*السيستانية ونزعة الائتلاف والاختلاف*
    

 

كانت مفاجأة للمثقفين اكتشافهم ان فقيها كبيرا يستعير مفهوم ومصطلح التعايش السلمي  في الدرس الفقهي لحل اشكالية اختلاف التشريع والتقنين بين المذاهب الاسلامية ،والذي ينعكس خلافا اجتماعيا وقانونيا وسياسيا .بما يؤسس لمعضلة التعارض والصراع النفسي والاجتماعي والسلطوي في المجتمعات والدول ذات البنية المجتمعية المتعددة مذهبيا ودينيا .
 
في عام 1987 وفي سياق بحث قاعدة الالزام الفقهية  ،كان السيد السيستاني يلقي درسه على طلبته ليلا في ايام شهر رمضان ،ليصل الى نتيجة مفادها ان التعامل بين الامامي وغيره في موارد الخلاف الفقهي لاتنحصر في قاعدة الالزام الشهيرة عند الفقهاء ،بل عنده (السيستاني )ينبغي ان تتأسس (على قانون أخر غير قانون الالزام ،وهذا القانون هو قانون الاحترام المتبادل فيما اذا كان بناء المجتمع المتشكل من الاديان والمذاهب المختلفة ،على التعايش السلمي ،فان ذلك يستدعي أحترام كل من الاطراف قانون الاخر )ص72، وفي موقع اخر من بحثه يقرر السيد السيستاني  :ان عدم الاحترام ينافي التعايش السلمي المشترك الذي هو اساس الذمة والهدنة والتعاون .ص73.
مثار الدهشة في هذا النص ،ان الفقيه السيستاني (قبل ان يصبح مرجعا)كان ينظر في بحثه الى واقع المجتمعات الاسلامية التي يسود فيها التعدد المذهبي ،وكان اتجاهه في مقاربة القواعد الفقهية ،اتجاها تحديثيا كما لو انه كان يستشرف مستقبل الاجتهادات الفقهية وفاعليتها ومعقوليتها في معالجة مشكلات معاصرة  ومدى ملائمتها للواقع المتعدد ، في ظل اجواء خانقة ورتابة منهجية كانت تسيطر على حوزة النجف حيث لم  تكن يومها معنية بالتقنين لمجتمع مفتوح ونظام سياسي يعتمد الرؤية  الفقهية الاسلامية .
كان اجتهادا  اذن ينطلق من رؤية حديثة ومرتكزات سيظهر اثرها التجديدي لاحقا وهو ماحصل بالفعل بعد التغيير في العراق  عام 2003،فادارة مجتمعات تعددية تظل بحاجة الى انماط من الاجتهاد لاتتسع لها الرؤى التقليدية ،وهذا هو الذي ميز السيد السيستاني الذي نعيد اكتشاف رؤاه ونظرياته في لحظة احتدام ايديولوجي وسياسي ومجتمعي . 
الفائدة المتوخاة من هذه الاكتشافات انها ذات قيمة معرفية وسياسية ،تؤسس لما بعدها ، وربما تظهر قيمتها المستقبلية عندما تكون قاعدة للفهم المتجدد اذا تساقطت الرؤى المنغلقة واحتيج الى مفاهيم وقواعد ذات تأصيل بنكهة حديثة تلائم الواقع وتجترح حلولا لازماته المعقدة .
السيستاني يريد ان يتعامل الناس وفق قاعدة الاحترام المتبادل والتعايش السلمي ،وعلى اساس هاتين القاعدتين تتأسس علاقات التعاون والهدنة والذمة بين هذه الاطراف ،هل يبقى اثر  بعد هذا الموقف ،لتراث التكفير النظري والعملي ،الظاهر والباطن ،السري والعلني ، يسمم علاقات ورؤية المسلمين لذواتهم قبل ان يسيء لعلاقاتهم مع الاخر غير المسلم ؟ 
ان هذا التراث المتسامح هو ماينبغي البناء عليه لتجاوز موروث سلبي ،يتم استعادته لتفجير ازمات خطيرة بين الحين والاخر ،في مجتمعات هشة تحتاج الى الحكمة العملية .
ابراهيم العبادي - عمود الرأي لجريدة الصباح 
محرر الموقع : 2020 - 10 - 25