ألأسوء ألّذي يُواجه ألعراق بعد سرقة ألأموال!؟
    



قبل 15 عاماً كتبت مقالاً لم يتجاوز بضع صفحات مضغوطة كانت حصيلة  دراسات موسعة على أساس الفلسفة الكونيّة و تفكّر عميق يُعادل إجمالاً بحثاً أكاديمياً يستحق درجة الدكتوراه بإمتياز بعنوان: [ألأسوء الذي سيواجه العراق بعد الأرهاب], أشرت فيه إلى خطورة الأستدانة من البنك الدولي نتيجة الجّهل و الأمية الفكريّة و سوء الأدارة و تبعيّة آلنظام, لكنّ آلمُتحاصصين فعلوا العكس تماماً لأجل تحقيق أرباحٍ سريعة على حساب مستقبل العراق و ضياع الأجيال القادمة, لأنّهم كانوا أساساً يفتقدون آلإيمان و التقوى اللذان أساسهما ألعلم.

كان البحث إنتاج و إبداع جديد لم يخطر ببال أحد .. و لم يصله أو يدركه العراقيون وحتى أهل الشرق و الغرب إلّا مجموعة أعضاء يترأسون (ألمنظمة الأقتصادية العالميّة) في دافوس, وقد أرسلتهُ لعتاوي آلحكومة كالجعفري والمالكي و أقرانهم و من حولهم من آلأمّيّين فكريّاً و عقائديّاً و إقتصاديّاً وإدارياً و أخلاقياً, و نشروه رغم جهلهم بآلمضمون كاملاً في مواقعهم الحزبية الخاصة و العامة وحتى الشخصيّة و كثرت التعليقات من بعض الدّاركين قليلاً  و غيرهم لحقيقة و عمق البحث و مؤشراته ألمستقبلية الخطيرة التي ستُواجه العراق بعد الأرهاب الذي بدأ وقتها ينتشر بقوّة (داعش) في كلّ حدبٍ و صوبٍ, و حين حرّرتُ توضيحاً آخر حوله لتبسيطه و ذكرت بعض التفاصيل والأرقام و أسماء و مواقع الذين سيتسبّبون بتلك المحنة الأكبر و الأخطر من الأرهاب؛ ضَجَرَ المتحاصصون من ذلك وثاروا حتى منعوا تقاعدي الوظيفي الذي ما زال ممنوعاً للآن و إعتبروا التوضيح و بيان أسمائهم إعلان حرب كبرى ضدهم وقد يؤدي إلى سقوطهم, لأنهم لم يؤمنوا بوطن أو دين؛ بل آمنوا بكروشهم و ما تحتها, بمعنى خافوا على مستقبلهم لا مستقبل العراق و العراقيين .. و هكذا هو حكم الكلمة الهادفة و تأثيرها, و هل الحياة إلا كلمة!؟ لهذا أقاموا الحدود علينا و حاربونا على لقمة العيش بلا حياء أو خوف من الله, مشترطين الأنخراط في أحزابهم.

لقد تعقدت الأمور بعد 18 عاماً وإذا لم يضعوا حلالً وجودياً  خلال هذه السنة بشرطها و شروطها و أول شرطها محاكمة الفاسدين جميعاً بلا رحمة؛ فآلعراق سيواجه صدمات لا علاج لها، خصوصاً و إنّ الاقتصاد العراقي يواجه أنخفاظاً و تقلصاً بنسبة 20% , وأن الوضع اليوم "أسوأ" لأن بغداد تواجه "حالة اقتصادية وجودية, تهدد كل كيانها و وجودها, في حين عندما كان سعر برميل النفط 35 دولارا تقريباً بعد سقوط النظام، لكن عدد موظفي الدولة كان أقل من مليون موظف, و كانت الأمور شبه عادية.

واليوم هناك أكثر من خمسة ملايين موظف، والعديد من العراقيين الآخرين يتقاضون رواتب ومعاشات تقاعدية. وهذا يعني مبلغا شهريا يراوح عشرة مليارات دولارّ و مع إفراغ الخزينة و تحطم أو فقدان البنى التحتية لأعتماد العراق على النفط, و تعاظم الفضائيون؛ سارعت الحكومة على الأقتراض رغم خطورته و للمرة العشرين, يضاف لذلك إقتراض الأقليم لعشرات المليارات من الدولارات بنفس الأتجاه على حساب الحكومة المركزية, علماً أن الحكومة أضافت مصادر أخرى للأقتراض و هي البنوك الحكومية بجانب البنك الدولي!
وهذه الإجراءات ممكنة لفترة قصيرة وإلا "ستؤثر على هيكلة الأسعار وتوازن السوق و القوة الشرائية، وبالتالي على التضخم، ما سيؤثر بدوره على سعر الصرف وعلى الاحتياطي في البنك المركزي, مع تبعات لا تحمد عقباه و خواتيمه.

لقد وجدت الحكومة الحالية التي ستنتهي بعد أشهر؛ الخزينة فارغة، بعد 18 عاماً من الغزو الأميركي الذي أطاح بنظام صدام حسين و لم تستطع أرساء نظام سياسي جديد لأسباب عديدة .. و إستمر بنفس الهيكلية السياسية التي  نخرها الفساد والمحسوبيات و المنسوبيات, بحيث وضع العراق في مراتب متقدمة ضمن قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم.

 و أرى كما يرى الخبراء اليوم؛ أنه يجب إعادة النظر بكامل النظام ألسياسي التحاصصي و المالي و الأداري للعراق، ثاني أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك, لكن السؤآل الذي كرّرنا طرحه هو: [كيف يتحقق ذلك و العراق يفتقر للفكر الذي على أساسه يتمّ التخطيط لذلك]!؟

لهذا سيتعيّن على 40 مليون عراقي ألخضوع لسياسة تقشف مشدّدة قد تستمر لأعوام, و هذا بنظري بعيد جدّاً بعد ما تغييرت ألأوضاع.

و كثرت الثغرات في جدول الإنفاق، خصوصاً في ما يتعلق بتعدّد الرّواتب و "الفضائيين" و الجّماعات الطفيليية كما أسميناهم بدءاً بأكثر من 600 ألف بعثيّ مجرم لا يزال يعتاشون بلا مقابل – بل الأصح مقابل إجرامهم - نتيجة ثقافة البعث الصّدامي الدّموية إلى جانب الأحزاب ألمتحاصصة، وهم المسجلون في قوائم ألرّواتب على حساب الأحزاب العاطلة عن العمل و الأنتاج ألعلمي كمستهلكين من الدرجة الأولى.

وعلى المستوى الحكومي، سيتعيّن تنفيذ وعود طال انتظارها لتنويع مصادر الاقتصاد، وعدم جعل مصير البلاد رهن أسواق النفط الخام العالمية، وبدء المناقشات مع البنك الدّولي وصندوق النقد الدولي الذي يحصل الآن من العراق بحدود 10 مليار دولار كفوائد و أرباح عن القروض المئات مليارية, ممّا يعني إصطدام العراق بحائط عظيم كسور الصّين, و بذلك لا يمكننا إدارة دولة عصرية، خصوصاً من الجانب الاقتصادي ألذي أفصحت عنه قبل عقدين تقريباً، مع أمل بارتفاع أسعار النفط فقط لتغطية النفقات و هذا أمرٌ غير مضمون.

و السؤال: هل يُمكن أن تقوم حكومة منتخبة جديدة أو حتى انتقاليّة مخلصة، خلال أخطر أزمة اجتماعية و إقتصادية و سياسيّة مع وجود إقليم كردستان الذي يعتبر كسكين في (خاصرة) البلاد لأنهُ مدعوم من ربيبة أمريكا؛ بإصلاح كامل للاقتصاد الذي بات أصل الأصول؟
ولو فرضنا إمكانيّة ذلك و هو من سابع المستحيلات مع وجود العتاوي ألمستهلكين الفارغين من كل علم و إيمان في النظام؛ فهل يمكن ضبط الوضع الأجتماعيّ الفاسد ألذي وصل إلى أبعد و أخطر الحدود خصوصاً من ناحية الثقة بآلنظام الذي فقد شرعيته بعد التظاهرات!؟

أقرّ هذه المرّة بأنّ أزمة الثقة بين المواطنين و السّلطة قد إتّسعت كثيراً بحيث يستحيل إعادتها، خصوصاً بعد مضي أكثر من سنة و نصف على أكبر انتفاضة شعبية بعد الثورة الأسلامية في إيران عام 1979م .. إنتفاضة غير مسبوقة رفضت ألمُتحاصصين ألّذين قمعوها بالقوة و بلا رحمة من قبل الحكومة السابقة ألمُنتخبة بعد أن لم يبق أمامها إختيار سوى معاقبة الشعب ألذي أبتلي بمردودات ذنوبه العظام بحسب قانون الجذب ألكونيّ خصوصاً في المجال ألأقتصاديّ ثمّ الأجتماعيّ وهو الأخطر الذي سيواجهه العراقيون الآن فصاعداً.

ففي بداية شهر حزيران/يونيو الماضي، تمّ إستقطاع المعاشات التقاعديّة و تقليم الخدمات في أولى خطوات سياسة التقشف الحكومية، كان الاحتجاج بالإجماع ضد حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، حتى داخل البرلمان الذي تناط به عادة الموافقة على الإصلاحات، خصوصاً محاربة الفساد الذي أدى إلى تبخّر أكثر من نصف ترليون دولار من المال العام منذ العام 2003م نقداً و بشكل شبه علني!

على كل حال الآن وبعد الذي كان وقع الفأس .. لكن لا على رأس واحد أو مجموعة من الرؤوس؛ بل على جميع الرؤوس خصوصاً رؤوس الفقراء و المستضعفين و هذه هي النتائج التي تشهدوها اليوم على كل صعيد خصوصا في الأجتماعي بسبب خراب الأقتصاد و سوء الأدارة و آلأميّة الفكريّة التي أصيبت بها الأحزاب و الحكومات و الوزارات العراقية و حتى الكوادر العلميّة لفقدانهم للمنهج الأم و الفكر الكونيّ الذي يضمن ذلك .. فهناك فرق كبير بين معنى و دَور العلم و الثقافة و كليهما مع (المعرفة) و جميعها مع (الفلسفة) و هنا نقطة المركز.

لهذا توالت تبعات الأزمة الأقتصاديّة و تراكمات أخطاء  القرارات الخاطئة التي كانت تفتقد النظريّة الكونيّة, فعمّقت المحنة بمرور السنين ألعجاف التي نعيش أوارها اليوم؛ فكتبتُ نتيجة ذلك قبل أشهر بحثاً في عدّة حلقات طرحت حلولاً للأزمة آلأقتصاديّة المستعصيّة كنتيجة للأسباب التي حصرتها بآلمتحاصصين الذين يرفضون ألحلّ الذي يبدأ بمعاقبتهم, ثمّ أتممتها بمقال آخر قبل أسابيع بهذا الخصوص من ثلاث صفحات أيضا, يُعادل من ناحية القيمة ألمعياريّة رسالة دكتوراه إن لم يكن ألـ(بوست دكتورين) عن موضوع أخطر من (ألأرهاب) و (آلأقتصاد) معاً! يتعلّق بآلجّانب (ألإجتماعيّ) ألذي ولّد آلعنف و القتل و آلأرهاب ألأقتصادي ألرّسمي, وقد نُشِر بأكثر من عنوان كـ ؛
[ألأخطر ألذي سيُواجه العراق بعد أزمة آلأقتصاد] أو بعنوان؛ [بسم ألفكر ألرّحيم], وهي سلسلة متوالية جاءَت بعد المقال المركزي ألسّابق بعنوان؛ [ألأسوء الذي سيواجه العراق بعد الأرهاب] و إليكم ألتّفاصيل المتعلقة بـ [ألأسوء الذي سيواجه العراق بعد سرقة الأموال]:

إنّ الكوارث العديدة و آلمُتكررة التي خلّفتها ألرّئاسات الثلاث و القضاء و النزاهة حتى مُدراء ألمؤسسات, قد تسبّبت بإنتفاضة عارمة شارك فيها معظم شرائح المجتمع مع "ذيولهم" الذين تسبّبوا بالفساد المُعمّق والخراب البشريّ في كلّ مؤسسات و وزارت و مرافق الدّولة حتى وزارة الخارجية التي يسرق وزيرها الكردي بآلمحاصصة ألمليارات من موارد الأراضي العراقية و الممتلكات التي إشتراها العراق في سيريلانكا و فيتنام وغيرها من الأستثمارات الخارجية, و ما عرضناه من مواقف و إتفاقيات و عقود السيد المالكي و العبادي و الجعفري والنجيفي والحكيم والحلبوسيّ والجبوري والخنجري وغيرهم من فاقدي الأخلاق والضّمير والوجدان؛ حتى أوصلوا الوضع في العراق اليوم لحالة يُرثى لها حقّاً مع مستقبل أسود قاتم يندر بآلفناء والزوال بجانب كارثة كورونا التي ألقت بضلالها على كلّ ألأجواء و الأوضاع و المتحاصصون في نشوة و فرح لا يهمهم إنْ نجحت الانتخابات القريبة القادمة أو فشلت؛ أو حتى إن بقي العراق أو لم يبق!؟

 لذلك .. ألفشل و الأخطار و الظلم و الفوضى و الإرهاب سترافق حياة الناس خصوصا الاجتماعية والأخلاقية والقيمية حتى النهاية و بكلّ المعايير لفقدان الثقة بين الناس وحتى بين العائلة الواحدة و بداخل كل فرد و كذلك بين مرشحي الأحزاب المتحاصصة, ألذين سرقوا مئات المليارات وتكفيهم لملأ بطونهم وما تحتها لقرن آخر بل لقرون .. و كأنهم أدركوا ملامح الأنتقام و الجزاء الكونيّ الذي بدأ يلوح في الآفاق حتى كلكل عليهم نتيجة الفساد الذي أوصلوه حدّاً جعلت حتى (هيئة الأمم المتحدة) تُفكّر بجدّ لإتخاذ إجراآت صارمة بحقّ التربية و التعليم كبؤرة لتلك المآسي لمحو المعرفة في العراق عموماً لجعله في آخر قائمة آلدول المتخلفة من ناحية التنمية البشرية و التكنولوجية!

 لإنّ فشل التعليم في بلد مّا؛ يعني فشل المهندس والطبيب والمدير وكلّ مختصّ ومعلم في أداء دوره و رسالته .. و بآلتالي دمار المجتمع برمّته. 

هناك إتجاهان(هدفان) في التربية, ألأوّل؛ التركيز و الأعداد لخلق الكادر الأنسانيّ المبدع المخلص (الأخلاقيّ), أو لخلق ألأبداع الماديّ (التكنولوجي), بمعنى [ألأمانة و ألكَفاءة], و إنّ أكثر الدّول اليوم تُركّز على الثانية و لا تهتم بآلتربية الأخلاقيّة و الرّوحية و لذلك أهداف بيّناها في مباحث الفلسفة الكونية .. و العراق كان يُمكنه على الأقل إختيار واحدة منها لتحقيقها, لكننا نرى فشله في الأتجاهدين تماماً!

و يا ليتنا كنا نختار واحدة من الأتجاهين؛ إمّا الإبداع الإنسانيّ الماديّ بحيث يرتفع مادياً و ينتكس في المعنى و الرّوح, او إختيار الإرتقاء بالكمال الانسانيّ دون الألتفات لعالم الابداع المادي التكنولوجي, و لكننا خسرنا الأتجاهين معاً, طبعاً فلسفتنا الكونيّة رسمت الطريق الأمثل لهذا الموضوع من باب أنّ الكون كلّه وحدة منسجمة و يعمل بنسيج توافقي و نظام دقيق للغاية يتصل بعضه ببعض في ذراته و مجراته .. بل و مكونات ذراته و فوتوناته حدّ النانو تكنولوجي و كأنه مأنوس و مربوط بأصلٍ واحد حيّ يتغذى منه جميع مكونات الوجود للبقاء و الأستمرار وفق ارادة الهية لا يُمكن ان تفصل حتى عن مفردات الحياة الانسانيّة والمكونات الطبيعيّة و الكونيّة عن حالها و حركتها و ديمومتها لتحقيق هدفها كل مخلوق بحسب غريزتها حتى (التّكثر) الذي حدث بعد (التّوحد) في أكبر قضية كونية بدأت بقصة آدم و حواء وعملية الهبوط على الأرض ومساراتها, لكنها لم تؤثر على أصل هذا القانون الذي بمجرد أنفصال المخلوق عن الخالق عبر الطاقة الكونيّة أو الموجود عن الموجد؛ يحدث الموت و الفناء بشكل طبيعي, و هذا الكون مظهر توحيدي يُدلل على عظمة الخالق و يتّجه كل مكونات الوجود نحو تسبيح خالقه (وان من شيء الا يسبح بحمده), خلاصة الأمر؛ لا تتحقق السعادة إلا بتحقيق ألأخلاق و العِلم معاً.

هذا و رغم أنّ دين الأسلام هو الدّين الرّسميّ للعراق ولعموم الناس في بلادنا العربية و الاسلامية, إلى جانب وجود مدارس و حوزات علميّة و جامعات دينية عديدة في أكثر من محافظة حتى في بغداد نفسها و باقي العواصم مع مجموعة كبيرة من المجتهدين و الأساتذة و آلمراجع ورجال الدّين ألذين يفترض أن يكونوا أساس و منبع الأخلاق؛ إلا أن الأخلاق سقط في العراق و غيرها و وصل حدّاً إشمئز منها حتى الأجانب الكفار, حيث فقد الناس الثقة بينهم وحتى بين أفراد العائلة الواحدة و إزداد زنا المحارم لدرجة ملفتة للنظر ربما باتت اليوم تقترب من آلظاهرة مما يندر بمستقبل خطير و كذلك إنتشار الكذب حتى يكاد أن لا تجد عراقياً أو عربيّا أو غيرهم لا يكذب حتى الأطفال باتوا يكذبون بسلاسة .. بمعنى صار الناس (يأمرون بآلمنكر و ينهون عن المعروف) و هي درجة الغليان السلبي في الجانب الاجتماعي  الذي معه سيحترق العراق و العالم, كل هذا بسبب ظروف المعيشة و التربية و التعليم و الدِّين الفاسد الذي آمنَ به الناس بجانب حرب الفايروسات الجديدة.

لهذا فشلت التنمية البشريّة نوعيّاً و تزايد البشر بآلمقابل عدداً, حيث لم يلتفتوا إلى نقطة جوهريّة في هذا الوسط و كما بيّناه في فلسفتنا؛ و هي [وجوب أن نترك خلفنا (ألأنسانيّة) لا (آلأنسان)] بحسب قول الفيلسوف (راسل), و قد أضفت عليه ما هو الأسمى و الأروع لمسار الأنسان حيث قسّمت مراتب (النمو البشريّ) لثلاث مستويات  (مراحل) هي:

[البشريّة ثم الأنسانيّة ثم الآدميّة](1) .. ليمكننا تحقيق النهضة الحضاريّة الشاملة ألتي أرادها الله تعالى من الناس لتحقيق الخلافة الكونية في الأرض بعكس ما هو الواقع آلآن حيث فشلت التنمية الأخلاقيّة كما آلتنمية و الأنتاج ألعلميّ و آلأقتصاديّ و الماديّ بسبب لقمة الحرام التي إشترك في تناولها كل الشعب بسبب الأحزاب الفاسدة, لأنّ عمليّة التربية و التعليم تستهدف بناء الإنسان و تحصينه وتطويره حضاريّاً وتوجيهه إدارياً بآلأتجاه العمودي نحو السماء و بآلأتجاه الافقي في نفس الوقت لتثوير  الطبيعة و إستثمار كنوزها وخيراتها خصوصاً ألزراعة و آلصّناعة .. ليكون عنصراً مؤثراً وفاعلاّ و مُنتجاً لسعادة المجتمع، كما يقول العالم التربوي (جون لوي)؛
[عمليّة التنمية المستمرة ليست لها حدود إلا المزيد من تنمية الانسان وتوجيهها]. و كذا الفلسفة الكونيّة التي تقول:
[غاية الوجود و سعادة الأنسان تتحقق من خلال العلم و الأخلاق].

لأن التربية الإسلاميّة تهدف في أصولها بناء الانسان و توجيهه واعداد شخصيته وفقاً للمنهج الكوني الذي يستهدف بشكل مقصود بناء الحياة والانسان لتحقيق السّعادة, لذلك عندما نتوجه لدراسة التربية الإسلامية نتوجّه لدراسة أبعاد وشخصيّة الانسان و نوازعه المختلفة و غرائزه ألماديّة و الروح التي تُحركها و التي تنقسم لخمسة قوى .. فصّلنا بيانها في نظريتنا الكونيّة – إلى جانب ألمادّة و آلقوى الباطنية و والظاهرية المتمثلة بآلحواس, أو ما إصطلحنا عليه بـ [(جوهريّة) و (عرضية)] بحيث نتوجّه الى الانسان بكل مشاعره وافكاره ومناهجه ونزواته وتوجهاته لنُحقق التربية الكونية الأنسانية عبر جميع مراحله سواءاً كان طفلاً أو تلميذا في الابتدائية او الثانوية أو كهلاً لآخر العمر.

فمسير التربية لوصول المحطة النهائية في الأسفار لا تنتهي و تجرّ عادة لنهاية العمر حتى يحصل (الفقر ثم الذوبان فالفناء)!

(جورج ريمو بومبيدور) رئيس وزراء فرنسا (1969م – 1975م), عندما قيل له: لماذا لم تنخرط مع حركة ألجنرال ديكَول؟
قال: [صحيح .. أنتم كنتم متوجهين لحرب النازيّة، أما أنا فقد كنت مع ولدي و أبنائي أعلّمهم كره النازية], يعني أنتم عملتم ضد النازية ضمن مدار و زمن محدود أما أنا فقد أوجدت منهجاً, حتى قائد ألنازية (هتلر) بالمقابل, قد عرف قيمة المعلم و دوره في عملية إعداد المجتمع, فرغم تجنيده لجميع العمال و الموظفين و الشباب لخوض آلحروب ضد دول العالم؛ لكنه أستثنى المعلمين منها!

لذلك عندما تتوجه الدّولة بإمكانيّاتها و دعمها لتفعيل التربية؛ إنّما تتجه لبناء البلد والدّولة العصريّة و تمهيد المجتمع لنيل السعادة، و للأسف في العراق ألارقام مفزعة و مهولة بحيث إنّ ميزانيّة العراق لوزارة التربية هي أقل من جميع ميزانيات الوزارات, و تقدّر بحوالي 3 بالمائة من الأموال الضخمة, لهذا يعيش الشعب ألعراقيّ أزمة تربويّة على آلصعيدين التربوي (الأخلاقيّ) و على صعيد الأنتاج الماديّ (ألعلميّ), ومعالم نجاح التربيّة تنصبّ على آلمُعلّم؛ ألمنهج؛ ألطالب؛ شكل ألأبنية (المدارس)؛ طبيعة النظام الحاكم, و لو أجرينا مقارنة بين وضع مدارسنا مع مدارس أيّة دولة خصوصاً في آلغرب لرأيناها كثيرة, وهناك بونا شاسعا بين ما يجري في العراق وما يجري في غيرها في الجانب الأجتماعي, فمسألة الزواج تكاد تكون قد توقفت إلا حالات نادرة بسبب الوضع الشبه الإباحي و شيوع حتى زنا المحارم و هذا قلّما نجده حتى في الغرب!

أمّا في آلجّانب الماديّ ألذي يرتبط بآلتكنولوجيا و العلم – كما بآلتربية و التعليم حتى العالي - فقد وردتنا تقاريرَ قبل أيام تُشيرُ إلى أنَّ المنظمة العالمية ستُوقِفُ الإعترافَ بخرِّيجي كلياتِ الطبِّ في العراق عام 2023م كغيرها من الفروع؛ و إنَّ سَحْب الإعتراف بالجامعات العراقية سيدخلُ حيّزَ التنفيذ في عام 2024م و ذلك بسبب إفتتاح الكليات الأهليّة للأقسام الطبية و عدم الإلتزام بالشروط و المعايير الدولية في هذه الكليات.. و المُلفتُ للنَّظرِ أنَّ قياداتٍ في وزارة التعليم مستمرَّةٌ بالتهديم بشكلٍ كبيرٍ و مُمَنهَجٍ في موضوع إستحداث الأقسام الطبية .. و يُعَدُّ عدمُ الإعترافِ ألمُتوقَّعُ حَسَّاسٌ و مؤثِّرٌ جدًّا لطلبة الطبِّ في العراق و لا سيما الذين ما زالوا يدرسون في كلّيات الطب، و قد يحول سَحبُ الإعتراف إلى 2024 (و الذي كان محدَّدًا في 2023 لكن تمَّ تأجيله إلى 2024 نتيجةً لوضع الكوفيد١٩), نظَّمَت في 2010 مُنظَّمَةُ ECFMG وهي منظَّمة أمريكية تُنَظِّمُ الإعتراف بالجامعات و امتحانات USMLE (إمتحانات المعادَلَة الأمريكية للطلاب والأطباء خارج أمريكا) بعض الشروط للجامعات حول العالم لتنالَ الإعترافَ حتى يمكن لطلبتها الدخول و التسجيل في امتحانات المعادلة الأمريكية وحدَّدت بداية سنة 2024 كآخِرِ موعدٍ لنَيلِ الإعتراف، و في حالة لم يحدث ذلك (و هو ما سيحدث للأسف في العراق) فإنه سيُمنَعُ طلبةُ وخرِّيجوا هذه الجامعات من الدخول إلى إمتحانات USMLE … و تعمل ECFMG بالتعاون مع كندا وجنوب إفريقيا، و بالتالي لن يمكنكَ التقديم على الماتش و التدريب في أمريكا و هكذا لتضيع فرصة العمر!

ألمطلوب من وزير التعليم العالي و بالتعاون مع وزارة الصحة تشكيل لجنة عالية المستوى بعيداً عن قيادات وزارة التعليم الفاشلة ألذين رُشحوا من قبل أحزابهم بآلمحاصصة خصوصاً المفتشين و رؤوساء الجامعات و مدراء التربية و حتى الأساتذة؛ للخروج من انتكاسة التعليم في المجال ألطبيّ و الهندسي بشكل خاص و تدهور الشهادة العراقية عموماً و عدم رصانة التعليم لا سيما و أنَّ مجموع الكليات و الأقسام الطبّية في الجّامعات الأهلية تجاوز ٢٨٩ في حين لم يتجاوز الـ ١٠٠ في الجامعات الحكوميّة!

خلاصة و ختام المقال يتجسّد في قوله تعالى : [مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا] سورة النساء/آية 79.

و تفسيرها بإتفاق ألمفسرين بلا إستثناء هو إستناداً على قول أبو جعفر الصادق(ع) إمام أئمة المذاهب و الملل:
[يعني جل ثناؤه بقوله : [يعني جل ثناؤه بقوله : (ما يصيبك، يا محمد، من رخاء ونعمة وعافية وسلامة)، فمن فضل الله عليك، يتفضل به عليك إحسانًا منه إليك, و أما قوله: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك)، يعني : (و ما أصابك من شدّة و مشقة و أذى ومكروه  فمن نفسك)، يعني : بذنب استوجبتها به؛ اكتسبته نفسك].

اللهُمَّ لا تؤخِذنا بما فَعَلَ آلسّفهاءُ منَّا .. ألّلهم أَرِنا قوّتك و عدلك فيهم, فقد قست قلوبهم بسبب لقمة الحرام.
ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لمعرفة خصوصيّات وتأثيرات المستويات الثلاثة, راجع كتاب؛ [فلسفة الفلسفة الكونيّة], و كتاب؛ [أسفارٌ في أسرار الوجود] عبر :
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86%D9%8A-%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B2%D8%B1%D8%AC%D9%8A-pdf 

 

 
محرر الموقع : 2021 - 02 - 24