كلمات مترابطة في القرآن الكريم (صيام، صوم) (ح 6)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
كلمة ألقيناها خلال إحياء اليوم التاسع عشر من رمضان السبت في مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية.
 
قال الله تعالى عن الصيام "فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ" ثم "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ" (البقرة 196)، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" ﴿البقرة 183﴾، و "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ" ثم "ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" ﴿البقرة 187﴾، و "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ" ﴿النساء 92﴾، و "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ" ﴿المائدة 89﴾، و "طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ " ﴿المائدة 95﴾، و "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا" ﴿المجادلة 4﴾. بينما قال الله سبحانه عن الصوم "فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا" ﴿مريم 26﴾.
 
عن الفرق بين الصوم والصيام يقول الدكتور فاضل السامرائي: هذا من خصائص التعبير القرآني لم يستعمل الصوم في العبادة وإنما استعملها في الصمت فقط "إني نذرت للرحمن صوماً". الصوم هو الإمساك والفعل صام يصوم صوماً وصياماً كلاهما مصدر وربنا استعمل الصوم للصمت وهما متقاربان في اللفظ والوزن (الصوم والصمت) واستعمل الصيام للعبادة أولاً المدة أطول (صيام) والمتعلقات أكثر من طعام وشراب ومفطرات فهو أطول فقال صيام. "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ" لم يستعمل الصوم في العبادة وهذا من خواص الاستعمال القرآني يفرد بعض الكلمات أحياناً بدلالة معينة كما ذكرنا في الرياح والريح في الغيث والمطر في وصى وأوصى ومن جملتها الصوم والصيام. في الحديث الشريف يستعمل الصوم والصيام للعبادة "الصوم لي وأنا أجزي به"، " الصوم نصف الصبر" لكن من خواص الاستعمال القرآني أنه يستعمل الصيام للعبادة.
 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (صيام شهر الصبر وثلاثة أيام في كل شهر يذهب وحر الصدر)، و (الصيام نصف الصبر)، و. عن شهر رمضان جاء في الحديث الشريف (أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم). جاء في موقع شفقنا عن لا فرق بين الصوم والصيام في المصطلح الشرعي للكاتب عبد الناصر السهلاني: أما في الاصطلاح اللغوي فلم يقل أحد إن كلمة الصوم تختص بالامتناع او الامساك عن الكلام فيما ذكرته اهم معاجم اللغة فبعض ذكره بوصف عام وهو الامتناع فينطبق على المصطلح الشرعي وغيره، وبعضهم صرح بانه لغة يشمل الامتناع عن الأكل والشرب والكلام، وغيرها ايضا كما سنلاحظ في استعراض عدد من أقوال اللغويين: قال صاحب كتاب (لسان العرب) ج12، ص350: (صوم: الصوم: ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام، صام يصوم صوما وصياما) قال صاحب كتاب (تاج العروس) ج17، ص423: “(صوم): صام صوما وصياما، بالكسر، واصطام: إذا أمسك هذا أصل اللغة في الصوم. وفي الشرع: عن الطعام والشراب. ومن المجاز: صام عن الكلام: إذا أمسك عنه. وبه فسر قوله تعالى: "إني نذرت للرحمن صوما" أي صمتا بدليل قوله: "فلن أكلم اليوم إنسيا". وصام عن النكاح: تركه. وهو أيضا داخل في حد الصوم الشرعي…” قال صاحب كتاب (معجم مقاييس اللغة) ج3، ص 323: ((صوم) الصاد والواو والميم أصل يدل على إمساك وركود في مكان من ذلك صوم الصائم هو إمساكه عن مطعمه ومشربه وسائر ما منعه ويكون الإمساك عن الكلام صوما قالوا في قوله تعالى "إني ندرت للرحمن صوما" إنه الإمساك عن الكلام والصمت). قال ابو الهلال العسكري، في (الفروق اللغوية) ص 325: “الفرق بين الصيام والصوم: قد يفرق بينهما بأن الصيام هو الكف عن المفطرات مع النية، ويرشد إليه قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم). والصوم: هو الكف عن المفطرات، والكلام كما كان في الشرائع السابقة، وإليه يشير قوله تعالى مخاطبا مريم عليها السلام: (فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا). حيث رتب عدم التكلم على نذر الصوم. (قال الخليل في (معجم العين) ج7، ص171:  “الصوم: ترك الأكل وترك الكلام).
 
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وجل "مَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً" (المجادلة 4). اتفقوا على أن من قال لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي فلا يحل له وطؤها حتى يكفّر بعتق رقبة، فإن عجز عن العتق صام شهرين متتابعين، فإن عجز عن الصيام أطعم ستين مسكينا، وأيضا اتفقوا على أنه إذا وطئها قبل أن يكفّر يعتبر عاصيا، ولكن الإمامية أوجبوا عليه، والحال هذه، كفارتين. قوله سبحانه "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ" (المائدة 89). أي فإن عجز عن الخصال الثلاث المتقدمة صام ثلاثة أيام، وإن عجز عن الصوم استغفر اللَّه ورجا عفوه. "ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ". ذلك إشارة إلى الطعام والكسوة والعتق والصوم بعد العجز عن الخصال الثلاث، وبديهة إنما تجب على النحو المتقدم إذا حلف وحنث. قوله عز من قائل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة 183) الصوم من أهم العبادات، وهو واجب بضرورة الدين، تماما كوجوب الصلاة والزكاة، وفي الحديث: (بني الإسلام على خمس: شهادة ان لا إله الا اللَّه، واقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا). وأفتى الفقهاء أن من أنكر وجوب الصوم فهو مرتد يجب قتله، ومن آمن بوجوبه، ولكن تركه تهاونا واستخفافا عزّر بما يراه الحاكم الشرعي، فإن عاد عزر ثانية، فان عاد قتل، وقيل: بل يقتل في الرابعة. والصوم عبادة قديمة افترضها اللَّه سبحانه على من سبق من الأمم بصورة مختلفة عن صومنا نحن المسلمين كمّا وكيفا وزمنا، فالتشبيه هنا تشبيه الفريضة بالفريضة بصرف النظر عن الصفة وعدد الأيام، ووقتها.. فان تشبيه شيء بشيء لا يقتضي التسوية بينهما من كل وجه. "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". قال كثير من المفسرين: أن هذه الجملة تشير إلى الحكمة من وجوب الصوم، وهي أن يتمرن الصائم على ضبط النفس، وترك الشهوات المحرمة، والصبر عنها، فقد جاء في الحديث: (الصيام نصف الصبر). وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: لكل شيء زكاة، وزكاة البدن الصيام. وقال: فرض اللَّه الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق.. وبديهة ان كل أوامر اللَّه ونواهيه هي ابتلاء لإخلاص الخلق، ولكن الصوم أشق التكاليف، لأن فيه مغالبة النفس، وجهادها، وضبطها عما تميل إليه من الطعام والشراب وشهوة الجنس.
 
 
 
 
 
محرر الموقع : 2024 - 04 - 01