القوى السياسيّة لا ترغب بانسحاب القوات الأميركيّة لكنها متخوّفة من اتخاذ موقف صريح
    

تجيب القوى السياسية بتردد حول ما إذا كان بقاء القوات الأميركية في العراق ضرورياً بعد هزيمة داعش؟ بل حتى تصريحات الحكومة الأخيرة التي خرجت للردّ على أخبار مغادرة تلك القوات لم تعط جواب شافٍ.
ويرى سياسيون أن أغلب الجهات في العراق حتى الشيعية منها، لا ترغب بانسحاب ثانٍ للقوات، لكنها لا تستطيع أن تصرح بذلك بشكل علني خوفاً من رأي الشارع وإيران وقرب موعد الانتخابات.
وتربط أطراف سياسية ما حدث في صيف 2014 عندما سيطر التنظيم المتطرف على مساحة 200 ألف كم مربع وهي نصف مساحة البلاد تقريبا، وبين عملية الانسحاب الأولى للقوات الأميركية.

 

الاتفاق الستراتيجي الذي أبرم في 2008 بين بغداد واشنطن، كان قد أفضى الى إجلاء القوات نهاية 2011، وهو قرار ربما لم يكن نابعاً من الداخل العراقي- على الرغم من تجيير بعض القوى الشيعية ما حدث لصالحها- أكثر مما كان ضمن خطة الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما الذي وعد ناخبيه بتقليص قواته في العراق وأفغانسان.
بعد ذلك التاريخ، شهدت البلاد حالة من التراجع الامني والخصام السياسي، عقب مرحلة وصفت بمرحلة"الامن الهش أو النسبي"في عام 2009، حتى بلغ ذروة الانحدار الامني في وقوع المدن بيد داعش في حزيران قبل 4 سنوات.
وكانت كل المؤشرات في ذلك الوقت، تؤكد وجود حالة من الفوضى والفساد التي عمت المنظومة العسكرية، والتي كانت تنذر بخطر وشيك. كما ازداد شكوى السكان، خاصة في المناطق الغربية والشمالية من تصرفات القوات الامنية، وشهدت مصادمات بينها وبين محتجين ضد سياسة الحكومة السابقة في الحويجة والرمادي.
وتظهر الحاجة لبقاء القوات الاميركية الآن، الى عدم زوال خطر داعش بشكل نهائي من داخل البلاد ومن محيطه أيضاً، فضلا عن عدم استكمال القوات العراقية كلّ قدراتها وخاصة في ما يتعلق بالغطاء الجوي والاستخبارات.
ومؤخراً قالت تقارير غربية إن التنظيم في سوريا يتحين الفرص ويستغل الفوضى هناك للعودة من جديد. وكان التنظيم المتطرف، قد ظهر في الدولة المجاورة قبل أكثر من عام قبل ان ينتقل الى العراق.
وبدأ الامر حين شكلت جبهة النصرة، التي تقول التقارير الاجنية إنها باتت الآن أقوى من داعش، في عام 2011 في سوريا، ثم أعلن في نيسان 2013 إقامة"الدولة الإسلامية في العراق والشام"(داعش).
لكن تلك التحذيرات ترفضها الجبهة المعارضة لبقاء القوات الاميركية في العراق، وهي أجنحة أغلبها مسلحة وقريبة من إيران، قد يصل عددها الى أكثر من 10 أجنحة، التي تعتبر تلك التقارير بأنها تهدف الى بث الرعب وتخويف العراقيين للتمسك ببقاء القوات الاجنية. وتزعم هذه الجهات بأن واشنطن هي من اختراع داعش بالتعاون مع إسرائيل.
ويقول تقرير أمريكي صدر عقب الجدل الذي أثير الاسبوع الماضي عن إمكانية مغاردة القوات الغربية العراق، إن القوات تعمل على"بقاء دائم"عبر سلسلة من التغييرات، قد تتضمن سحب بعض الأسلحة الثقيلة.
وتدعم واشنطن بقاءها في العراق بتوقعات أن يتحول عمل التنظيم المتطرف بعد هزيمته العام الماضي، الى"تكتيكات المتمردين"، وتنفيذ هجمات إرهابية رفيعة المستوى في البلاد.
ويقول العميد جوناثان براغا مدير عمليات التحالف الدولي إن"الائتلاف سيكيف قواته بالتشاور مع شركائه العراقيين من أجل ضمان هزيمة داعش".
ويقدر التحالف أن داعش فقد 98 في المئة من الأراضي في العراق وسوريا التي كان يسيطر عليها سابقاً كجزء من الخلافة التي أعلن عنها.
وأكد براغا لمحطة (abc) الامريكية قبل أيام:"يتضح لنا أن العدو مازال قادراً على القيام بعمل هجومى ويحتفظ بالقدرة على التخطيط لهجمات في جميع أنحاء العالم".
وما يزال بضعة آلاف، من مقاتلي داعش في الصحراء الشرقية من سوريا، بحسب التحالف الدولي، يواصلون القتال ضد القوات الكردية والعربية المدعومة من الولايات المتحدة.


تكرار الخطأ
بدوره يدعو محمد نوري عبد ربه عن تحالف القوى، وهو أكبر مظلة سياسية للسُنة في العراق، الى التعامل بواقعية مع خطر داعش، الذي يعتقد بأنه مازال يهدد العراق من الداخل والخارج.
وقبل أيام تمكنت القوات الامنية من محاصرة امرأة ترتدي حزاماً ناسفاً، في الطارمية 20 كم شمال بغداد، قبل أن تفجر نفسها في إحدى المدارس. كما هاجم انتحاريان الشهر الماضي عمالاً بالأجر اليومي في ساحة الطيران وسط بغداد، وتسببا بقتل وجرح نحو 100 شخص.
ويؤكد عبد ربه وهو نائب عن الموصل، في حديث مع (المدى):"مازال التنظيم متربصاً خلف الحدود وموجوداً في المناطق الجبلية بالعراق، كما توجد خلايا نائمة في الداخل".
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي، قد أعلن في كانون الاول الماضي، هزيمة"داعش"من البلاد بعد نحو 3 سنوات من الحرب ضد التنظيم.
وقال العبادي للصحفيين في بغداد، يوم الثلاثاء الماضي، إن هناك خطة لخفض عدد قوات التحالف تدريجياً، لكنه أضاف إن"الخطر ما زال موجودا في سوريا وإن العراق بحاجة لتغطية منطقة كبيرة من الجو ملاصقة للحدود". ولم يرد العبادي على سؤال بشأن تهديدات محددة.
وقال متحدث باسم الحكومة العراقية يوم الإثنين الماضي، إن القوات الأميركية بدأت خفض أعدادها لكن جزءاً منها سيبقى.
بالمقابل تشير تصريحات قيادات التحالف الدولي الى أن التغييرات في شكل القوات قد يكون لضمان الحصول على أفضل قوة متاحة لمهمة حفظ الامن في العراق.
ويقول براغا قائد عمليات التحالف في شهادته الاخيره للقناة الاميركية:"إننا سنحتفظ بكمية مناسبة من القدرات فضلا عن وجود استشاري لمواصلة التدريب وتقديم المشورة وتجهيز شركائنا في استمرار القتال ضد داعش، بموافقة حكومة العراق".
وتؤكد قوات التحالف أنهم"ضيوف في العراق"، وأنهم سيركزون في المرحلة المقبلة أكثر على الشرطة وسيراقبون الحدود ويعملون على بناء القدرات العسكرية لمتابعة داعش"في الوقت الحالي ومستقبلا".
وذكر بيان صحفى للتحالف الأسبوع الماضي، أن الوجود العسكرى الاميركى الدائم في العراق سيكون مرتكزا على الظروف و"يتناسب مع الحاجة وبالتنسيق مع حكومة العراق".
ولم يكشف البيان عما إذا كانت إعادة تنظيم القوات الأميركية قد تؤدي الى خفض عدد القوات في المستقبل. وأشارت سجلات الجيش الأمريكي التي نشرت في الخريف الماضي، الى انه قد يكون هناك ما يقرب من 9 آلاف جندي أميركي في العراق يساعدون في مهمة تقديم المشورة والمساعدة مع الجيش العراقي.
وبالرغم من هذه المعلومات فإن الجيش الأميركي يشير الى أن العدد الرسمي للقوات الأمريكية في العراق ربما يقرب من 5262.
وساعد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة القوات العراقية على استعادة أراض سيطر عليها"داعش"في عامي 2014 و2015 بتقديم دعم جوي ومدفعي في معركة استعادة الموصل وتدريب عشرات الآلاف من جنود القوات الخاصة العراقية.
من جهته يقول عبدالرحمن اللويزي، النائب عن نينوى لـ(المدى)، إن رئيس الوزراء استخدم"سياسة ناعمة"في تعامله مع التواجد الأمريكي في العراق، بهدف عدم استفزاز شركائه من الشيعة الذين يرفضون التواجد الأمريكي.
ويعتقد المسؤولون في المدن التي كانت محتلة من داعش، أن الولايات المتحدة ستبقى لوقت أطول في القواعد العسكرية، إذا ما قررت تعزيز وجودها بعدد أكبر من القوات الحالية لتنفيذ ستراتيجيتها التي أعلنت عنها بعد مجيء"ترامب"الى السلطة لمواجهة إيران ونفوذها في العراق.
وتنتشر القوات الأمريكية في عدد من القواعد العسكرية، وهي قاعدة"فيكتوري"في مطار بغداد و"التاجي"شمال العاصمة، وقاعدة بلد الجوية في صلاح الدين، وقاعدة قيارة (جنوب الموصل)، وقاعدة أربيل،بالإضافة الى قاعدتي الحبانية، وعين الاسد في غرب الانبار، فيما تشير مصادر الى وجود قواعد جديدة أنشئت في القائم، ووسط الصحراء الغربية، كما تتواجد في مطار الصديق في طوزخرماتو.
وتعمل قوات التحالف في العراق منذ 2014 بدعوة وموافقة رسمية من قبل بغداد لمواجهة داعش.
إلى ذلك يقول عضو في لجنة الأمن النيابية، وكان مترددا بالتعليق على الموضوع: إن"هذا الأمر يحتاج الى رجل لديه إمكانية لإلقاء شعارات ثورية ضد أميركا، لكنها في الواقع غير صحيحة".
ويعتبر النائب الذي طلب عدم ذكر اسمة في تصريح لـ(المدى)، ان أغلب القوى السياسية وحتى الشيعية لا تقول الحقيقة في ما يخص القوات الغربية في البلاد. 
وأضاف:"هناك تدخل كبير من أميركا وإيران في القرار السياسي العراقي، وهما يتحكمان في أغلب المواقف".


ضغط الانتخابات
ويأتي الرد والأخذ في موضوع مغادرة القوات الامريكية، في وقت تستعد فيه البلاد لخوض الانتخابات البرلمانية الاولى بعد هزيمة داعش.
ويقول النائب عبد ربه:"لانريد أن نعيد الخطأ السابق بقرار سحب القوات، هذه المرة يجب التريث والابتعاد عن أي حسابات سياسية أو انتخابية". فيما يعتبر تصريحات الحكومة عن خفض الأعداد بانه ربما"يتعلق بحجم الحمايات المتواجدة مع المستشارين".
ويرجح مراقبون أن العبادي بطرحه"خطة خفض القوات"يبحث عن مكاسب انتخابية جديدة، للتقرب من بعض المعترضين الشيعة وخاصة القوى القريبة من"الحشد الشعبي"على تواجد تلك القوات.
في غضون ذلك يفضّل كريم النوري، عضو منظمة بدر أحد تشكيلات الحشد الشعبي، في تصريح لـ(المدى) عدم طرح هذا الموضوع في هذا التوقيت، لانه"يستفز الشارع ويستخدمه البعض من أجل الدعاية الانتخابية أو تسقيط بعض الشخصيات".
وكانت بعض قوى"الحشد"مثل كتائب حزب الله، قد كررت تهديدها بمهاجمة القوات الأمريكية. وقال جعفر الحسيني المتحدث باسم الكتائب في لقاء متلفز الاسبوع الماضي،"نحن جادون في عملية إخراج الأمريكان بقوة السلاح لأن الأمريكان لا يفهمون إلّا هذه اللغة".
وكان الفصيل الاخير قد هدد بمهاجمة القوات الأمريكية عدة مرات من قبل،ووصف وجودها في العراق بأنه احتلال. كما تؤيد مجاميع أخرى مثل عصائب أهل الحق، والنجباء، وسيد الشهداء، مواقف الكتائب في الوقوف ضد القوات الاميركية.
وتعتقد تلك الجهات أن القوات الامريكية تدعم"داعش"، كما ذكرت أكثر من مرة أنها شاهدت الطائرات الغربية وهي تلقي المساعدات والأسلحة للتنظيم في مناطق قريبة من ساحات القتال.
ويؤكد نيازي أوغلو، وهو نائب تركماني شيعي، في تصريح لـ(المدى) أن هناك شهود عيان أكدوا قبل شهرين"نزول طائرات (شينوك) أميركية الى مناطق تواجد المسلحين خلف جبل طوزخرماتو، وبقوا هناك لمدة ساعتين".
ومؤخراً، ظهرت تهديدات من جماعة مسلحة تطلق على نفسها (الرايات البيضاء)، في مناطق التماس بين القوات الاتحادية والبيشمركة قرب كركوك.
ويعتقد أوغلو وهو عضو في لجنة الامن النيابية أيضاً، أن أميركا تلملم ما تبقى من داعش لتجد مبرراً لبقائها في العراق.
لكنّ منظمة بدر التي يدير إحدى قياداتها وزارة الداخلية وهو قاسم الاعرجي، تبدو متفهمة لبقاء المستشارين والمدربين الغربيين في العراق، لكنها تخشى وجود قوات مقاتلة على الارض.
ويقول كريم النوري: إن"وجود المستشارين تحدده الحكومة، لكنّ بقاء قوات أميركية سيؤدي الى انقسام مجتمعي، كما سيعطي مبرراً لمن يريد أن يستهدف تلك القوات بالمجيء إلى العراق".
وكانت بعض قوى الحشد، قد انتقدت توجيه التحالف ضربات جوية على أهداف عسكرية وأصابت مدنيين، كما حدث في ناحية البغدادي الشهر الماضي، لذا يقول النوري:"لا نريد أن تكون القوات الاجنبية قريبة من مواقع القتال حتى لا يحدث مثل تلك الأخطاء ويفتح باب الجدل حول تواجدها".


مهمة القوات
وتصر الحكومة منذ سنوات، على أن القوات الاجنبية المتواجدة في العراق، غير قتالية وتنحصر مهامها بتقديم الاستشارات العسكرية.
وكانت بعض التصريحات والمواقف، خلال عمليات التحرير قد اشارت الى مشاركة القوات الاميركية في الحرب ميدانياً، لكن لم يثبت أي من تلك الادعاءات بشكل قاطع.
وخلال معارك تحرير الموصل، أعلن النائب عن نينوى أحمد الجبوري، عن مقتل عسكري أمريكي بالمعارك الدائرة هناك.
وأكد الجبوري في أيار 2017، أن"القوات الأميركية الموجودة على الأرض هي قتالية وليست استشارية"، فيما رجح وقتذاك وجود اتفاق غير معلن مع الحكومة العراقية على تواجد قوات برية أميركية ضمن التحالف الدولي ولم يتم اطلاع النواب على تفاصيل هذا الاتفاق.
كما رجح بعض شيوخ العشائر في الانبار أثناء معارك تحرير الرمادي نهاية 2015 وجود قوات غربية على الأرض تقاتل الى جانب العراقيين.
وقالوا حينذاك لـ(المدى)، إنه"أثناء المعارك التي تجري في الليل لا يمكن تمييز القوات العراقية عن الاميركية"، في إشارة إلى إمكانية مشاركة الاخير ميدانياً في حرب التحرير.
وعلى الرغم من تكل الاعتراضات على التواجد الغربي، ما تزال قدرات القوات العراقية محدودة، وبحاجة الى دعم القوات الغربية خاصة في مجال التصوير الجوي.
ويقول إسكندر وتوت، وهو عضو آخر في لجنة الامن في البرلمان لـ(المدى) إن"العراق بحاجة الى الاستطلاع الجوي، وأمريكا لديها تصوير جوي لا مثيل له في العالم".
ويستعد العراق لإعادة هيكلة الجيش، بحسب مناطق التهديد التي يتعرض لها، وإعداد خطة طويلة المدى للتحول الى امتلاك قدرات الردع، وهو أمر قد يحتاج فيه الى دعم القوات الغربية.
ورجع عديد القوات العراقية بعد عمليات الترميم الاخيرة، التي أعقبت سقوط الموصل، الى الحجم السابق الذي كان موجوداً بعد حرب الخليج الثانية عام 1991.
ويقول عبدالكريم خلف، وهو لواء عسكري سابق، إن"قواتنا الآن أقل من 20 فرقة عسكرية، وهو العدد السابق بين أعوام 1993 ـــ 2003".
ويؤكد خلف لـ(المدى) أن"لدى العراق الآن قوة جوية وطيراناً للجيش مكتملاً بنسبة 90%، بالاضافة الى قوات برية بإمكانية متطورة".
كما يقول الخبير العسكري إن "قواتنا لديها احتياطي من العتاد يكفينا لمدة 3 سنوات قادمة". إلا انه يضيف إن القوات مازالت بحاجة الى التسليح وإعادة الهيكلة بحيث تكـــــــون لدينا قوات خاصة في الجبال وأخرى بالصحراء.



 
محرر الموقع : 2018 - 02 - 11