هجرة الشباب.. اكتووا بالبطالة والحروب ويتطلعون إلى واقع أفضل
    

 بغداد ـ فجر محمد
اتفق فارس خضر الموظف البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاما، متزوج ولديه ثلاثة اولاد، مع مجموعة من المهربين كي يسفروه خارج البلاد ، فهو لم يعد يطيق حياة الخوف والانفجارات والقلق المفرط على اولاده وعائلته ، لذا دفع مبالغ طائلة في محاولة منه للتخلص من تلك الحياة الصعبة، وبالفعل تمكن من الخروج لكن في منتصف الطريق القي القبض عليه، لان اوراق الاقامة لم تكن اصلية  واودع في احد المعتقلات حتى تم ارجاعه الى البلاد ، بعد عودته تأثر كثيرا بهذه التجربة وتعرض الى ازمة نفسية. وهو يصف تجربته بأنها الاصعب، اذ تحمل عناء الطريق ، والتكاليف الباهظة والتعامل مع اشخاص غرباء لا يعرفهم، فضلا عن المجهول الذي ينتظره ولا يعلم شيئا عنه ، وهذا حال العديد من الشباب الذين يخاطرون بمغادرة البلاد دون وجود ضمانات معيشية لهم وانما يعولون على  البلد الذي يتوجهون اليه ان يوفر لهم سبل عيش مريحة.
منافذ جديدة



ويرى المتحدث الرسمي باسم وزارة حقوق الانسان كامل امين ان" ظاهرة هجرة الشباب قد ازدادت في الآونة الاخيرة بشكل كبير واتضح ذلك من خلال متابعة الوزارة للاعداد الكبيرة للشباب المهاجرين ، وغالبيتهم يتبعون طرق غير شرعية عن طريق المهربين ، ويعد هذا مؤشرا خطيرا لفقدان البلاد لشبابها وخبراتها، فضلا عن تعرضهم الى الموت او مختلف المشاكل التي تواجه المهاجرين ،وهم فوق ذلك يدفعون مبالغ طائلة لهؤلاء المهربين .
مشيرا الى ان الاعمال الارهابية والهجمات التي يتعرض لها العراق دفعت الكثير من الشباب والعوائل الى ترك بلادهم ، وايجاد منافذ لهم في اوروبا واميركا وغيرها من دول العالم .
داعيا الحكومة الى اتخاذ الاجراءات الكفيلة بحماية هؤلاء الضحايا ، وتطبيق القانون الذي من شأنه حماية الجميع ،علما ان هؤلاء الشباب يتركون البلاد ليجدوا مناطق اكثر امنا واستقرارا وتوفر لهم فرص عمل وتحترمهم بشكل كبير، ولا يخفى على احد ان الانترنت و مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتويتر وبيئة الانفتاح الجديدة على دول العالم وطرق معيشتهم كان لها دور في تحريض هؤلاء الشباب على السفر ، صحيح ان الدستور العراقي يكفل حرية السفر ولا يقف بوجه من يرغب بالمغادرة الا ان الطرق غير الشرعية والمحفوفة بالمخاطر تدعو الجهات ذات العلاقة الى اتخاذ احتياطات لحماية الاشخاص لا سيما الشباب من عواقب هذه الطرق.


قاعدة بيانات للمهاجرين


بحث العراق مؤخرا مع  صندوق الامم المتحدة للسكان امكانية اجراء تنفيذ مسح للجاليات العراقية في المهجر٬ وذلك لتحديد الامكانيات والطاقات الاقتصادية والعلمية والمهنية للمهاجرين وكيفية تسخيرها لخدمة العراق.
وأوضح تصريح صدر مؤخرا عن وزارة التخطيط ٬ انه تمت خلال اعمال الاجتماع المشترك بين العراق وصندوق الامم المتحدة للسكان الذي عقد في بيروت مؤخرا٬ مناقشة الاليات والامكانيات المتاحة لهذا الموضوع الذي من المؤمل ان تنفذه الوزارة بالتعاون مع وزارتي الهجرة والمهجرين والخارجية.
كما تم  تقديم العديد من العروض والدراسات التي استعرض خلالها واقع المهاجرين العراقيين والدول التي يتركزون فيها وتاريخ الهجرة من العراق٬ وان الهدف من هذا الاحصاء هو  بناء قاعدة بيانات عن المهاجرين العراقيين الذين ينتشرون في الكثير من قارات العالم٬ ومعرفة الخصائص المهنية والاقتصادية والعلمية لهم وامكانية الافادة من هذه الامكانيات في البناء التنموي للعراق.
كما بدأت وزارة الهجرة والمهجرين بتنفيذ مشروع مسح الجاليات العراقية في المهجر باعتباره احد مشاريع الخطة التنفيذية للوثيقة الوطنية للسياسات السكانية، وان اهداف الوثيقة في مجال الهجرة الخارجية هي معرفة ابعاد الهجرة وتيسير التواصل والتفاعل مع الكفاءات في المهجر وتوسع مشاركتهم في جهود التنمية، اضافة الى حث المهاجرين على استثمار خبراتهم ونقلها للبلاد. 
وان سبب تنفيذ هذا المشروع يعود الى موجات الهجرة للخارج بعد تردي الاوضاع الامنية واعمال العنف التي مر بها العراق خلال العقود الاخيرة، خاصة هجرة الكفاءات العاملة في القطاعات الحيوية في الصحة والتعليم العالي بعد احداث حزيران 2014 ما اثر سلباً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.


فرص عمل


 في ما لايزال الشاب محمد مروان يبحث عن فرصة عمل له في تركيا ، اذ لم يجد عملا يليق بشهادته التي حصل عليها من جامعة بغداد ، وهو الذي رسم لنفسه الكثير من الاحلام وكان يتمنى تحقيقها هنا في العراق ، ولكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي ترزح البلاد تحت ضغطها دفعه الى الهجرة بعد ان دفع مبالغ باهظة ولايزال حتى الان ينتظر دوره للتقديم الى مكتب  الامم المتحدة الموجود في تركيا، الذي بدأ يعطي مواعيد تصل الى العام 2022 والكثيرون ينتظرون دورهم .
وبهذا الخصوص تقول عضوة مفوضية حقوق الانسان د. بشرى العبيدي: ان ظاهرة الهجرة تعود الى اسباب متعددة ومنها البطالة التي اثرت في الشباب المتخرجين من الكليات والمعاهد، فضلا عن الكبت النفسي الذي يعاني منه الشاب العراقي والتشدد الفكري الذي اثر في الجميع ، كما ان الممارسات المتعلقة بالاعتداء على الاشخاص واماكن الترفيه والمطاعم ايضا سببت حالة من الخوف والذعر لدى الشباب ، كما ان اليأس بدأ يتسلل الى نفوسهم وهناك الكثير ممن غادروا البلاد وعدوا اقرانهم بالحياة المريحة والاستقرار والامان الموجود في البلاد التي سافروا اليها .
مضيفة ان من واجب الجهات المسؤولة وذات العلاقة ان تلتفت الى الشباب وتوفر لهم حياة مستقرة ، فعلى الرغم من الظروف الامنية والهجمات الارهابية التي يعيشها البلد لا بد من الالتفات الى الشباب لانهم الثروة الاساسية للوطن ، وهم مهمون بقدر هؤلاء الذين يدافعون عن البلاد في ساحات المعارك.
وهي ترى ان حملات التوعية والتثقيف الخاصة بحث الشباب على البقاء في العراق وبنائه ،لن تأتي بثمــارها مالم تكن هناك 
خطوات عملية وحقيقية تقوم بها الحكومة العراقية لصالح الشباب والقضاء على الاسباب التي دفعتهم الى الهجرة.


طموح وآمال 


خاض احمد مهدي البالغ من العمر اربعة وعشرين عاما تجربة الهجرة على الرغم من رفض عائلته ذلك ، ولكنه جازف بحياته وتعرف على مجموعة وعدته بايصاله الى اميركا مهما كانت الظروف ، وبالفعل وصل الى هناك بعد مروره بمشاكل وعثرات مختلفة لكنه لم يجد ما كان يحلم به اذ وجد ساعات عمل طويلة لا تتناسب مع شهادته الجامعية، فضلا عن حياة باردة خالية من المشاعر والدفء الاسري، ما دفعه الى العودة الى البلاد، فهو يفضل ان يتحمل الظروف الامنية والاقتصادية الصعبة برفقة عائلته على ان يكون وحيدا في الغربة يعاني من حنينه الى الوطن ، وبحسب مهدي فان تجربته تلك لا يمكن ان ينساها اذ تعرض الى ضغوط نفسية كثيرة منذ اللحظة الاولى التي فكر فيها بالسفر لغاية وصوله الى مبتغاه ، ولكنه فضل التخلي عن كل شيء والعودة الى وطنه.


التمسك بالوطن


ويعلق الاخصائي النفسي الدكتور قاسم حسين صالح على هذا الكلام "بان ما يدفع الشاب العراقي للهجرة هو تفكيره بالمستقبل الافضل ، اذ يضطر الكثيرون الى المغادرة وهم غير راضين او مقتنعين بما هم مقبلون عليه ، ولكن الظروف تكون اقوى منهم احيانا ويعاني الشاب اليوم من اليأس وخيبات الامل المتكررة ، فيما يتحمل المتبقي منهم الاوضاع الصعبة ويصبر صبر ايوب بانتظار الفرج الذي لم يأت الى الان.
ويقسم الشباب بحسب صالح الى ثلاثة انواع: مهاجر يعده صديقه بفرصة عمل مضمونة في الخارج، واخر يغادر وهو يرفع شعار انا وحظي، وثالث باق في العراق وهم الاكثرية، فهو يرى في بلاده حبيبته التي لا يستطيع ان يفارقها قائلا ( لو نموت سوه لو نعيش سوه ).
مبينا ان هناك حلولا متعددة للمشكلة ففي البداية يقع على عاتق المثقفين والاكاديميين والمختصين بشؤون الشباب ، فضلا عن رجال الدين والمختصين بالعلوم النفسية والصحافة والاعلام حث الشباب على الابتعاد عن الهجرة والتمسك بالوطن ، ومن الجانب الاخر تقع مسؤولية كبيرة على  الرئاسات الثلاث التي يجب ان تهتم بالشباب وتوفر فرص العمل لهم ، اذ من العيب والمخجل ان لا يوجد عمل للخريجين وحملة الشهادات العليا وان لا تشعر الحكومة 
بمعاناة الاخرين ولا تهتم بمشاكلهم.
لافتا الى ان احد الخبراء الاقتصاديين بين مؤخرا ان تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة بنسبة 50بالمئة من شأنه ان يوظف عددا كبيرا من الشباب وتوفير خدمات جيدة ، وكذلك تشجيع القطاع الخاص والاستثمار والشركات الاجنبية وان تفرض الجهات المختصة على هؤلاء المستثمرين ان يوظفوا الشباب العراقيين المتخرجين عوضا عن العمالات الاجنبية .


ترقب طويل


مازالت سمر محمد البالغة من العمر ثلاثين عاما تحلم بالسفر وايجاد فرص حياة مريحة اكثر، وهي الحاصلة على شهادة عليا في احد الاختصاصات الانسانية، ولكنها لم تجد فرصتها الحقيقية الى الان وقد سبقها العديد من صديقاتها بالهجرة والحصول على فرص افضل، لاسيما ان من سبقنها حصلن على فرص جيدة وملبية للطموح نوعا ما وهذا حفزها بشكل كبير على الهجرة.  

محرر الموقع : 2015 - 08 - 09