أن هذه الاعذار غير صحيحة، كون التعامل مع الحاسوب يكون أسرع من الكتابة اليدوية، خصوصاً مع وجود برامج يمكن استخدامها لهذا الغرض. عازياً سبب انتشار هذا النوع من الوصفات الى وجود أشخاص دخلاء على مهنة الصيدلة.
نقابة الصيادلة بدورها وحسب الأمر النقابي المرقم 277 الصادر في 8-2-2917 قررت محاسبة ومنع كل وصفة تحمل شفرة خاصة بين الطبيب والصيدلية التي تحته أو متفق معها، وسيتم محاسبة المخالفين بشدة وصرامة خدمة للصالح العام، لأن الوضع اصبح لايطاق. كما نوّهت الى منع الاتفاقات بين الشركات والأطباء والصيدليات بأيّ شكل من الأشكال، وهذه الظاهرة المنتشرة بإفراط تجعل من بعض الأطباء، ضعاف النفوس بالاتفاق مع صيادلة أيضاً، ضعاف نفوس بصرف أدوية للمريض تم الاتفاق عليها مسبقاً بصفقة تجارية غير سليمة.

التشفير يحرم الفقراء
لايخفى على أحد ما فعلته القنوات الرياضية المشفرة التي حرمت الفقراء وأصحاب الدخل المحدود من متعة مشاهدة المباريات إلا باشتراك خاص، لتنتقل هذه الحمّى لتصيب الأطباء، فباتت وصفاتهم للمرضى فيها الكثير من الالغاز والطلسمات والأرقام السرية، التي ﻻيستطيع أي صيدلي صرفها، إلا الصيدلي الذي يتعامل معه الطبيب، وبالتأكيد، الوصفة المشفرة، للطبيب نسبة فيها، وربما لأصحاب المكتب العلمي وغيرهم.
نقيب الصيادلة السابق د. احمد ابراهيم بيّن لـ(المدى) أن هذه الظاهرة، اخذت تتسع بسبب بعض ضعاف النفوس. منوهاً: الى انها مرفوضة أولاً، وممنوعة ثانياً، حسب قانون نقابة الصيادلة. لافتاً: الى ان البعض من الاطباء والصيادلة، يتفق مع بعض الوصفات المشفرة، لبعض التركيبات الخاصة، أو الاتفاق مع المكاتب العلمية لتصريف دواء معين واستحصال نسبة من الأرباح.
وأشار ابراهيم: الى المدونات والنشرات التي تمنع كتابة الوصفة المشفرة، والى تعليمات نقابة الصيادلة وكل الجهات المعنية بالدواء وصحة والمواطن. موضحاً: أن هذا الأمر ينعكس سلباً على المرضى، خصوصاً الفقراء منهم، وذوي الدخل المحدود الذين يدفعون الثمن هنا مضاعفاً من صحتهم واموالهم.
وبيّن نقيب الصيادلة السابق: أن الوصفة الطبية وحسب التعليمات والقوانين، يجب ان تحتوي على كافة المعلومات، عمر المريض ونوع المرض والتشخيص. وان لاتكون بالرموز أو الاختصارات. مضيفاً: وحتى كمية الدواء أو الجرعة التي تؤخذ، يجب أن تكون واضحة، كي يستطيع الصيدلي صرفها بدقة. مشيراً: الى أن الوصفات المشفرة، سبّبت الكثير من الإشكال، خاصة حين يحاول بعض الأطباء، فك شفرتها لكنه يخطئ في صرف العلاج، بالتالي هي خسارة أخرى تثقل كاهل المريض صحياً ومالياً.

القانون والجشع والاتفاقات
الصيدلي علي الدهان ذكر لـ(المدى) لتوخي الدقة في موضوع الوصفات الطبية المشفرة، علينا أن نميّز، أولاً بين الوصفة الطبية المشفرة، وبين الوصفة الطبية التي تكتب بخط رديء، نصّت الفقرة ( 5) من المادة (14) من قانون مزاولة مهنة الصيدلة المرقم 40 لسنة 1970 على الآتي :لا يجوز للصيدلي أن يصرف وصفة مكتوبة بعبارات او علامات غير مصطلح عليها في فن الصيدلة. اي أن كتابة الوصفات المشفرة، هو تدني أخلاقي ومهني رافق الخراب الذي أصاب المجتمع برمّته، وقد ظهرت هذه الحالة من أيام الحصار في التسعينيات، وقيام نظام البعث بإلغاء المسافة القانونية بين صيدلية وأخرى. مضيفاً: والتي كانت حسب القانون مئة متر، مما أدى الى حصول تنافس غير شريف بين الصيادلة، قام بعض الاطباء من ضعاف النفوس، بابتزاز اولئك الصيادلة وعقد اتفاقات مشبوهة، ضحيتها المريض. 
وأشار الدهان: الى رداءة الخط في كتابة الوصفات الطبية، والذي يعد هماً آخر للصيادلة. مشدداً: ممكن معالجة الحالتين، بإلزام الأطباء وبأمر من نقابة الأطباء، وأن تكون الوصفة مطبوعة على الآلة الحاسبة ولا تكتب باليد. لافتاً: الى أن لجنة من أطباء وصيادلة أكفاء في وزارة الصحة، كانت تقوم سابقاً بتدقيق عيّنات عشوائية من وصفات الأطباء للتحقق من صحة الأدوية الموصوفة وكمياتها وعدم وجود علامات أو رموز غير مفهومة.
وبيّن الدهان: ساهمت الرشاوى التي تقدمها مكاتب الاعلام الدوائي الى الأطباء  لغرض الترويج للأدوية التي تستوردها تلك المكاتب بتفشي ظاهرة تسمى ديلDeal) ) أي ما يعني اتفاق، أن يقوم الطبيب بوصف أدوية المكتب مقابل مبلغ من المال أو سفرة خارج العراق.. الخ. مشدداً: هذا اتفاق لسرقة المريض، اذ يقوم الأخير بإضافة مبلغ على الوصفة مما يعني سرقة علنية للمريض. متابعاً: حالياً تسمع في كل صيدلية العبارات التالية: ارجع للطبيب يوضح الكتابة أو أذهب الى الصيدلية التي تقع جنب عيادة الطبيب المعني، فهو فقط من يستطيع قراءتها.

سرقة المريض وإرهاقه
وأوضح الدهان: انا صيدلي منذ 42 عاماً، واعمل يومياً، واقرأ وصفات طبية من مختلف الأطباء، وما زلت لا أستطيع أن أفهم تلك الرموز والعلامات  التي تصلني. متسائلاً: اين الخلل بذلك؟. مؤكداً، أن احد المبادئ الأساسية في علم الادارة،  هو مبدأ تعريف المشكلة بوضوح من أجل إيجاد الحلول المناسبة، وهنا نحن بصدد إيجاد تعريف، هم يقولون صفقة أو ديل أو اتفاق، وأنا أقول هو مشروع سرقة مال المريض. مشدداً: فالصيدلي أو صاحب مختبر التحليلات المرضية أو عيادات الأشعة التي تقوم بدفع إيجار عيادة الطبيب الذي يرسل لهم وصفات أدوية أكثر من اللازم أو التوصية بإجراء فحوصات شعاعية أو مختبرية غير ضرورية، هم في الحقيقة يسرقون من المرضى ويدفعون للطبيب. متأسفاً: على اختفاء الدور الرقابي لنقابة الأطباء وشيوع العيادات غير المرخصة قانونياً، وغير خاضعة لرقابة نقابة الأطباء أو وزارة الصحة. خاتماً حديثه: ارفق لك وصفة طبية عرضت على 14 صيدلياً، عشرة فقط، استطاعوا معرفة الأدوية الأربعة العليا وآخر دواءين لن يتمكن الجميع من قراءتهما.

محرر الموقع : 2017 - 03 - 14