طباق الحياة والموت في القرآن الكريم (ح 5)‎
    
د. فاضل حسن شريف
 
طباق الحياة والموت في القرآن الكريم: جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى" اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" ﴿الحديد 17﴾ يُحْيِي الأَرْضَ: بإنزال الغيث ويحي القلوب بذكر الله تعالى. اعلموا أن الله سبحانه وتعالى يحيي الأرض بالمطر بعد موتها، فتُخرِج النبات، فكذلك الله قادر على إحياء الموتى يوم القيامة، وهو القادر على تليين القلوب بعد قسوتها. قد بينَّا لكم دلائل قدرتنا؛ لعلكم تعقلونها فتتعظوا. قوله سبحانه "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" ﴿الملك 2﴾ خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ: أوجدهما وقدرهما أزلا. الذي خلق الموت والحياة؛ ليختبركم أيها الناس: أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء، الغفور لمن تاب من عباده. وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات، وزجر عن اقتراف المعاصي.
 
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل "يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿الروم 19﴾ أي إنّ ميدان (المعاد) وميدان (نهاية الدنيا) المتمثّل أحدهما بخروج "الحي من الميت" والآخر (خروج الميت من الحي) يتكرران أمام أعينكم، فلا مجال للتعجب من أن تحيا الكائنات جميعاً، ويعود الناس في يوم القيامة إلى الحياة مرّة أُخرى. أمّا التعبير بـ "يخرج الحي من الميت" المستعمل للأراضي الموات، فقد ذكره القرآن مراراً في مسألة المعاد وواضح أنّ الأرض تبدوا ميتة في فصل الشتاء، فلا خضرة ولا أزهار تضحك ولا براعم تتفتح، ولكن في فصل الربيع مع سقوط الغيث واعتدال الهواء، تدبّ الحركة في الأرض، وتنمو الخضرة في كل مكان، وتتبسّم الأزهار وتنمو البراعم على الأغصان وهذا ميدان المعاد الذي نراه في هذه الدنيا: وأمّا مسألة (إخراج الميت من الحيّ) فهي ليست شيئاً خافياً ولا مستتراً، فدائماً تموت الأشجار على الأرض وتتبدل إلى أخشاب، ويفقد الإنسان والحيوان حياتهما، ويتبدل كل منهما إلى جسد هامد لا روح فيه: وأمّا ما يتعلق بـ (إخراج الحيّ من الميت) ففسّره بعضهم بخروج الإنسان والحيوان من النطفة، وقال بعضهم: بل المراد منه تولد المؤمن من الكافر، وقال بعضهم: المراد منه تيقظ النائمين والراقدين: والظاهر أنّه ليس أيّاً من هذه المعاني هو المعنى الأصلي، لأنّ النطفة بنفسها موجود حي، ومسألة (الكفر والإيمان) هي من بطون الآية، لا من ظواهر الآية، وأمّا موضوع التيقظ والنوم فهو أمر مجازي، إذ ليس النوم والتيقظ موتاً وحياة حقيقيين: إنّما ظاهر الآية هو أنّ الله يخرج الموجودات الحية دائماً من الموجودات الميتة، ويبدل الموجودات الهامدة التي لا روح فيها إلى موجودات حيّة: وبالرغم من أنّه من المسلّم به ـ في العصر الحاضر على الأقل ـ أنّه لم يُر في المختبرات والمشاهدات اليوميّة أن موجوداً حيّاً يتولد من موجود ميّت، بل تتولد الموجودات الحية دائماً من البيوض أو البذور أو نطف الموجودات الحية الأُخرى، غير أن الثابت علمياً والمسلّم به أنّه كانت الأرض في البداية قطعة ملتهبة من النّار، ولم يوجد عليها أي موجود حي، ثمّ وفقاً لظروف خاصة لم يكتشفها العلم ـ حتى الآن ـ بصورة دقيقة، تولدت الموجودات الحية من مواد لا روح فيها بقفزة كبيرة:: لكن هذا الموضوع وفي الظروف الفعلية للكرة الأرضية: وحيث أنّ العلم البشري لم يتوصل إليه، فلم يشاهد هذا الموضوع (وبالطبع يحتمل أن تتحقق هذه القفزة الكبرى في أعماق البحار والمحيطات في بعض الظروف الحالية).
 
جاء في رحاب نهج البلاغة عن الطباق والمقابلة في خطب الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة (دراسة بلاغية دلالية) لأول للكاتب رضاته حسين صالح: ومن خطبة له في ذكر المكاييل والموازين قال فيها (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به) فعدل عن الأسلوب الاستفهامي الإنكاري إلى أسلوب إنشائي اعتمد فنين من فنون البديع هما الموازنة والطباق متحققان بالنسق الواضح من التركيبين ومن الألفاظ (الآمرين – الناهين) (المعروف – المنكر) (التاركين له – العاملين به) والمشتركة بعامل واحد وهو لعن العائد الى الله جل وعلا (ومن قوله عليه السلام ظاهر الذم بالقول لعن). وقال في موضع آخر (دعاهم ربهم فنفروا وولوا ودعاهم الشيطان فاستجابوا واقبلوا). فالمقابلة واضحة بين (دعوة ربهم ودعوة الشيطان) (نفروا واستجابوا وولوا واقبلوا). وتتجلى المقابلة بشكل واضح في قوله (وكل نبات لا غنى به عن الماء، والمياه مختلفه فما طاب سقيه طاب غرسه وحلت ثمرته وما خبث سقيه خبث غرسه وامرت ثمرته). وقال واعظا لقومه مذكرا الناس بنفسه: (أيها الناس إني والله ما أحثكم على طاعة إلا واسبقكم إليها ولا أنهاكم عن معصية إلا واتناهى قبلكم عنها). ابتدأ قوله عليه السلام بالنداء لتنبيه السامعين إلى ما يقول ثم تلا ذلك التوكيد بعدة أساليب منها ان والقسم، والقصر بما + إلا ليؤكد ما يطرحه من عظم صفاته وجلال خلقه ليكون قدوه حسنه لهم فهو لا يحثهم على طاعة الا وهو سابقهم إليها ولا ينهاهم عن منكر الا وهو قد تناهى قبلهم عنه عبر عن هذه الفكرة متخذا من المقابلة وسيلة للتعبير حيث قابل بين ثلاثة أمور هي (احثكم – أنهاكم) (طاعة ومعصية). 3- النوع الثالث ما كانت فيه المقابلة بين أربعه معان منها قوله: (وإن من أبغض الرجال إلى الله لعبدا وكله الله الى نفسه جائرا عن قصد السبيل سائرا بغير دليل ان دعي إلى حرث الدنيا عمل وإن دعي إلى حرث الآخرة كسل كان ما عمل له واجب عليه وكان ماونى فيه ساقط عنه). صورتان مختلفان عبر عنهما بالمقابلة (لان في مقابلة الأضداد يبرز المعنى وقد قيل والضد يظهر حسنه الضد). فقد قابل بين أربعة معان هي (حرث الدنيا / حرث الآخرة) (عمل – كسل) (ما عمل – ماونى) (واجب عليه / ساقط عنه) وهي جمل جاءت عفو الخاطر أظهرت قدرة فائقة على تمييز الأشياء وبيانها تعتقل المعاني وتحسبها وتحرم الكلام من رونق السلامة والسهولة). لم الحظ فيها تتبعه من خطب الإمام عليه السلام مقابلة خمسة معان مع خمسة معان أخرى ويبدو أن الغالب على ما ورد من المقابلة هي مقابلة معنيين ثم تلتها مقابلة ثلاثة معان واقلها ما كانت أربعة معان بل هي نادرة جدا (ولذا فاننا لا نملك إلا أن نعجب بأولئك الذين يقدرون على التصرف بمفردات اللغة والإتيان بها متناظرة متقابلة على هذا النحو الانتقائي الذي يفي بالقصد وينبي عن حسن جمالي راق).
 
عن صفحة أساتذة العربيّة بباجة: بلاغة الطّباق: 1- الدلالة على المفارقة والصّراع مثل الخير والشّر 2- الدلالة على العموم والشمول مثل الشرق والغرب 3- الدلالة على التكامل مثل الذّكر والأنثى 4- الدلالة على كمال القدرة مثل الإحياء والإماتة. 5- توكيد وتوضيح المعنى وتقويته لأن الأشياء بأضدادها تُعرف. التقابل بين معنيين يكون تقابلا حقيقيّا أو مجازيّا أو خفيّا أو على سبيل الإيهام. 2- لا يشترط كون اللّفظين المتقابلين من نوع واحد (اسمين أو فعلين أو حرفين)،وإنّما يشترط التقابل في المعنى فقط. 3- أقسام التقابل: تقسّم الألفاظ المختلفة في المعنى بحسب معانيها إلى عدة أقسام،أهمها التقابل والمتقابلان هما المعنيان المتنافران اللذان لا يجتمعان في مكان واحد، وزمان واحد،ومن جهة واحدة. أولا:التقابل الحقيقيّ هو أربعة أنواع: أ- تقابل التناقض: - النقيضان فيه هما أمران أحدهما موجود والآخر معدوم،ووجود أحدهما ينفي وجود الآخر، مثل: إنسان ولا إنسان وكريم وغير كريم. - هذان الضّدان لا يمكن اجتماعهما أي لا يمكن أن نقول:خالد كريم وغير كريم ولا يمكن أن ينتفيا معا فلا بدّ من وجود أحدهما. ب- تقابل التضاد: - الضدّان فيه هما أمران موجودان (صفتان) يتعاقبان على موضوع واحد،مثل:الأسود والأبيض والحارّ والبارد. - هذان الضّدان لا يمكن اجتماعهما في ذات واحدة في زمان واحد فلا يعقل أن يكون الماء باردا وحارّا في نفس الوقت. - هذان الضدّان يمكن أن ينتفيا معا فلا يكون الماء باردا أو حارّا بل فاترا أو دافئا. - تصوّر أحدهما لا يتوقف على تصوّر الآخر،فيمكن أن تتصوّر أنّ الماء بارد،من غير أن تتصوّره حاراً. ج- تقابل الملكة وعدمها: - المتقابلان فيه أمران أحدهما موجود والآخر معدوم مثل البصر والعمى،فالبصر ملكة والعمى عدم البصر،فلا يقال للحجر مبصر ولا أعمى لأنه لا يمكن أن يكون مبصراً ولا يملك قابلية الإبصار. - الملكة وعدمها لا يجتمعان، فلا يمكن أن يكون الإنسان مبصراً وأعمى في نفس الوقت. - الملكة وعدمها يجوز أن ينتفيا،وذلك في الشيء الذي لا يقبل تلك الملكة،فالحجر لا يقبل ملكة البصر،ولهذا لا يتصف بالعمى أو بالبصر. د- تقابل المتضايفين: - المتقابلان أمران وجوديان مثل الأب والابن،تصوّر أحدهما يتبعه تصوّر الآخر (أي إذا وجد أحد المتضايفين وجد الآخر بالضرورة)،فإدراك أن هذا أب يعني أنّ له ابنا، وإدراك أنّ هذا أبن يعني أن له أبا. - المتضايفان لا يجتمعان من جهة واحدة في وقت واحد،فلا يمكن أن يكون عمر ابناً لخالد وأباً لخالد نفسه أيضاً،ولكن قد يجتمعان من جهتين فخالد أب لعمر،وخالد ابن لعبد الله،فخالد هو أب من جهة عمر،وابن من جهة عبدالله. - المتضايفان يجوز أن ينتفيا، فاللَّه عزَّ وجلّ لا هو أب ولا هو ابن. 
 
جاء في موقع براثا عن مجلس حسيني - رأي القرآن بما يجري للميت للشيخ عبد الحافظ البغدادي: ما هي المؤثرات التي تسببّ العديلة؟ اولا: ترك الحج مع الاستطاعة يقول تعالى: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" (ال عمران 97) هل هم المسلمون فقط أم سائر الناس، وإن كان الخطاب للمسلمين فقط فلماذا لم يخاطبون بلفظ المسلمين؟ المراد هنا جميع الناس، كلهم واجب عليهم الحج لكن بشرط الإسلام، (مع الاستطاعة) ومن لم يعير اهمية مع الاستطاعة يصفه بالكفر (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين). ثانيا: الحيف بالوصية: لو أوصى بالكلام أو بالإشارة دون أن يكتب فهل يجزي أم لا بدّ من الكتابة؟ يكفي في ثبوت الوصيّة (كلّ ما دلّ عليها) سواء من صريح أو غير صريح، أو إشارة، أو كتابة بخطّ يده،او مذيّلة بتوقيعه بحيث يراد منه تنفيذ العمل بعد موته. وتثبت الوصيّة بشهادة عدلين من الرجال أو شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين أو أربع نساء. وتثبت بما يفيد الاطمئنان بصدورها عن الموصي، كما لو كان هناك تسجيل بصوته - مع صورته أو بدونها بشرط أنّه خال من التزوير، اما اذا كانت مكتوبة بخطّ يده، وتحمل توقيعه ويطمئن أنها صادرة عنه، حتّى بدون شهود. وإذا اوصى بتاريخين مختلفين المتأخرة تبطل الاولى القديمة. ثالثا: عقوق الوالدين. تعريف عقوق الوالدين هو إغضاب الوالدين، وعدم برّهما والإحسان لهما، (ويشمل العقوق أيضاً التقصير في أداء حقوق الوالدين على الابن، والإساءة إليهما) وهو كلّ فعل أو قول يخرج من الأبناء يؤذي الوالدين إيذاءا بالغا وعرف البعض أنّ العقوق هو عدم طاعة الولد أبويه أو أحدهما، وعصيان أوامرهما، رابعا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (شَارِبُ الخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ وَشَارِبُ الخَمْرِ كَعَابِدِ اللات والعزى) وقالَ صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثةٌ حَرَّمَ الله عَلَيْهِمْ الجَنَّةَ: مُدْمِنُ الخَمْرِ والعاقُّ والدَّيُوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أهْلِهِ الخبث). أما ابرز الأعمال التي تثبت الإيمان في قلب الإنسان وتفيده عند العديلة هو الدعاء، فقد ورد أن الإمام الحسين عليه السلام كان يداوم على ذكر الدعاء أثناء سجوده في صلاة الليل: "يا كائن قبل كل شيء ويا مكون كل شيء لا تفضحني فإنك بي عالم ولا تعذبني فإنك عليّ قادر، اللهم إني أعوذ بك من العديلة عند الموت ومن شر المرجع في القبور ومن الندامة يوم القيامة) وكذلك المواظبة على دعاء "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" ثم المواظبة على تسبيحة الزهراء عليها السلام. والمحافظة على أوقات الصلوات.ودعاء الإمام الصادق عليه السلام: (رضيت بالله رباً وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا وبالقرآن كتابا،وبالكعبة قبلة وبعليّ إماما، وبالحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام.. أأمتي وموالي فارضني بهم وأرضهم بي إنك على كل شيء قدير). وهناك دعاء يسمى دعاء العديلة. في نهج البلاغة.
 
 
 
 
 
 
محرر الموقع : 2024 - 04 - 21