الجالية و خطب صلاة الجمعة (ح 5) (فطرة النفس البشرية)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
جاء في خطبة الجمعة للشيخ حسن العامري التي أقامها مسجد الامام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية عن (فطرة النفس البشرية): وابتدأ بالاية المباركة "بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" (القيامة 14-15) وقال ان الله خلق الانسان وجعل له نظام لا يقبل الغلط وهو نظام الفطرة "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا" (الروم 30) فالله فطر الناس على حب المعرفة وحب الاخلاق والخير ولكن بدون عصمة وهو نظام الوجود.
 وينقسم الناس الى قسمين القسم الاول وهو الذي يعترف بالخطأ وقسم اخر يبرر الخطأ. ومن الامثلة على ذلك قصة آدم مع ابليس فالاثنين حصل لديهم خطأ "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا"(طه 115) فآدم نسي وردة فعله تختلف عن الشيطان "أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ"(الاعراف 22) ولم يقدم آدم تبرير وانما ذهب مباشرة الى الاقرار بالذنب بدون مبررات النسيان او وسوسة الشيطان او الضعف  "قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (الاعراف 23) وبالمقابل الشيطان اخذ بسرد المبررات "قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" (ص 76). وهكذا الرسل والانبياء لم يستخدموا اسلوب التبرير مثل يونس "سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"  (الانبياء 87). 
ومن أسباب التبرير اولا الهروب من تحمل المسؤولية كما جاء في مناجاة الامام زين العابدين عليه السلام (ميالة إلى اللعب واللهو، مملوءة بالغفلة والسهو). وثانيا التبرير لكي لا يشعر بالنقص في نفسه ولا يحب أحد أن ينتقده. وثالثا الخوف من المجتمع والناس بسبب العقوبة. فطريق الاصلاح لا يحصل بالعقوبة وانما باللين كما حصل لموسى عليه السلام مع فرعون "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طه 43-44). والله تعالى يبين التعامل بالحسنى "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة 83). والكلام الحسن هو الافضل في الاصلاح بدل العقوبة "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت 34) و "قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى" (البقرة 263). 
والتبرير لا يقلل آلام النفس فالمذنب يبقى في نفسه الألم حتى لو برر الذنب بمعاذير "بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" (القيامة 14-15) وهذه فطرة الله التي فطر بها الناس. وبالعكس فان الاعتراف بالخطأ يعني الرجوع الى الله تعالى كما قال امير المؤمنين عليه السلام (أصلح ما بينك وبين الله  يصلح الله ما بينك وبين الناس) و "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد 28).
 
 
محرر الموقع : 2024 - 03 - 04