لاجئون عراقيون في تركيا سائرون في رحلة موت إلى اوروبا
    

في انقرة, وعلى باب منظمة الهجرة الدولية (un) والحديقة المواجهة لها, رصدت مراسلة «الصباح» المئات من الشباب العراقيين والعوائل وهم يصطفون كل يوم منذ بزوغ الشمس ومنهم من يبيت ليلته في العراء منتظرين فتح ابواب المنظمة للولوج اليها والتسجيل في موعد اولي للحصول على مقابلة يشرحون من خلالها سبب هروبهم من مدنهم التي ترزح تحت نير ووحشية عصابات داعش الارهابية على امل الحصول على ملاذ امن في اي دولة اوروبية او غيرها.
وبعد ساعات الانتظار الطويلة يخرجون من تلك البوابة السوداء تحيطهم هالة اليأس, اذ لم تقدم لهم المنظمة سوى انتظار اخر يمتد لسنوات للحصول على فرصة اول مقابلة, في الوقت نفسه تطالبهم المنظمة بالبقاء خلال سنوات الانتظار في مدينة تحددها هي لهم غالبا ما تكون قرية او ضاحية وهم ممنوعون من السفر ومن العمل ومن التحرك بعيدا عن مركز الشرطة الخاص بهم الا بأذن لكل فعل, ما يعني الخروج من سجن داعش للعيش بسجن من نوع اخر.
ولا تقف مأساتهم عند هذا الحد, فقد وقعوا فريسة لبعض المتاجرين بمعاناتهم الذين يعرضون عليهم فرصة السفر في رحلة موت على متن قارب مطاطي الى احدى الجزر اليونانية المقابلة للسواحل التركية ومن هناك تبدأ رحلة اخرى للمجهول.

الانتظار لغاية 2021 

محمد 22 سنة, شاب في مقتبل العمر, اتى برفقة اخيه الاصغر من الانبار, عبر سوريا الى تركيا, بطريقة غير شرعية, كان قد اتفق مع مجموعة شباب اخرين مع احد السماسرة لايصالهم الى بر الامان في تركيا, يروي قصته قائلا: «لم نستطع تحمل الامر.. افعال «داعش» لا تمت للحياة بشيء.. حتى اتفه الاخطاء قد تسقط رؤوسنا.. لم يبق من عائلتي غيري انا واخي الصغير 14 عاما.. لذا خاطرت بما تبقى لي من فرصة للحياة وهربت.
كان محمد جالسا بانتظار ظهور الرقم الذي يحمله على اللوحة الضوئية, ليلتقي بموظف المنظمة, ويسجل انضمامه لقوافل الشباب الاخرين, في انتظار اول موعد له بلقاء خاص يشرح فيه وضعه وسبب تركه بلاده.
بعد اكثر من 4 ساعات من الانتظار, ظهر الرقم 330, وهو الرقم الذي يحمله, فهرع محمد لموظف التسجيل, ظنا منه ان الامر قد تم, وبعد دقيقتين, عاد محمد, ليخبر اصدقاءه عن طبيعة الاسئلة التي ستطرح عليهم, ويعود للانتظار مرة اخرى.
ساعتان اضافيتان, تمران على محمد, ليخرج بعدها موظف اخر, يحمل مجموعة من الاوراق, تسمى اوراق حماية, (تعطيها المنظمة مؤقتا في هذه المرحلة لشرعنة وجود هؤلاء الشباب وعدم مطالبة السلطات التركية باوراق اقامة), ينادي الموظف باسم محمد الثلاثي, فيسلمه الورقة ويقول له ان الموعد الاولي تحدد لك في الـ24 من ايلول لسنة 2021, وان عليه البقاء في محافظة اوزكون (تبعد 4 ساعات عن انقرة).

الضحايا في شباك القرش

بهت وجه الشاب, حاول التحدث مرة اخرى مع موظف المنظمة, بيد ان الاخير لم يلق له بالا, مشيرا بيده الى الاعداد المهولة التي تأتيه كل يوم, وان وضعه ليس اسوأ من اوضاع غيره.
خرج محمد من الباب الرئيس للمنظمة, تبدو عليه ملامح اليأس, توجه اليه شاب اخر, يبدو في الثلاثينيات من عمره, اسمر البشرة, عريض الكتفين, مفتول العضلات, سمعتهم ينادونه بلقب «القرش», سأله عن موعد لقائه الاول, فرمى محمد بالورقة اليه, فضحك «القرش» وقال: وهل كنت تتوقع موعدا اقرب من ذلك؟!, سحبه جانبا ليعرض عليه ما سماها  فرصة العمر.. الا انها بالحقيقة رحلة الموت.
يبدو ان «القرش» وامثاله يصطادون فرائسهم من ابواب هذه المنظمة, وهي بكل الحالات انسب الاماكن للعثور على الراغبين باللجوء, وبعدما يكتشفونه هناك, يأتي دور هؤلاء باللعب على اوتار الصدمة, ليعرضوا فرصة العمر.

مسار رحلة الموت

عرض «القرش» على محمد السفر من تركيا الى المانيا, عبر السيناريو الآتي, بداية سيكون الانطلاق من مدينة ازمير التركية, على متن قارب مطاطي بـ 1200 دولار او يخت بـ 2200 دولار وصولا الى جزيرة كوس اليونانية, ومنها ينقل بأخرى الى اثينا بـ 50 يورو, ومن هناك يستقل باصا الى سالونيك بـ46 يورو, ثم باص الى الحدود المقدونية بـ20 يورو ومن هناك على محمد ان يمشي سيرا على الاقدام حتى اول ضيعة بمقدونيا, ثم يستقل باصا الى محطة القطار هناك ومنه الى بلغراد بـ 20 يورو ومنه يركب باصا الى مدينة كيمجيزا الحدودية بـ 20 يورو ايضا ثم سيرا على الاقدام لتخطي لعنة هنغاريا الى مدينة سيجد (هنغاريا ان امسكت بالشخص سوف تخضعه لنظام البصمة وبالتالي سيتم رفض لجوئه في اي دولة بالعالم), بعد ذلك يستقل تكسي الى بودابست بـ150 يورو ومنها تكسي اخر الى قلب برلين بـ500 يورو, في النهاية ستكلف الرحلة كلها بحدود 2500 دولار للشخص الواحد. وبعد هذا الشرح جلس محمد يداول نفسه ويفكر كيف سيتدبر امر المبلغ المطلوب له ولاخيه الصغير.

«داعش» قتل أحلامنا

على الجانب الاخر من المنصة, كان يجلس مصطفى, 21 عاما, الذي وصل تركيا من نينوى, وراح يحكي عما شاهده من مآس ودم وقتل, يؤكد انه خلالها كان عاجزا عن البكاء عن اصدقائه الذين تقطعت رؤوسهم على ايدي عصابات داعش الارهابية, وعن الاخرين الذين فقدوا ارجلهم لا لسبب الا لأنهم كانوا يلعبون كرة القدم, او من قطعت اصابعهم لأنهم يدخنون السكائر, ويقول بحسرة: داعش قتلت احلامنا.
يبدو ان مصطفى يعرف جميع قوانين المنظمة وسماسرة الارواح كالقرش وامثاله, قال: لست هنا بصدد الحصول على  فرصة اللجوء الشرعي.. اعلم انه بعيد المنال.. اريد الحصول على ورقة الحماية المؤقتة.. ليتسنى لي البقاء هنا من دون ازعاج السلطات بموضوع الاقامة.. وسأعمل كنادل او عامل بناء بعيدا عن الاعين حتى اتمكن من جمع المبلغ المطلوب ثم ارحل.

خطة بديلة للرحلة 

وعند سؤال مصطفى عن الشخص الذي سيقوم بتهريبه قال: لا اثق بسماسرة التهريب الذين يقفون هنا.. هم يبيعون ارواحنا.. المشكلة الاكبر في رحلة البحر من ازمير الى جزيرة كوس اليونانية.. القارب المطاطي ذو الحجم الكبير لا يحمل اكثر من 50 شخصا.. بينما هم يدفعون به اكثر من 120 شخصا  طمعا بالمال.
وبسؤاله عن طريقته بالهروب, اوضح: اتفقت مع زميل لي ان نقوم بالامر لوحدنا.. سنجمع المال لشراء قارب.. ثم لن نحمله اكثر من 30 شخصا.. على ان نكون من ضمنهم.. وسندفع المال الذي نأخذه ممن سيأتون معنا الى المرابطين على الساحل التركي.. ليدعونا نعبر بأمان.. سنتحصن بنجادة.. وسيكون معي هاتفي متصلا بشبكة الانترنت وجهار الـ(جي بي اس) لتحديد موقعي واخبار اصدقائي عما يجري معنا ليقوموا بدورهم في اخبار خفر السواحل اليوناني بأي طارئ يحدث ليأتوا لانتشالنا.  وعن مدى خطورة هذه الرحلة, قال: ليس لنا الا الله ان كتب لنا الحياة فسنعيش.  
ويحذر مصطفى الهاربين بهذه الطريقة قائلا: قد يستقبلهم في هذه المحطات اشخاص يوهمونهم بأنهم سيدخلونهم المستشفى لحين اكمال بعض الاوراق مقابل مبلغ مادي, مبينا ان هؤلاء تجار اعضاء بشرية وسيدخلونهم المستشفى ويخدرونهم لانتزاع اعضاء منهم لبيعها.

صرخة اللاجئين

قصتا محمد ومصطفى ليست سوى حالتين, شاءت الصدفة ان نطلع عليهما من بين الاف حالات اللاجئين المماثلة الذين يتواجدون حاليا في تركيا ويعانون الامرين. اذ اطلقوا مؤخرا عبر وسائل الاتصال الاجتماعي بيانا اسموه «صرخة مدوية» وجهوه الى منظمة الـ»un», ذكروا فيه «نحن اللاجئون في تركيا نعاني من ظروف صعبة وقاسية, وانتم تنتقلون بنا من محافظة الى اخرى, بلا مساعدات وبلا ايواء, نحن والكثير غيرنا نضطر للهروب الى دول اوروبا بسببكم, عجلوا بسفرنا من تركيا.. اوطاننا سرقت وديارنا نهبت واخواننا واهالينا واصدقاؤنا قتلوا.. وانتم لا تشعرون بكل هذا.
يشــار الى ان خـــــفر السواحــــــــــل التركية انقذ خلال خمسة ايام 2791 شخصا من مياه بحر ايجه, اثناء محاولتهم التوجه الى اليونان بطرق غير شرعية, خلال 58 عملية نفذت في ولايات ازمير وايدن وبالكسير وجناق قلعة وموغلا في الفترة مابين 10 و 14 من اب الجاري، فيما القي القبض على 47 شخصا بتهمة تهريب البشر.

محرر الموقع : 2015 - 08 - 27