دمك يا عيدان صرخة بوجه الباطل
    


هكذا كانت أقدارنا مُذ ولدنا .. و حولنا الأشرار يحومون بذلة و نفاق على لقمة أدسم و حياة أذلّ مستخدمين كل الوسائل الميكافيليية و آلهتلرية و الهتلية و المحسوبة التحاصصية لمنصب .. لنفقد الأبطال الرؤوفيين العُصماء ألذين كانوا عزّا و لنكون بعدهم في النهاية أيتام نعيش ذكريات نصفها ألم و نصف آخر غربة لأجل لقمة عيش نظيفة بكرامة ..
فأهل الباطل أكثر عدداً من أهل الحقّ, خصوصا في عراق الجّهل والفساد الذي إنقلبت فيه الموازيين .. بل كانت مقلوبة منذ عهد سحيق
والصراع بين الحق والباطل سنة جارية، ودائم
 ، ولن يتأتى هزيمة هؤلاء و كف شرّهم إلا بالجهاد وكثير من الناس لا ينقادون للحق بدون قوّة تحملهم على ذلك والجهاد في سبيل الله ماض إلى يوم القيامة، و هو طريق عز الأمة و نصرها ومهما وضعت من العوائق أمام امتداده، ومهما سعى أعداء السلم جاهدين في محاربته، وطمس معالمه، وأذية أهله ومطاردتهم، وبهتهم، ورميهم بالنقائص والعيوب، و وصفهم بالغلو، و التطرف، والإرهاب، فلن يقف مددهم، و سوف يظهر نورهم، ويمتد أثره، و يبقى ما بقي الليل و النهار، بعز عزيز أو ذل ذليل، والأمر كله ؛ إما نصر أو شهادة..

خالي و حبيبي ألشهيد ألمغدور ابو عامر .. أعزّي نفسي قبل الشرفاء إن بقي منهم أحد في العراق .. لأني عرفتُ فيك أسراراً و همماً لم يعرفها حتى أقرب المقربيين إليك .. يكفيك أنك كنت تُفكر عبر كل الأفق بشكل علويّ مغايير عن أفكار الآخرين الأقزام الذين إنخرطوا في صفوف الظالمين لنهب الفقراء .. لذا أعزي نفسي و أسأل الأمام عليّ(ع) ألذي كنت تعشق شجاعته و حكمته  و عدله و تزوره على الدوام .. لأنك حقاً عشقت الحقّ وإقتبست منه سرّ الشجاعة و الحكمة و معنى الكلمة و القيم بينما الذين حولك كانوا يحيكون المؤآمرات و يتجسسون عليك بتقاريرهم لأجل لقمة حرام .. و ما كانوا يتحسسون حجم المعاناة و الثقل الذي كنت تحمله لتضعه على الأرض عند مَنْ كنت تعتقد بأنّها ستشاركك الحياة بذلك الحمل .. لأنها ما كانت تعرف فنّ الجمال و آلحبّ, فكان الحمل يثقل ظهرك لفقدان الناصر!
 
 

و إن كنت أنسى فلا أنسى يوم زرتك عام 1969م و أنا في المرحلة المتوسطة في وزارة الدفاع في (الكرنتينة) بباب المعظم بعد إنقلاب البعث, و حال جلوسي جنبك, نهضت بقامتك الرشيقة و وجهك الجميل بعد أن إستأذنت لأمر ما .. ثم عُدت بعد دقائق و إذا بضابط خبيث من ضباط الهزيمة في جيش العراق العار ممّن كان معه في القاعة جائني متسائلا بعد السلام و الترحيب و علاقتي بآلشهيد متسائلاً بلا أدب و حياء؛ 

ماذا أراك خالك للتو حين فتح الجرّراة لك؟ 

إستغربت منه و قلت لماذا .. ألأمر لا يخصّك؟ إنها مسائل خاصة لا تتعدى سوى صورة من صوره, و بعد أن رآى الصورة إنسحب فوراً و هو خائف يرتجف و جلس في موضعه لا يلتفت يمينا ولا يساراً و كأنّ طيراً على رأسه!

بعد رجوعه بدقائق ؛ سألني: 

هل سألك أحدهم عن شيئ في غيابي و من هو؟ 

قلتُ له نعم .. و أدرك بآلقول: لا تؤشر ولا تنظر إليه .. فقط صِف لي مكانه و شكله .. و سأعلمه معنى الأدب و حسن الضيافة فيما بعد!

 

قلت له كذا و كذا و يجلس على  المنضدة المقابلة ...  

قال مع إبتسامة : له الحقّ لأنّه يعاني من فقدان الشرف و يحاول التغطية على وصمة عار أخته العاهرة ..

 

مضت الأيام و إذا بإمرأة قريبة منه حولها رجال خبثاء كانت هي السبب بوشايتها و ما تلتها من الأبتلاآت و تفاصيل تلك القصّة حكيتها عام 2003م لبعض المقربيين في منطقة الدهانة في المدرسة الجعفرية  بعد 30 عاما عند رجوعي للعراق..

 

على كل حال سامحني أيّها الخال الكريم الشجاع الذي كسرت خياشيم الظالمين, لكن أ علمت بأن المضليّن قد كثروا بحيث بات كل الشعب تقريباً يتمنى أن يكون صدامياً .. حيث إنشغلوا بكتابة التقارير و التجسس بعضهم ضد بعض حتى تركت العراق حين قتلوا جميع أصدقائي الطيّبين لأنهم وحدهم لم ينتموا لصفوف الأمن و الجيش و المخابرات و وووو ..

و إغفر لي كذلك؛ عدم طبع رسائل العشق و كتابك الذي كتبته عن معاناة العراقيين وشظف العيش بسبب الحكام بعد ما حصلتُ على نسخته الخطية الوحيدة و فقدتها مع مكتبتي بآلكامل بعد أن تركتها  بغرفتي و لست متاكداً أين صفى به الزمن لأني مثلك كنت مطارداً و أقاتل أزلام البعث الجبان مع ثلة قليلة إستشهدوا جميعاً في مواجهات حامية خلال السبعينات و هم يقاتلون عشرة أجهزة أمنية و عسكرية مدججة بآلسلاح و العتاد جنّدها صدام لإذلال الشعب رغم إن الشعب هو الظالم المشارك في ذلك بقيادة حكومتة الفاسدة, حيث كان كله يسعى لخدمة صدام على أمل الحصول على عطية منه .. و ربما إحترقت روايتك مع مكتبتي التي أحرقها أقرب المقربيين لنا .. لجهلهم و خوفهم من مداهمة الامن و أزلام صدام الذين كانوا لا يعادون سوى الثقافة و المثقفين و ذوي آلأخلاق الرحيمة, و قد رأيت لهب النار يستعر من التنور الذي إلتهم كتبي كلها حتى تفسير القرآن بل القرآن نفسه .. في ظهيرة ذلك اليوم عام 1979م لعنت النار و التنور الذي كان يتوسط ساحة المدرسة الجعفرية في الدّهانة حيث بدت و كأنها حفرة من حفر جهنم  و المقربون كانوا يضحكون من حوله جهلاً بلا مبالاة و كأنهم يحرقون حطباً؛

و عزائي على فقيدي الآخر ..  صديقك الحميم الحاج الكريم الشيخ فاضل الطرماح (أبو صلاح) الذي كان لك أكثر من أخ و عزيز و سند كما كنت له أنت كذلك حتى صرتما أهلاً لبعض فهكذا كانت الصداقة بين الطيبيين وقتها بعكس اليوم حيث يخون الصديق صديقه و يعتبره قربة للبطن ..

لقد كنتما أبطال بغداد و سادتها بإمتياز و بلا منازع .. لأنك أذلت إشقياء الكفاح و النهضة و البتاوين و شيخ عمر و الفضل و الأعظمية و غيرها من أحياء بغداد, فحين كنت تدخل تلك المناطق كآلكفاح و الشورجة كانوا - الأشقياء - يحنون رؤوسهم و يختفون بلا أثر .. لأنهم يعلمون صولاتك الحيدريّة ستُفرق جمعهم و تُشتت عدتهم في كل المعارك التي خضتها ضد أؤلئك المستكبرين .. حتى إنّ الشقي المعروف وقتها صبحي مرهون و صباح ميرزا كانا يختفيان لمجرد سماعهما بقدومك لمناطقهم .. لأنك تحديت جبروتهم وظلمهم بحق أبناء جلدتهممن قبل .. بل إعترف شقي بغداد وقتها (مرهون) ... إلاّ عيدان - يقصد خالي الشهيد - لا أواجهه فهو صديقي .. بينما لم يكن بينهما سوى سلام عابر من بعيد ..


و هكذا بقت و الله الحياة كريهة من بعدكم أيها الأبطال الصناديد . . و تجرّدت بغداد من الأنس و الأمن و الحب و الشجاعة و الكرم و الأنسانية و صار أزلام البعث هو المسيطر على الناس .. بحيث إستأسد الصداميون و الميرزائيون و أمثالهم و جعلوا الشعب العراقي مجرّد دمية تتقاذفها تلك آلأيادي القذرة الفاسدة ..

و إستمر العراق حتى اليوم؛ و بات معظم ألـ 40 مليون منسلخاً من القيم و آلأخلاق و الأدب تقريباً و يسرقون حتى أئمتهم و لا يعرفون الفرق بين الحرام و الحلال؛ بين الأدب و اللاأدب؛ أو بين الغريب و الصديق, لأن بطونهم إمتلأت بالحرام و لا تحلى موائدهم إلا بآلغيبة والكذب والنفاق والتهم والدسائس, خصوصاً كتابة التقارير .. لكن بخلاف السابق .. ففي السابق كانت العملية تطول فبعد كتابة التقرير للمنظمة الحزبية ثم الأمنية, تبدء الفرق الخاصة إلقاء القبض عليه و في الآخر القتل,

أما بعد 2003م , ظهرت جماعات مسلحة و قناصيين , ; و كواتم و أعضاء أحزاب مأجورة (جواسيس) .. هم أنفسهم كانوا مع البعث بجانب إئتلافات لا تؤمن بكتابة التقارير لأنهم يعتبرونها بآلدًّين و غير مأمون وتطول عملية الأعدام .. بل يؤمنون بآلنقد .. أيّ بطلقة مباشرة و سلاح مؤجر بحسب عقود رئيس وزراء العراق و وزير دفاعه سعدون الديلمي اللذين كانا قد إستأجرا أسلحة كانت تستخدم في الحرب العالمية الاولى و الثانية لقتال الخارجين على دولة القانون .. ولا أعلق على هذه الفقرة لعدم وجود كلمات مناسبة تعبر عن حكومة تستأجر أسلحة لقتال الأبرياء و للحرب و لكوني مدنياً لا عسكرياً!؟ 

فأهل العسكر أولى بآلأجابة على ذلك إن كانوا يعلمون و ما زال شيئ من الضمير في وجودهم!؟

و سلاماً علويّاً أنصارياً أبدياً لك يا خالي العزيز و لروحك الطاهرة الأبيّة التي كانت تحنّ و تدافع عن للفقراء و المؤمنين و تنتصر لهم بجدّ و ترفض كل جبار عنيد, لأنك عرفت سرّ الحياة و (أركانه الثلاثة) من علم إمامك العليّ الأعلى(ع) و هي: 

ألجمال و ألعلم(الأدب) و عمل الخير ..

 

لهذا ما هدأ لك بال وأنت تخطط مع مجموعتك و وزير الزراعة وقتها و محافظين و وزراء كـ (نظام الدّين عارف) و غيرهم للقضاء على حكومة الشرّ و الجهل و الخبث البعثي العراقي, و لم تخور عزيمتك حتى زيارتي الأخيرة لك في سجن معسكر الرشيد و طلبك بنسخة من القرآن و مفاتيح الجنان و ساعتي اليدوية التي لم أكن أملك غيرها و كنت أعطيك روحي لو طلبتها ثمّ شهادتك الميمونة بسبب كتابة (التقارير) و الخيانة التي إشتهر بها أهل العراق .. و أخبرك أنك حتى بعد شهادتك الكونية صار دمك الطاهر مصدراً للخير و العطاء و الحياة لكل من أحبك من أهلك و عشائر الأنصار و الجادرية, و هذا هو حياة الأحياء أبداً .. لانك قهرت الموت و أهله .. 

إبن أختك الحزين ليس على العراقيين فحسب .. بل على العالم المهين حتى بفايروس صغير لا يُرى بآلعين المجردة: 

عزيز حميد مجيد. 

محرر الموقع : 2021 - 05 - 09