الخلاف السني الشيعي ليس على القرآن ولا على التوحيد ولا على النبوة ولا على الصلاة.
الحمد لله الشيعة يقرؤون القرآن بالصورة والصوت عبر المحطات التلفزيونية الفضائية، ويصلون خمس مرات ويشهدون الشهادتين ويحجون بيت الله عز وجل، نقطة الخلاف الاساسية، مابين الشيعة والسنة، الشيعة لديهم ادلة قرآنية وأحاديث نبوية أن الخلافة بعد رسول الله ص إلى الإمام علي بن أبي طالب ع والأئمة الذين تحدث عنهم رسول الله ص في حديث الخلفاء الاثني عشر.
وجود الوهابية ووجود المملكة العربية السعودية بات واقع حال على الأرض، ولايمكن للشيعة إنهاء السنة والوهابية، ولايمكن للسنة والوهابية القضاء على الشيعة.
وإذا كانت الخلافات السنية الشيعية في العصور السالفة دارت على الشكوك والظنون، الآن بفضل البث الفضائي ووسائل الاتصالات الحديثة لم يبق شيء مخفي، الأمور باتت واضحة، الواقع يثبت، أن الشيعة أكثر المسلمين تمسكاً بالقرآن والسنة النبوية، وأكثر الناس بالدفاع عن قضايا العرب والمسلمين، لنتكلم عن تاريخ المائة والعشرين سنة الماضية من تاريخ العراق والعرب الحديث، الدليل الواقعي على الارض، يثبت وقوف الشيعة مع الدولة العثمانية السُنية التي كانت تضطهد الشيعية وتقتلهم، بوجه الغزو البريطاني الفرنسي، الشيعة وقفوا مع الأتراك العثمانيين السنة، بينما وقف مفتي مكة شريف حسين زعيم العالم العربي والإسلامي السني مع القوات المحتلة وشارك في إسقاط دولة الخلافة العثمانية.
أنا شخصياً، أفتخر لي جد اسمه كاطع كطفان البدري خال والدي رحمه الله، قتل عشرين جندي غازي بمعركة الكوت، الآن الشيعة هم من يطالبون برحيل القوات المحتلة من العراق بوقت غالبية ساسة المكون السني يتوسلون بالقوات المحتلة في البقاء بالعراق.
انفرد الشيعة في الوقوف مع أهل غزة في محنتهم أمام توحش نتنياهو، بوقت ان غالبية الأنظمة العربية والإسلامية السنية مع نتنياهو، ويتوسلون في نتنياهو ان يستأصل حماس والقوى الفلسطينيينة المقاومة بغزة.
قبل أيام نظّمت رابطة العالم الإسلامي السعودية الوهابية ، مؤتمر استضافت به شيوخ من الكثير من دول العالم، رأيت ممثل من مؤسسة الإمام الخوئي، من ضمن حضور المؤتمر، وسمعت كلمة الأمين العام لرابط العالم الإسلامي الوهابي الدكتور العيسى، دعا إلى مد الجسور الترابط والتواصل بين المذاهب الإسلامية في مكة المكرمة، لاحظت من خلال نقل صور الحاظرين إلى المؤتمر، هناك حضور لشخصيات إسلامية من مختلف طوائف المسلمين ومن كل البلدان والدول.
تم قراءة وثيقة بناء الجسور، والتي صدرت عن المؤتمر نصّت على ضرورة التمسك بالمشتركات الكبرى بين مختلف المسلمين، مع واجب التمسُّك بقيم الاعتدال والتسامح ضمن منظور إنساني شامل، يكرِّس إسهام الأمة في الحضارة الإنسانية الكونية.
بلا شك كل مسلم مع إنهاء الخلافات والصراعات والاحتراب الطائفي، انا شخصيا احد ضحايا التطرف المذهبي، كنت شاب في مقتبل عمري وحظي العاثر، جعل طريق هروبي من العراق على السعودية، اتذكر ودعت اهلي قبل هروبي، رحم الله والدتي كانت لاتقرأ ولاتكتب، قالت لي حاول تجد طريق لهروبك من شمال العراق، أهرب إلى سوريا أو إلى ايران، أو إلى تركيا، وإياك تهرب إلى السعوديين هؤلاء بدو وأعداء مذهب يكونون قساة أشد من قسوة الديانات الاخرى، قلت هذا الكلام مجرد اوهام، عندما هربت ووصلت إلى السعودية، تم أخذي إلى ملعب حفر الباطن، استاد رياضي، وجدت ضباط وجنود سعوديين، ناس عندهم لحى وآخرين حليقي اللحى، أول سؤال سألني هل انت مسلم لو شيعي؟ الحقيقة صدمت، تذكرت كلام والدتي، قلت لنفسي وقعت في بئر مظلم، لكن اوكل نفسي إلى الله عز وجل، إلتفت إليه، قلت له يارجل انا مسلم اشهد لا اله إلا الله محمد رسول الله ص، ملازم أول سعودي أشر لي من خلال قمز بعينه قال لي قل لهم سُني، إلتفتت إليه قلت له اخي سجل مسلم شيعي، هذا الضابط اوصلني إلى غرفة الاعتقال، قال لي انا اسمي عمر، يا اخي هنا يتم محاربة كل شخص شيعي انصحك سجل انك مسلم سني، قلت له لا والله اكتب شيعي، قلت له يوجد صليب احمر ينقلوني إلى بلد آخر.
تم نقلي إلى سجن قاعدة تبوك الجوية، رأيت العجب كيف السجانين يتعاملون معي في أسلوب قذر لكوني شيعي، للاسف كان معي الكثير شيعة كانوا يتظاهرون أنهم سنة، مرت علينا بسجن قاعدة تبوك الجوية، صادف شهر رمضان، ذات ليلة، كنت أتوضأ للصلاة كان معي ضابط عراقي اسمه حميد عجيمي من ناحية جبلة بكل نتنانة قال لي أنتم الشيعة ليش تتوضون بهذا الشكل، للعلم هذا أبن عجيمي شيعي لكن مسجل اسمه سني، قلت له القرآن أمرنا في غسل الوجة واليدين إلى المرافق والمسح فوق الراس والارجل.
اتذكر عندي قرحة، أخذوني إلى مستشفى عسكري كان الرقيب اسمه علي الاسمري قذر بمعنى الكلمة يتعامل معي بخشونة، أحد الجنود قال لي انت شيعي قلت له نعم، قال لي ساعدك الله شلون تنجوا من هؤلاء القذرين، قال لي لماذا لاتستعمل معهم التقية، قلت له نترك ذلك مع الله عز وجل هو الذي ينقذنا، قال لي هذا العسكري يتعامل معك بقذارة لانه يعتبر التكبر عليك يجلب له حسنات من الله عز وجل هههههههه.
في عام ١٩٩٢ تم نقلي إلى مستشفى حفر الباطن أردت أن أصلي، بالمستشفيات السعوديين، عاملين بكل قسم بالمستشفى، مسجد للصلاة، به مطوع أو شيخ وهابي، سألت أحدهم عن اتجاه القبلة، عرفني عراقي، قال لي انت شيعي، قلت له نعم وماذا تريد مني، تصور جاءني إلى الغرفة التي ارقد بها، المهم رديت عليه بعنف، الدكتور الاخصائي هندي افتهم القضية رأسا هجم على الجندي السعودي قال له بابا أنت واجبك حارس وليس تأتي تعمل تحقيق مع شخص مريض، تكلم بلغة عربية ضعيفة، المهم الدكتور أوصى الممرضين في منع أي جندي سعودي يصل لغرفتي، بقيت خمسة أيام كانت مؤلمة، مدير الطبيب بلغ مدير المستشفى بذلك، المدير أصدر أمر بعدم دخول المطاوعة إلى غرف المرضى الرافدين بالمستشفى، وجدت سعوديين طيبين وشرفاء كثيرين، لايمكن أن نعمم بالقول كل الشعب السعودي ناس سيئين.
قضية التقارب بين المذاهب الإسلامية ليست جديدة، رحم الله ملك مصر فاروق وبسبب زواجه من شقيقة شاه إيران محمد رضا بهلوي، أمر مشيخة الأزهر في عمل دار تقريب مابين السنة والشيعة قبل ثمانين سنة، اسست مكان لبدء حوارات منها حوارات المرحوم شرف الدين مع شيخ الأزهر البشري، نتج عنها كتاب المراجعات.
الجديد في الأمر أن السعودية ناشرة الفكر الوهابي التكفيري الظلامي ضد الشيعة وبقية بني البشر هي من نظمت مؤتمر يدعو إلى مد جسور التواصل ما بين المذاهب الاسلامية.
ممثلي مختلف الطوائف الإسلامية اتفقوا في مؤتمر مكة المكرمة على عدة نقاط، بالواقع من ناحية المبدأ، نقاط جيدة، منها بناء وحدة الجماعة المسلمة على قبول التعددية والاختلاف.
نبذ العنف والتطرف والانغلاق.
التفاعل الإيجابي مع الثقافات الأخرى.
هذه النقاط اذا كانت هناك نية صادقة من حكومة المملكة العربية السعودية كفيلة في نبذ الخلاف والتطرف والتكفير.
الاختلاف بين المذاهب الإسلامية ليس وليد اليوم، يمكن تجاوز ذلك الخلاف من خلال الملك السعودي وولي عهده في إصدار أمر ديواني ملكي يأمر مفتي المملكة العربية السعودية وجماعة الشيوخ الكبار في المؤسسة الدينية الوهابية في ممارسة حقهم الاجتهادي في إصدار فتاوى لنبذ التكفير والكراهية واعتبار كل شخص يشهد الشهادتين فهو مسلم سواء كان المسلم سنيا أو شيعيا، إن بناء الجسور بين الطوائف الإسلامية يتطلب تدخل من الملك السعودي بصفته ولي الأمر للمؤسسة الدينية الوهابية السعودية الحاكمة، يأمرهم بحذف كل فتاوى التكفير والكراهية، هناك حقيقة عندما تزور مدينة النجف وكربلاء وقم ومشهد تجد كتب الصحاح السنية الستة تباع، وتجد كتب ابن تيمية المُكَفر للشيعة تباع في المكتبات الشيعية، وعندما تتجول في مناطق الاكثريات الشيعية وحتى بوقف أعمال العنف والقتل، تجد وجود للسنة ووجود إلى المسيح والصابئة…..الخ في مدن الشيعة.
بل تجد حركات شيعية منحرفة تعمل بمناطق الشيعة دون أن يتعرض لهم أحد بأذى، انا رأيت مكاتب للصرخي وابن كويطع الذي يدعي انه رسول المهدي للناس، يمارسون نشاطهم دون أن يتعرضون للقتل، تجد مكاتب إلى الأحزاب اليسارية والشيوعية ومكاتب إلى أحزاب سنية وكوردية بمناطق الشيعة، بينما في مناطق الاكثريات السنية العراقية لم يبقوا ولا شيعي ومسيحي وصابئي وكاكائي، ولا نجد مكاتب إلى الأحزاب الشيعية والكوردية وللاحزاب اليسارية في مناطق الاكثريات السنية، وهذا دليل الفكر الشيعي يتعايش مع الجميع على عكس الفكر السني الوهابي التكفيري.
الأحداث التاريخية التي مرت على الشيعة من قتل وابادة بحيث وصلت الحالة القضاء على الوجود الشيعي في مصر والمغرب والجزائر وتونس والأردن بحقبة الدول الشيعية الفاطمية الاسماعيلية، شيعة العراق لولا الاهوار لما بقيت لهم باقية.
ما تحدث به العلماء الذين اجتمعوا في مكة المكرمة، من خلال كلمة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي السني الوهابي الدكتور العيسى وكذلك كلمات مشايخ سنة من باكستان والهند وأفريقيا وكلمات لشيوخ شيعة من العراق وايران، وشيوخ من المذهب الاباضي، الجميع تحدثوا بالقول، أن الإسلام دين اعتدال وسماحة وتسامح، ومن ثم توجّب رفض كل القراءات التأويل للنص الإسلامي بالآيات القرآنية في التكفير والتطرف.
خلال تجربتي الحياتية، ذهبت عام ١٩٩٩ لحج بيت الله، اقسم بالله مناسك الحج ما بين السنة والوهابية والشيعة والاباظية تصل فوق ٩٥% الخلافات جزئية وقليلة، لذلك ما رأيته من خلال تجربتي الشخصية والعملية، لا فرق بين المذاهب السنية والشيعية والأباضية، فكل هذه المذاهب ترجع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، لكن يحتاج السنة وبالذات الوهابيين التوقف عن تفسير الآيات التي نزلت على المشركين الذين حاربوا رسول الله ص بتأويلها على الشيعة والمتصوفة، الإسلام السياسي الإخواني والوهابي، استمد التطرف من خلال فتاوى أحمد بن تيمية وابن عبد الوهاب، المطلوب من شيوخ المؤسسة الدينية السعودية مراجعة تلك الفتاوى والعمل على حذف فتاوى التكفير والعمل على إيجاد فهم معتدل لتلك الفتاوى، سبق أن احتضنت السعودية مؤتمر وتم توقيع ووثيقة مكة سنة 2019، يدعوا التسامح مابين المذاهب الاسلامي، قبل عدة سنوات شيخ الأزهر أيضا وقع على وثيقة تعاون واخاء، أيضا تم عقد مؤتمر في المغرب وتم اصدار إعلان مراكش حول حقوق الأقليات غير المسلمة الصادر عن منتدى تعزيز السلم سنة 2016.
في الختام هل إننا أمام نمط جديد من الخطاب الديني السعودي الوهابي؟ نتمنى أن تسلك السعودية نحو نشر ثقافة التسامح والكف عن تكفير الشيعة والصوفية، أفكار ابن تيمية وابن عبدالوهاب غير صالحة تحتاج للمراجعة، دخول الصين كشريك اقتصادي مع دول الخليج عامل مهم يسهم بنشر ثقافة التسامح، الصين علاقاتها مبنية على التعاون الاقتصادي وليس بشن الحروب، على عكس الدول العظمى الأخرى التي تشعل الحروب وتشجع على نشر المخدرات لتدمير الشعوب لكي تسهل عمليات سرق ثرواتها، اكيد الصين تعمل على إيجاد تصالح سني شيعي واسلامي مسيحي وبوذي وهندوسي.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
30/3/2024