هل تكسر “برلين” ظهر “ترامب” و تحُدّ من تهديد الامن الدولي؟‎
    

قال المتحدث باسم الخارجية الالمانية راينر برويل انه “بالنسبة لنا لا يزال واضحا أن أولويتنا العليا تتمثل في الحفاظ على الاتفاق النووي، وتطبيقه الكامل من قبل جميع الأطراف”.
بات تحديد مستقبل النووي الايراني في ظل مساعي الرئيس الامريكي ” ترامب ” هو الشغل الشاغل للكثير من العواصم العالمية لما لالغاء هذا الاتفاق من تبعات خطيرة دوليا وعالميا تتطلب تحديد موقفا تجاه مستقبله بالضرورة خصوصا من العواصم المعنية به بشكل مباشر .
ترفض روسيا والصين الخوض في مسألة الغاء الاتفاف النووي الايراني بشكل قاطع بمقابل موقف امريكي دافع باتجاه الالغاء وموقف فرنسي وبريطاني لازال رافضا وان كان متعاطيا مع مساعي ” ترامب ” للالغاء ، بينما جاء الموقف الالماني في صف عدم الغاء الاتفاق النووي بشكل مباشر وواضح وصارم .
امام المواقف التي هي في مجملها رافضة لرغبة ” ترامب ” الغاء الاتفاق النووي بما في ذلك حلفائه الغربيين – بريطانيا وفرنسا – تحاول الولايات المتحدة ” جرجرت ” الاخرين اوروبيا للخوض في مستقبل الاتفاق بالحديث عن ضرورة ” تعديله ” ، وهو امر تعمل عليه ادارة ” ترامب ” بفتح نقاش في هذا الاتجاه مع فرنسا وبريطانيا ، وهي حيلة امريكية المراد منها جمع عدد من الشركاء مع الولايات المتحدة لتبني فكرة ” التعديل ” التي بطبيعتها ستقابل بالرفض من قبل ايران و روسيا و الصين ما يجعل الاقدام على خطوة الالغاء اسهل منها لو تمت بشكل مباشر ، اي ان المراد هو اخراج قرار الالغاء كرد فعل على رفض ايران ” التعديل ” وليس كرغبة للادارة الامريكية بصورة مجردة متصادمة مع القانون بشكل مباشر .
المانيا كادارة شريكة في الاتفاق النووي ومميزة كدولة اوربية ذات ثقل وكذلك كدولة تمثل الاتحاد الاوربي بات تحديد موقفها ذو اثر قوي تجاه اي سير فيما يتعلق بالاتفاق النووي ، وفي حال تمكنت ” مراوغات ” الولايات المتحدة من جرها الى مربع النقاش حول ” تعديل ” الاتفاق فسيكون لذلك أثر مرجح في تبني فكرة ” التعديل ” من قبل دول اخرى لاعتبار ان المرونة الفرنسية و البريطانية ستتعز جدا بالقبول الالماني وسيتشارك الجميع – الولايات المتحدة و بريطانيا وفرنسا و المانيا – هذا التوجه وحينها ستكون المانيا قد وقعت في المصيدة ووضعت موقفها وموقف الاتحاد الاوربي برسم نوايا و مغامرات ” ترامب ” لاخراج هدفه انطلاقا من رفض فكرة التعديل .
ترى المانيا ان الاتفاق النووي الايراني هو اتفاق كامل و كافي ويجعل التطوير النووي من قبل ايران تحت المجهر وان اجراءاته وضوابطه كفيلة بان تمنع تطوير ايران برنامجها لانتاج سلاح نووي ، خصوصا في ضل صورة لدى المانيا بان ايران متعاونة في هذا الجانب كما يجب و سبق ووقعت المانيا وايران اتفاقا في جانب الامن النووي ، ولم تقدم الولايات المتحدة ما يقنع المانيا بالحاجة لاجراء تعديلا على الاتفاق .

بالنسبة لالمانيا ليست المسألة اثر الغاء الاتفاق او عودة الجدل حوله على الامن و السلم الدوليين و اعادة فتح نقطة شغلت السياسات الدولية بشكل كبير قبل اغلاقها بالاتفاق النووي – وان كان هذا الامر يأتي في الصدارة – وانما ايضا ترى ان الغاه سيترتب عليه إضرار مباشرة على المانيا وعلى الاتحاد الاوربي ، فحجم التعاملات التجارية التي بين المانيا و الاتحاد الاوربي بعد الاتفاق ورفع العقوبات الاقتصادية على ايران بموجبه في نمو ملحوظ و لن تكون المانيا مستعدة للتضحية بمصالحها ومصالح الاتحاد الاوربي فوق ما يتبع الغاء الاتفاق من تهديد للامن و السلم الدوليين .
يراوح الاتفاق النووي حاليا في لحضة مهمة و حوله سجال عال وفي اهم عواصم العالم المعنية و المهلة التي منحها ” ترامب ” لحلفائه الغربيين – بريطانيا وفرنسا – تشارف على النفاذ و تهديدات ” ترامب ” ترتفع وبالمقابل تلويحات ايران فيما يتعلق بالرد حادة كذلك وموعد اتخاذ القرار المحدد من ” ترامب ” يقترب ، وفي خظم هذا السجال المتزايد يكتسب الموقف الالماني اهمية متزايدة ، فموقف بريطانيا وفرنسا يناور بين موقف الولايات المتحدة الساعي بتطرف للالغاء وبين موقف روسيا و الصين الرافض له او ” للتعديل ” ويصبح الموقف الالماني هو الموقف الوازن حاليا و الذي اذا مال باتجاه ” مراوغة ” ترامب ” فسيفتح الباب جديا و بقوة على مستقبل خطِر للاتفاق النووي الايراني بينما سيضل مستقبله اقل مخاطرة في حال ظلت المانيا متمسكة به و عززت من موقف الصين وروسيا في هذا الجانب .
ما يمكن وصفه ” بالملاينة ” لفرنسا و بريطانيا تجاه مساعي ” ترامب ” لالغاء الاتفاق النووي منشأها التشارك في السياسات الخارجية للعواصم الثلاث – وهو انعكاس للنفاذ الصهيوني داخل هذه الادارات – الذي يقامر بالاتفاق النووي لصالح السياسات الخارجية العدائية بشكل متطرف تجاه ايران ، وبالتالي فهذه العواصم تعي ان التعرض للاتفاق النووي مسألة غير ايجابية امنيا بالمطلق وان من الواجب الحفاظ عليه لكنها تخضع للموثرات السياسية على ادارتها الدافعة باتجاه استخدام الاتفاق للسجال مع ايران ، وبين الدافعين الامني و السياسي تساير فرنسا وبريطانيا الولايات المتحدة في حدود الهامش المتاح .
تظل المانيا هي العاصمة الاوربية الاقل تأثرا بالدور الصهيوني على السياسات الاوربية و تتسم سياستها بالمهنية و القانونية على الوجه الاغلب ، ولذلك فتحديد موقفها من الاتفاق النووي الايراني منطلق من كونه مكسب امني عالمي لا يجب التفريط فيه لصالح سياسات دولية لا تلتقي المانيا مع العواصم الثلاث – واشنطن ، لندن ، باريس – فيها و بالتالي لن يكون قرار المانيا بالمطلق في صالح توسيع ” هامش ” مجاراة لندن و باريس لواشنطن فيما يتعلق بالاتفاق النووي .
هذا الاستيعاب الالماني لملابسات التعاطي مع ” جلبة ” مستقبل الاتفاق النووي بداية بمدخل ” التعديل ” و كذلك استيعابها لاثره الايجابي و الاثر السلبي لالغاءه على الامن و السلم الدوليين وكذا الاضرار المباشر على مصالح المانيا و الاتحاد الاوربي الاقتصادية في حال الغاه وبالاضافة الى السلوك المحوري لالمانيا بالتزام القانون وليس التكسير فيه ، كلها هي التي شكلت الموقف الالماني الصارم تجاه مايجري بخصوص الاتفاق النووي الايراني وهو ما عبرت عنه الخارجية الالمانية بان الاتفاق النووي الايراني ( غير قابل للمراجعة ) ولتزيد من ورطة فرنسا وبريطانيا تجاه ضغوط ” ترامب ” المستندة على التشارك السياسي و المصتدمة مع الالتزام الامني و القانوني .

محرر الموقع : 2018 - 04 - 27