احياء اليوم السابع عشر من شهر رمضان الخميس (التربية في القرآن الكريم)‎
    

 

أقام مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية جلسة قرآنية يقرأ كل حاضر آيات من الجزء الثامن عشر من القرآن الكريم بإشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة دعاء الافتتاح، ثم حضر ضيف المسجد السيد محمد الرضوي الذي قدم عريف الحفل السيد حسن الحبوبي نبذة عن حياته حيث ولد عام 1957 وتخرج من حوزة قم وقدم الى مدينة فانكوفر الكندية في ثمانينات القرن الماضي كعالم دين، وانتقل بداية التسعينات الى مدينة تورنتو والان هو امام المسجد الجعفري الكبير في مدينة تورنتو الكندية. وابتدأ الحفل بتلاوة من الذكر الحكيم ومحاضرة السيد الرضوي، فأذان المغرب وصلاتها، ومأدبة الإفطار للمتبرع مؤسس المسجد الحاج عطا علي.
 
كان عنوان محاضرة السيد محمد الرضوي (التربية في القرآن الكريم) التي كانت باللغة الانكليزية. قال الله تبارك وتعالى "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" (ال عمران 33) فالله تعالى اصطفى خيرة بني البشر ليكونوا قدوة تربوية للآخرين فآل أي عائلة ابراهيم عليه السلام الذين كان منهم صالحين تم اختيارهم وتم ابعاد الظالمين "وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) فمن اسحاق كان عيسى عليهما السلام من آل عمران، ومن ذرية اسماعيل عليه السلام خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان خير البشر خلقا وسلوكا وهو شعاع تربوي للبشرية هو وآله عليهم السلام.
 
آيات القرآن الكريم جلها نحو 90% منها تتحدث عن التربية والمعاملات، في حين نحو 10% من الآيات تتحدث عن العبادات كالصلاة والصيام والحج. يقول الله عز من قائل "آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء 11) لاحظ المنفعة المتبادلة بين الاباء والابناء جعلها الله تعالى فرض. فأصل التربية تبدأ من العائلة. وتجد القرآن الكريم لا يميز بين البشر على اساس العنصر لان الله عز وجل خالق الكل. وركز على التربية العائلية كما قال الله جل وعلا "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة 83) ولو أن الآية ذكرت بني اسرائيل ولكن التوجيه التربوي لها يخص الآخرين بان العبادة لوحدها لا تكفي وانما يرافقها الاحسان الى الوالدين والاقرباء واليتامى والمساكين فعلا وقولا لهؤلاء ولبقية الناس.
 
وآية ثانية "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" (النساء 36) لاحظ العبادة أولا بدون تفصيل وبعدها المعاملات البينية بين البشر بتفصيل والتي تؤدي الى تربية الانسان المتواضع غير المختال الفخور. الآية الثالثة تقول "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ" (الانعام 151) وهي توجيه تربوي يا أيها الرسول بين الحرام بعدم الشرك وعدم التعامل غير الحسن بتفاصيل بينتها الآية الشريفة.
 
والآية الرابعة هي التي وردت في سورة الاسراء "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (الاسراء 23-24) فبعد عبادة الله وعدم الشرك به جاء الدور التربوي الذي فيه الاحسان للوالدين بعدم القول الخشن حتى ولو كلمة اف الى ما هو أكبر "وَلَا تَنْهَرْهُمَا". وهذا لا يكفي انما القول الكريم لهما حيث عليك دائما ايها الابن أن تتذكر التربية في الصغر.
 
العبادات ومنها الصلاة لم يذكر القرآن تفاصيل ركوعها وسجودها وانما ذكرت اقامة الصلاة كثيرا مثلا "أقم الصلاة" عدا صلاة الخوف التي نادرا حصولها، بينما الآيات التربوية فهي عديدة وموضحة بشكل مفصل. مثلا سورة لقمان هي من السور التربوية "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)" (لقمان 13-15) ففي هذه الآيات تأكيد وصية رب العالمين الانسان بوالديه وشكرهما حتى ولو كانا مشركين بشرط عدم طاعتهما وجهادهما في حالة الشرك بالله سبحانه، وعليك بصحبتهما. وهذا درس بالتعامل الحسن مع كل إنسان حتى ولو كان مشركا، والإحسان للآخرين بدون النظر الى دينه وقوميته.
 
واختتم السيد الرضوي محاضرته بأعطاء مثال على بر الوالدين وهي قصة أويس القرني مع أمه وبره لها. و (أويس القرني) كانت دعوته مستجابة عند رب العالمين كما أخبر الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بارًا بوالدته، وكان القرني في اليمن على بعد آلاف الأميال عن المدينة المنورة. وورد في رواية أن أحد زوار الامام الحسين عليه السلام قال عند دخوله الضريح السلام عليك يا ابا عبد الله فرد صوت من الضريح وعليك السلام، وسبب ذلك كان هذا الولد بار لوالده كبير السن الذي كان يحمله على ظهره لزيارة قبر الإمام عليه السلام.
 
 
 
 
محرر الموقع : 2024 - 03 - 29