احياء اليوم التاسع عشر من شهر رمضان السبت (الفناء والزمان والعمر)‎‎‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
إحياء اليوم التاسع عشر من شهر رمضان السبت:

أقام مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية جلسة قرآنية يقرأ كل حاضر آيات من الجزء العشرون من القرآن الكريم بإشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة دعاء الافتتاح، ومحاضرة للشيخ حسن العامري، فأذان المغرب وصلاتها، ومأدبة الإفطار للمتبرع مؤسس المسجد الحاج عطا علي.

انهى الشيخ حسن العامري مجلسه بالنعي بمناسبة استشهاد الامام علي عليه السلام. كذلك وكان موضوع محاضرة المجلس حول (وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام بشأن الفناء والزمان والعمر). تكملة للخطبة السابقة قال الامام علي عليه السلام في وصيته لابنه الحسن صلوات الله عليهما: (من الوالد الفان، المقرّ للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدنيا، الساكن مساكن الموتى) هذه الوصية مذكورة في نهج البلاغة ضمن الرسالة 31. كانت الوصية مباشرة بعد واقعة صفين، فهي لم تبدأ بالحمد وهي في العادة تذكر في الخطب. هنالك سببان لذلك: أولهما أن هذه الوصية ليست فقط للامام الحسن عليه السلام وانما للأمة في كل مكان وزمان. ففي الوصية اشعار بكسر غرور نفس الانسان وخاصة الشباب. قال الله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ" (الاحزاب 1) فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم اتق الاتقياء ولكن الخطاب موجه الى الامة عن طريق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا قوله عز وجل "لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ" (الزمر 65) فالخطاب موجه الى الامة بعدم الشرك بالله كون النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم محطم اصنام الشرك وعدوها اللدود. فالامام علي عليه السلام اراد في وصيته ان يحبط الغفلة في الدنيا وخاصة عند الشباب. وكما ورد في دعاء ابي حمزة الثمالي مباشرة بدون مقدمات (إلهي لا تؤدبني بعقوبتك). الإنسان أحيانا يحتاج الى صدمة توقضه من الغفلة.

السبب الثاني بعدم ذكر الحمد الوضع الذي كتبت فيه الوصية، وضع شديد القساوة في معركة صفين وقضية التحكيم. الغوغاء مصيبة في كل زمان ومكان. يرفعون المصاحف أمام الإمام عليه السلام وهو القرآن الناطق. هل تعلم ان مئات آلاف المصاحف رفعت في وقت واحد؟ أليست قضية مدبرة رتب لها معاوية بحيث أحضر هذه المصاحف في وقت ليس كما الوقت الحالي يتوفر هذا العدد الهائل من المصاحف المنظمة. ولكن الغوغاء يقودهم مثل معاوية. بالاضافة الى قدومه عليه السلام الى الكوفة بعد واقعة صفين التي ذهب ضحيتها الآلاف واستمرت أيام عديدة، واجباره على التحكيم، فإذا بغوغاء آخر وهم الخوارج قالوا لماذ التحكيم؟ كأنهم لم يعرفوا كيف أن الامة اتبعت معاوية صاحب مؤامرة رفع المصاحف.

قوله عليه السلام (من الوالد الفان) تعبير بأن الإنسان مهما يصل بإمكانياته الكبيرة ولكن مصيره الفناء. غالبا الناس يحبون الخلود ويكرهون الموت، ولم يعلموا أن أجمل ما في المؤمن هو تمنيه الموت. فالموت في الحقيقة رحمة. يقول الامام الحسن المجتبى عليه السلام (تحفة المؤمن الموت) وكما قال الله سبحانه وتعالى "إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ" (الجمعة 6). قال الامام علي عليه السلام (فزت ورب الكعبة). ولكن المشرك يحب ان يعمر في هذه الحياة كما في قوله عز من قائل "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ" (البقرة 96). نجد الآن آلاف الشركات تصنع مواد التجميل حتى تجعل الذي يعبر عمر الشباب أن يرجع الى ذلك العمر، فهؤلاء لا يفكرون بالموت وانما خلقوا للبقاء ولم يعلموا أن الله جل جلاله هو المتوحد بالبقاء (فيا من توحد بالعز والبقاء، وقهر عباده بالموت والفناء). القهر يعني أن الدنيا كلها لو اجتمعت لا تستطيع اطالة عمر الإنسان إذا جاء أجله.

جاء في الحديث (يا أبناء العشرين جدوا واجتهدوا. ويا أبناء الثلاثين لا تغرنكم الحياة الدنيا. ويا أبناء‌ الأربعين ماذا أعددتم للقاء ربكم؟ ويا أبناء الخمسين أتاكم النذير (الشيب)). وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت). لاشك أن الشاب المتقي خير من الكبير المتقي. قال الله تعالى "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (الاحقاف 15). يقول الشاعر: متى لحظت بياض الشيب عين * فقد وجدته منها في السواد. يعد بهلول رضوان الله عليه ممن يتبعون أهل البيت عليهم السلام سأله هارون العباسي: قال: عظني يا بهلول، قال: وبمَ أعِظُك؟ هذه قصورهم وهذه قبورهم. يقول الشاعر أبو العتاهية رحمه الله: عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً * في ظِلّ شاهقَةِ القُصورِ يسْعَى عليكَ بِمَا اشتهيْت * لدَى الرَّوَاح أوِ البُكُورِ فإذا النّفوسُ تَقعَقَعَتْ * في ظلّ حَشرجَةِ الصّدورِ فَهُناكَ تَعلَم، مُوقِناً * مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ.

يقول أمير المؤمنين في وصيته (المقرّ للزمان) الزمان هو سنة من السنن الالهية فهو عز وجل مالك الزمان. قال الله تعالى "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" (الاعراف 54) وهو درس بان التدبر يحصل بالتدرج الزماني والا فالله عز وجل قادر أن يقول للشيء كن فيكون "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (يس 82)، و "قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" (النمل 40). على الإنسان أن يخضع للزمان ويأخذ الأمور بالتدرج. وقوله عليه السلام (المدبر العمر) حيث حقيقة العمر انه يقصر كلما كبر الانسان وكما جاء في المناجاة الشعبانية (إلهي وقد أفنيت عمري في شرة السهو عنك، وأبليت شبابي في سكرة التباعد منك).
 
 
محرر الموقع : 2024 - 04 - 01