ماوراء خطاب ماكرون المعادي للإسلام؟
    

يبدو ان الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون مصر على ان يذهب في تحديه لمشاعر المسلمين الى مديات بعيدة، دون ان يحسب حسابا لما سيؤول اليه هذا الاصرار غير المبرر وغير المقنع،  حتى لقطاعات واسعة من الشعب الفرنسي والشعوب الاوروبية، من نتائج سيئة على علاقة فرنسا بالدول الاسلامية وعلى علاقة اتباع الديانات المختلفة في داخل فرنسا.

عندما يؤكد ماكرون انه لن يتنازل عن نشر الرسوم الساخرة والمسيئة للنبي صلى الله عليه واله وسلم، وانه سيقوم بنشرها على شكل واسع وان قراره في هذا الشان لا رجعة فيه،  واصفا الاسلام والمسلمين باشع الصفات، فهذا يعني ان الامر ليس كما يروج له ماكرون على انه مسألة حرية تعبير، المهددة من قبل المسلمين.

يرى المراقبون للمشهد السياسي الفرنسي ان الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون عندما يتخذ من جريمة قتل المعلم الفرنسي الذي عرض الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه واله وسلم على يد مراهق فرنسي من اصول شيشانية، ذريعة لطرح مشروع قانون جديد لمكافحة النزعات “الانفصالية” في بلاده، وعلى رأسه ما يُصطلح عليه بـ”الانفصالية الإسلامية”،  فانه يحاول سحب البساط من تحت اقدام الاحزاب اليمنية المتطرفة وكسب صوات انصارها خلال الانتخابات القادمة.

المعروف عن حزب ماكرون “الجمهورية الى الامام” هو حزب سياسي وسطي وليبرالي اجتماعي، أسسه ماكرون عام 2016، وغالبا من يقدمه على أنه حزب وسطي تقدمي، فكيف تحول الى حزب يميني متطرف يرفع شعارات عنصرية ضد المسلمين الفرنسيين قبل 18 شهرا فقط من موعد الانتخابات الرئاسية ، محملا اياهم تصرفات شاذة من بعض الاشخاص المنحرفين الذين لا يمثلون الا انفسهم، متناسيا في المقابل الاستفزاز الفج والوقح وغير المبرر والمريب المتمثل بإعادة نشر الصور المسيئة لملياري مسلم.

بات واضحا ان الغاية من وراء مشروع ماكرون الجديد والذي تم تبريره بانه ضروري ل”حماية قيم الجمهورية” ومحاربة الذين يريدون الانفصال عن قيم البلاد وفرض قيمهم، ومكافحة النزعات العنصرية، هي استقطاب  أصوات اليمين واليمين المتطرف من دعاة حماية الهوية الفرنسية والسيادة الثقافية، ومناهضة الهجرة والمهاجرين ولاسيما المسلمين..

التأثير السلبي لوباء كورونا على جميع نواحي الحياة في فرنسا وخاصة الناحية الاقتصادية وتردي العلاقة الفرنسية الامريكية، وما ترتب عن ذلك من فرض ضرائب امريكية على الصادرات الفرنسية، وتصاعد الخطاب الشعبوي اليميني المتطرف ضد المسلمين ليس في فرنسا بل في عموم اوروبا والغرب، ساهم في تراجع شعبية ماكرون، في مقابل اتساع  شعبية الاحزاب اليمينية الفرنسية المتطرفة وعلى راسها حزب “التجمع الوطني” الفرنسي المناهض للمسلمين بزعامة مارين لوبان.

اللافت ان لوبان ادركت ان ماكرون يحاول ان يزايد على خطابها المتطرف من اجل “سرقة” اصوات مناصريها، فدعت الى تخلي فرنسا عن تطبيق بعض مواد الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لمكافحة ما اسمته الإرهاب والإسلام الراديكالي، لأن قرارات المحكمة الدستورية في فرنسا يتم اتخاذها في كثير من الأحيان استنادا إلى تفسير قرارات للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومع مراعاة ممارستها القانونية.

واكدت لوبان ان تلك القرارات تمنع فرنسا من حماية نفسها من الإرهابيين، أو إبعادهم عن أراضيها، كما تجبر الدولة أيضا على السماح للإرهابيين المحتملين بدخول البلاد بناء على مبدأ لم شمل الأسر، ولا تسمح لفرنسا بابعاد الارهابي الى بلده الأصلي بحجة أنه قد يتعرض لسوء المعاملة هناك أو يحاكم بموجب قوانين لا تتفق مع المعايير الأوروبية.

من الواضح ان بوبان اثبتت عمليا لماكرون انه لن يستطيع مجاراتها في معاداة المسلمين والمهاجرين، وانها له بالمرصاد ولن تسمح له في اللعب في فناء دارها، ويبدو ان الايام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت التي ستتفتق عنها عبقرية اليمين واليمين المتطرف الفرنسي، في كيفية التضييق على المسلمين،  للحصول على اصوات العنصريين والمتطرفين الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم.

من المؤسف ان زعماء الاحزاب السياسية في بلد مثل فرنسا، يدعي انه مهد الحرية والديمقرطية وحقوق الانسان، تصل بهم الامور الى استخدام، دون خجل او حياء، لورقة الدين بهذا الشكل القذر في معاركهم الانتخابية لسرقة انصار بعضهم البعض، دون اي احترام لمواطنيهم من اتباع الديانات الاخرى وخاصة المسلمين، وهم يعلمون جيدا ان المسلمين براء من كل التهم التي يلصقونها بهم وبراء مما يرتكبه بعض المتطرفين والحمقى من الذين تتلاعب بهم نفس الجهات التي تقف وراء توقيتات نشر الصور المسئية للنبي صلى الله عليه واله وسلم.

*فيروز بغدادي

محرر الموقع : 2020 - 10 - 27