الانتخابات التشريعية في هولندا...اختبار حاسم لقوى اليمين المتطرف
    
تتجه أنظار العالم غدا الأربعاء إلى هولندا حيث تشهد البلاد انتخابات تشريعية حاسمة تعد بمثابة الحلقة الأولى في سلسلة من الانتخابات التي تشهدها القارة الأوروبية هذا العام ويُتوقع أن تعيد رسم المشهد السياسي الأوروبي.
تمثل هذه الانتخابات اختبارا حاسما لشعبية قوى اليمين المتطرف في أوروبا خاصة أنها تسبق استحقاقين انتخابيين في فرنسا وألمانيا هذا العام في ظل تصاعد ملحوظ لنفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة الرافضة للمشروع الأوروبي والمناهضة للمهاجرين.
وتظهر آخر استطلاعات الرأي تقدم الحزب الليبرالي بزعامة رئيس الوزراء مارك روته بحصوله على 24 مقعدا من أصل 150 يضمها البرلمان، بتراجع كبير عن المقاعد الأربعين التي يشغلها حاليا، مقابل 22 مقعدا لحزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة غيرت فيلدرز و22 أيضا لحزب النداء المسيحي الديموقراطي، بينما سيحل رابعا حزب الخضر بــــ20 مقعدا.
وطوال الأشهر الماضية تصدر حزب الحرية اليميني المتطرف استطلاعات الرأي وارتفعت شعبيته بصورة ملحوظة لا سيما مع تفاقم أزمة الهجرة إلى أوروبا، وهو ما أثار القلق من إمكانية فوزه في الانتخابات التشريعية وتشكيله للحكومة الجديدة خاصة بعد وقوع البريكست وفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية والذي جاء مخالفا لكافة التوقعات.
تزايدت المخاوف بعد أن وعد فيلدرز، المعروف بخطابه المناهض للإسلام، أنه إذا أصبح رئيسا للوزراء فسوف يغلق الحدود في وجه المهاجرين المسلمين ويحظر بيع المصاحف ويغلق المساجد ويخرج هولندا من الاتحاد الأوروبي.
ومع اقتراب موعد الانتخابات تراجع حزب الحرية إلى المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي وتعهدت عدة أحزاب بالامتناع عن التعاون مع حزب فيلدرز أو الدخول معه في ائتلاف حاكم لذلك فمن المستبعد أن يصير رئيسا للوزراء. وبالرغم من ذلك يرى المراقبون أنه حتى إذا لم يحتل حزب الحرية المرتبة الأولى فإنه سيسجل خلال الانتخابات المقبلة أفضل نتائج له منذ إنشائه عام 2006 على نحو يجعل من الصعب تجاهله.
وتتزامن الانتخابات الهولندية مع تصاعد حدة التوتر مع تركيا نتيجة منع السلطات الهولندية وزيرين تركيين من عقد لقاءات جماهيرية على الأراضي الهولندية للترويج لاستفتاء على تعديلات دستورية في تركيا، حيث رفضت السلطات الهولندية السماح لطائرة وزير الخارجية التركي الهبوط على أراضيها كما منعت وزيرة الأسرة التركية دخول قنصلية بلادها في روتردام وتم إبعادها برا إلى ألمانيا. 
وأدى هذا الأمر إلى غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اعتبر أن معاملة الوزيرين التركيين بهذه الطريقة "تعكس تنامي العنصرية والفاشية"، مؤكدا أن "هولندا ستدفع الثمن". في المقابل، ردّ رئيس الوزراء الهولندي مارك روته إن منع السلطات الهولندية للتجمّعات التركية "يقع في إطار حقها لأن هذه التجمعات تشكل تهديدا للنظام العام".
ويرى فريق من المراقبين أن تأزم الموقف مع تركيا قد يصب في مصلحة فيلدرز الذي انتهز الفرصة ليثمن تأثير حزبه "الحرية" على القرار الذي اتخذته السلطات الهولندية. بينما يذهب فريق آخر للقول بأن ما وقع بين تركيا وهولندا قد يمثل فرصة لتعزيز موقف رئيس الوزراء مارك روته لدى الرأي العام الهولندي بعد الإجراءات الحازمة التي اتخذها في الأزمة مع تركيا والتي قد تجذب إليه أصوات من مؤيدي اليمين المتطرف.
في جميع الأحوال يبدو المشهد السياسي في هولندا مشتتا بدرجة كبيرة على نحو يصعب معه التنبؤ بنتائج الانتخابات. فمع تنافس أكثر من 28 حزبا و1114 مرشحا على 150 مقعدا في مجلس النواب ووجود 12.9 مليون ناخب فإنه من المتوقع أن تتأثر النتائج إلى حد كبير بتشتت الأصوات حيث يبدو كل صوت مهما ويمكن أن تُدفع أحزاب صغيرة إلى المقدمة لترجيح الكفة لصالح أحد الطرفين، وبالتالي قد يستغرق تشكيل الحكومة الجديدة أشهرا طويلة.
ومع ذلك تمثل نتائج حزب فيلدرز في انتخابات الغد أهمية قصوى على الساحة الهولندية والأوروبية، فهي بمثابة مؤشر لنوايا التصويت في الانتخابات المقبلة في كل من فرنسا وألمانيا. وفي حالة حصول حزب فيلدرز على نتائج جيدة فإن ذلك سيدعم فرص اليمين المتطرف في الدول الأخرى خاصة فرنسا التي تتصاعد فيها شعبية اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن، الأمر الذي قد يمهد لها الطريق لإحداث مفاجأة من العيار الثقيل قد تقلب موازين القوى داخل القارة الأوروبية.
محرر الموقع : 2017 - 03 - 14