احياء ليلة القدر ومحاضرة اليوم الثاني والعشرون من شهر رمضان االثلاثاء (التوبة و الدعاء)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
إحياء اليوم الثاني والعشرون من شهر رمضان الثلاثاء:

أقام مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية جلسة قرآنية يقرأ كل حاضر آيات من الجزء الثالث والعشرون من القرآن الكريم بإشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة دعاء الافتتاح، ومحاضرة للشيخ حسن العامري، فأذان المغرب وصلاتها، ومأدبة الإفطار للمتبرع مؤسس المسجد الحاج عطا علي.  فأعمال ليلة القدر الثالثة الكبرى من ضمنها صلاة ركعتين منفردة ولكن بإعادة ما يرتله الإمام  حيث في كل ركعة الحمد وسبع مرات قل هو الله أحد ثم التسبيحات والاستغفار فدعاء رفع المصاحف ثم الزيارة فدعاء الجوشن الكبير. ثم مائة ركعة صلاة ما بالذمة ثلاثة أيام جماعة مع الامام، وقراءة ثلاث سور العنكبوت والروم والدخان، ثم دعاء ابو حمزة الثمالي، فمأدبة السحور، وصلاة الليل، ثم دعاء السحور وادعية خاصة بليلة القدر ثم أذان الفجر فصلاتها جماعة.

بسم الله الرحمن الرحيم "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)" (القدر 1-5) ابتدأ الشيخ حسن العامري محاضرته بقراءة سورة القدر، وقال هذه الليلة هي ليلة القدر ليلة الحب مع الله تعالى ويتجلى الحب بصور كثيرة. ما هي علاقة حب الله في هذه الليلة؟ الجواب أولا قوله تعالى "إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ" (الزمر 7)، و "وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" (ال عمران 97) هذا اذا كان العبد يبتعد عن الله عز وجل، وعكس ذلك عندما يقترب العبد منه سبحانه وتعالى. رمضان شهر ضيافة الله ففيه البركة والرحمة والدعاء، وايادي الشياطين مغلولة. محبة الله جل جلاله تتطلب ان يدلل العبد على هذه المحبة. من هذه الدلائل قيام ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر كما جاء في سورة القدر، أي تعادل 83 شهر عبادة فيها صيام النهار وقيام الليل. أهم دليل على الحب التوبة النصوح، وهي تعني كل شيء يريده الله عليك أن تعمله وكل شيء يحرمه عليك الابتعاد عن ذلك الشيء "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة 222)، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (التحريم8). قول استغفر الله واتوب اليه لا يكفي وانما يتطلب الشعور بالندم على ما مضى وكما يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: الحمد ليس كلمة وانما شعور في روح الإنسان. ان كلمة استغفر الله نتيجة طبيعية لشعور الانسان، كما حال اخوة يوسف حصل عندهم شعور ولو قليل من الندم فان الله تبارك وتعالى غفر ذنوبهم.

ليلة القدر هي ليلة التوبة النصوح كما قال الإمام زين العابدين عليه السلام ( إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي، وجللني التباعد منك لباس مسكنتي). قال الإمام الصادق عليه السلام (من أراد عزّاً بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان فلينقل من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته). وجاء في مناجاة التوابين للامام زين العابدين عليه السلام كذلك (إلهي أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك سميته التوبة فقلت: "توبوا إلى الله توبة نصوحا" (التحريم8) فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه، إلهي إن كان قبح الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك، إلهي ما أنا بأول من عصاك فتبت عليه، وتعرض لمعروفك فجدت عليه، يا مجيب المضطر، يا كاشف الضر، يا عظيم البر، يا عليما بما في السر، يا جميل الستر، استشفعت بجودك وكرمك إليك وتوسلت بحنانك وترحمك لديك، فاستجب دعائي، ولا تخيب فيك رجائي وتقبل توبتي، وكفر خطيئتي بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين). والذكر في ليلة القدر من أفضل أعمال ليلة القدر (الهي فألهمنا ذكرك في الخلاء والملأ، والليل والنهار والإعلان والأسرار، وفي السراء والضراء، وآنسنا بالذكر الخفي). الذكر الخفي أن يكون بالك مع رب العالمين. يقول الشاعر الحلاج: وَاللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت * إِلّا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم * إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي وَلا ذَكَرتُكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً * إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي وَلا هَمَمتُ بِشُربِ الماءِ مِن عَطَشٍ * إِلّا رَأَيتُ خَيالاً مِنكَ في الكَأسِ وَلَو قَدَرتُ عَلى الإِتيانِ جِئتُكُم * سَعياً عَلى الوَجهِ أَو مَشياً عَلى الرَأسِ وَيا فَتى الحَيِّ إِن غَنّيتَ لي طَرَباً * فَغَنّنّي واسِفاً مِن قَلبِكَ القاسي مالي وَلَلناسِ كَم يَلحونَني سَفَهاً * ديني لِنَفسي وَدينُ الناسِ لِلناسِ.

من الذكر جاء في دعاء ابي حمزة الثمالي (فارحم في هذه الدنيا غربتي، وعند الموت كربتي، وفي القبر وحدتي، وفي اللحد وحشتي، وإذا نشرت للحساب بين يديك ذل موقفي). وفي دعاء الجوشن (يا حبيب من لا حبيب له، يا طبيب من لا طبيب له). وبعد التوبة في ليلة القدر العفو عن من ظلمنا ان كان العفو عن أفراد العائلة او المؤمنين أو حتى العفو عن كل انسان حتى تبرأ نفسك في يوم القيامة (إلهي كأني بنفسي واقفة بين يديك، وقد أظلّها حُسن توكلي عليك، فقلت ما أنت أهله، وتغمّدتني بعفوك). قال الله سبحانه وتعالى "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ" (النور 22)، و "وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ" (البقرة 237)، و "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ" (ال عمران 134). ومن أعمال ليلة القدر الدعاء للمؤمنين فاجابة الدعاء تكون اسرع عندما يبدأ العبد بالدعاء للمؤمنين قبل الدعاء عن نفسه كما فعل الانبياء والملائكة "رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا" (نوح 28)، و "الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ" (غافر 7). قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون).

الإيمان مع الحقد علاقة متضادة. فالانسان مسؤوليته حمل الخير مع الآخرين "وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ" (الصافات 24). الدعاء للمؤمن هو أضعف الايمان وانما يتطلب القيام باعمال أخرى منها نصرة المؤمن بالإعلام فهو صوت يفوق الدعاء. وما هو أفضل من ذلك دفع المال والطعام للمحتاج من المؤمنين. بالاضافة الى مقاطعة أعداء المسلمين كما جاء في الحديث الشريف (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمه جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله).

وفي ليلة القدر على العبد الإلحاح في الدعاء فالله تعالى يحب العبد اللحوح في دعائه كما جاء (لا يلحُّ عبدٌ مؤمن على الله في حاجة إلا قضاها له). قال الشاعر: إن الأمور إذا اشتدت مسالكها * فالصبر يفتح منها كل ما رتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبه * اذا استعنت بصبر أن ترى فرجا.
 
 
 
 
محرر الموقع : 2024 - 04 - 03