شاعر دنماركي - عراقي يرى الأمكنة مقابر للوقت
    

محمد الحمامصي :  «الأمكنة مقابر الوقت» عنوان المجموعة الشعرية الأولى باللغة العربية التي صدرت بالقاهرة هذا الشهر للشاعر الدنماركي العراقي الأصل سليم العبدلي، عن دار الأدهم، وتحمل روح وتجليات ثلاثين عاما قضاها الشاعر بين الدنمارك ومختلف بلدان العالم، حيث حاضر كأستاذ زائر وأستاذ للعديد من طلاب الماجستير والدكتوراه في معظم جامعات العالم باعتباره عالما متخصصا في الفيزياء.
العبدلي الدنماركي العراقي الأصل، عرفه الكتّاب والشعراء العرب مترجما إلى جانب كونه شاعرا، حيث قام بترجماته من والى اللغة العربية، معمله بمجلة «ديوان» الدنماركية التي تعنى بشؤون الثقافة والأدب العربي وأيضا مجلة «السنونو» العربية التي تعنى بشؤون الثقافة والأدب الدنماركي، ومن خلالهما استطاع أن يقدم العديد من الشعراء والكتاب العرب والدنماركيين إلى قراء المجلتين.
    إن مشروع العبدلي الأدبي يمتد الى بداياته الأدبية في نهاية الثمانينات، حيث سعى إلى تجريد قصيدة النثر مما يمكن أن تتضمنه من جناس وتضاد وعناصر بلاغية قديمة. ومنذ عقد من الزمن بدأت كتاباته تأخذ شكلا منفردا في الابتعاد عن أي حشو او تقنية محشورة أو تعويض موسيقى، بل على العكس، سعى هنا لإبراز القصيدة في شكل فني، وكأنها لوحة فنية تتجرد من أي زائدة يمكن لها أن تؤثر على الشكل والمحتوى الذي ترمي إليه. وفي الوقت ذاته ابتعد عن استعمال لغة المجاز والدارج، محاولا عدم التكلف وتحميل القصيدة أي ثقل سوى المعنى الوجودي الذي تهدف في رسمه في كلماتها بدلا من الألوان. وهنا وإن صح القول، فإن مشروع العبدلي يتلخص في عكس الحالات الوجودية الشخصية والالتقاطات الحياتية التي تؤثر فيه في صورة دقيقة تصف اللحظة والمكان في آن واحد ، وتؤكد على تلازمهما . وفي الحديث عن المكان ، فان العبدلي يفضح علاقته مع الأمكنة، حيث تتسع حينا لتشمل مدنا مر بها وتعامل معها في أوقات زمنية مختلفة تتمثل في الطفولة والصبا والشباب، او تجدها تنحسر لتضم البيت أو الغرفة أو السرير. كذلك يحاول ان يتعامل مع المكان/الوقت وكأنهما توأمان متلازمان، ند حينا وقرين حينا آخر، حنين مرة وقاس مرة أخرى، مجسدا صدق تجربته معه. ولقارئ الديوان أن يسأل إن كان فقدان الشاعر للوطن الأم في وقت مبكر من حياته، هو الذي ترك فجوة في وجدانه يصعب ملأها، أم تراه منذ سن مبكرة وهو يدأب لخلق وطن ينتمي إليه؟
  يحمل الديوان أيضا خيبة الظن والانكسار لما يؤول به الحلم، والذي يصر الشاعر على تجسيده في مطاردة يومية تأخذه إلى أماكن الطفولة والذكريات التي تملأ، رغم قسوتها، أيامه برائحة الأصدقاء، كما يوصفها. فالألم عنده هو هبة الحياة، والسعادة هي ما على الإنسان أن يجاهد لتحقيقها، ولحظة فقط، قبل ان تغادره وتسكن في دار الذكريات.إن كان علينا أن نلخص مسعى الشعر لدى الشاعر في قصيدة النثر، فهو تحويلها إلى لوحة نثرية، قصيرة كانت أم طويلة، تضم ألوانا لا يمكن الاستعاضة عنها دون تكلف أو استرسال، وكل كلمة فيها أو عبارة ما هي إلا عصارة جمل كلام عديدة، صُفَّت في تناسق شعري لا يمكن الكف عنه .

محرر الموقع : 2012 - 10 - 15