بلجيكا: المسلمون يستوعبون الاستفزازات
    

على عكس التوقّعات، فإنَّ المسلمين في بلجيكا كانوا أكثر هدوءاً ووعياً، فلا صدامات ولا اضطرابات شهدتها المدن البلجيكيّة ردّاً على افتتاح معرض للرسوم الكارتونيَّة عن الرّسول محمّد(ص)، في معقل اليمين المتطرّف في مدينة "أنتويرب" في شمال غربي البلاد.

وقد برّر المراقبون هدوء الجاليات المسلمة، بأنَّ المعرض لم يقم في مكان عام، ولم تُحشد له الجماهير، بل الأمر كان مقتصراً على عرض الرّسوم في مكان لا يكاد يتّسع لبضع عشرات الزّوّار. مع ذلك، فإنّ هذه الخطوة لا تصبّ في صالح تعزيز القيم المشتركة والسَّلام في المجتمع.

وجلبت الخطوة الَّتي حاول اليمين تمريرها بهدوء، استنكار رموز المسلمين في البلاد، الَّذين رفضوا هذا الفعل، معتبرين أنّه استفزازيّ ولا يخدم الانفتاح والتّواصل، مع ذلك، فقد عبّروا عن تمسّكهم بتحقيق السَّلام في المجتمع البلجيكيّ.. وتابعت رموز الجالية بأنّ هذا التّصرّف لا يساهم في تعزيز التّعايش في مجتمعٍ متعدّد الثقافات.

وكان "ديونتر"، زعيم حزب اليمين المتطرّف، قد شارك في حملة إعلانيَّة، عبر توزيع ملصقاتٍ ومنشوراتٍ إعلانيّة في مدينة "أنتويرب"، تدعو المسلمين المتشدِّدين في زعمه، إلى العودة السَّريعة إلى أوطانهم الأصليَّة، فلا يحقّ لهم، في رأيه، فرض عقائدهم وأفكارهم على المجتمع البلجيكيّ.

هنا، بحسب المتابعين، يظلّ المجتمع ذاته هو الخاسر، لأنَّ الإسلام، وكما تعلم السّلطات، بعيد كلّ البعد عن التطرّف والإرهاب، وهو دين يتمتَّع بقيم السّلام والتّسامح والبذل والتّعايش، ولا يحتاج سوى إلى عقولٍ مفتوحةٍ وقلوبٍ مفتوحة، لتعرف عمقه وخلفيّاته وغاياته في بناء مجتمعٍ معطاء وحضاريّ وعمليّ.

هذه الأحداث جرت اليوم في بلجيكا، وبالأمس، كان التّلفزيون الهولنديّ قد منع بثّ فيلمٍ يتضمَّن رسوماً كرتونيّة عن الرّسول(ص)، أعدَّه حزب الحريّة اليميني المتطرف في هولندا، وقبل ذلك، كان ما فعلته مجلّة شارلي إيبدو الفرنسيّة، وكلّ ذلك تحت عنوان حريّة التّعبير، فهل تسمح حريّة التّعبير بانتهاك الحرمات، والمسّ بالخصوصيّات والمشاعر الدينيّة للنّاس، إلى أيّ دينٍ انتموا؟!

هذه التّصرّفات الّتي تنطلق من خطواتٍ غير مدروسة وانفعاليّة، لا يمكن ضبط تداعياتها وما يمكن أن يحصل من عواقب جرّاءها، فالأجدى ممن يملك القرار أن يتوقَّف عن هذا المسلسل العبثيّ الّذي لا يخدم سوى أصحاب المشاريع البغيضة والمقيتة، ولا يساهم البتّة في دعم سبل التّعايش والتنوّع في أيّ مجتمع من المجتمعات. فهل يعي من يلعب بالنّار خطورة أفعاله؟!

محرر الموقع : 2015 - 07 - 26