أسوة بالإمام الحسين.. المرجعية لا تحبذ المناظرات
    

المناظرة هذه الكلمة التي كثيرا ما تتردد الى مسامعنا وخصوصا بين السنة والشيعة والتي بفضل الوضع السياسي المضطرب والسيئ كثر استخدام هذه المفردة بين السياسيين والكتاب الذين يختلفون على فكرة سياسية او حدث معين.

دائما ما اسمع لماذا المرجعية وتحديدا السيد السيستاني لا يناظر او يرد على المتخرصين والافاكين والذين ينالون من المذهب ؟ فندافع نحن عن المرجعية  والحقيقة يكون الدفاع عنهم بشكل علمي واستنتاجي من خلال ما نرتئيه صحيحا في الدفاع عنهم هذا اولا وثانيا هنالك نوعان من المناظرات ايجابي وسلبي واذا ما حدثت مناظرة ما نخضعها لرواية الإمام الحسين (عليه السلام) في تشخيص المناظرة السلبية التي شخص الحسين (عليه السلام) صفاتها وأما التي تخلو من هذه الصفات  تكون ايجابية فما هي الرواية ؟ الرواية تقول ( روي إن رجلا قال للحسين عليه السلام اجلس حتى نتناظر في الدين فقال : يا هذا انا بصير بديني مكشوف على هداي فان كنت جاهلا بدينك فاذهب واطلبه ما لي وللمماراة ؟ وان الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه ويقول : ناظر الناس في الدين كي لا يظنوا بك العجز والجهل ثم ان  المراء لا يخلو من اربعة اوجه :

إما أن تتمارى انت وصاحبك فيما تعلمان فقد تركتما بذلك النصيحة وطلبتما الفضيحة وأضعتما ذلك العلم او تجهلانه فأظهرتما جهلا وتخاصمتما جهلا، او تعلمه انت فظلمت صاحبك بطلبك عثرته، او يعلمه صاحبك فتركت حرمته ولم تنزله منزلته.

وهذا كله محال فمن أنصف وقبل الحق وترك المماراة فقد اوثق ايمانه واحسن صحبة دينه وصان عقله ).

التعقيب والأبعاد

هنا لا اريد ان أقول إن الإمام الحسين (عليه السلام) وبقية المعصومين تكون لديهم ملكة من الله عز وجل في معرفة كوامن نفوس المتكلم معهم فكثيرا تأتي الاجابة منهم غيبية بفضل الله عز وجل وكان شأن الذي طلب المناظرة من الإمام الحسين (عليه السلام) ان يعرف الإمام الحسين (عليه السلام) الى ما يبغي هذا الجاهل وفي نفس الوقت اوضح الإمام (عليه السلام) الصفة السلبية التي قد يتصف بها من يعتقد انه عالم فيطلب من العلماء ان يناظروه وهذا الأمر حصل في تاريخ المرجعية مؤخرا، فهنالك الكثير من ادعى الاجتهاد والمناظرة وبمجرد طلبه المناظرة يكون قد خدش الوعاء الخلقي للذي يروم الاجتهاد فلا يكون اهلا لذلك.

شخص مثل الحسين (عليه السلام) عندما يعلم مقاصد طالب المناظرة كما ان له الثقة المطلقة بما علمه الله عز وجل من علوم جعلته حجة الله على الارض فكلمة انا بصير التي قالها الإمام (عليه السلام) لها أبعاد تفسيرية جمة توضح ما هو عليه من علوم وهذه العلوم يجب ان يرافقها الهداية الى ما يأمرنا الله عز وجل ان نهتدي اليه وهي الاصول الخمسة وفروعها ، فلو كان قصد المناظر الاستفهام والتعلم لما نهاه الإمام (عليه السلام) عن المناظرة بل لاستجاب الى أمره ولكن طالما العكس فسماها الإمام (عليه السلام) المماراة. والمعلوم لدى الائمة المعصومين (عليه السلام) ان قولهم وفعلهم حجة هذا من جانب ومن جانب آخر اذا ما صار حدث معين يكون المعصوم طرفا فيه فانه بعد توضيح الرأي الشرعي لهذا الحدث يقوم بشرح وتوضيح متعلقات هذا الحدث التي قد تحصل في المستقبل مضيفا اليها النصائح الإلهية الحقة التي يجب الالتزام بها حتى نتجنب مكاره وحرمات الله عز وجل وهذا ما حدث في هذه الرواية فبعد ان رفض الإمام الحسين (عليه السلام) المناظرة ووصفها بالمماراة وهذا دين وديدن الجهلة الذين يطلبون المناظرة.

في كتاب وصايا الرسول لزوج البتول جاء فيه (يا علي : من تعلم علما ليماري به السفهاء او يجادل به العلماء او ليدعو الناس الى نفسه فهو من اهل النار ــ  وصايا الرسول لزوج البتول ص61 ) ، فكلمة مماراة جاءت طبق الاصل مع حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) .  ثم عرج عليه السلام على الاحتمالات الوصفية لأخلاق وعلوم المتناظرين فذَكَرَ الاحتمالات والوجوه التي تجعل المناظرة سلبية وليست ايجابية والتي دائما ما يتصف بها المتناظرون في قناة المستقلة حتى المناظر من الإمامية فان المشاركة في مثل هكذا برنامج يعد دعاية للطرف الآخر بالرغم من حسن النية التي يتمتع بها المناظر الإمامي بحجة نصرة مذهب اهل البيت (عليه السلام)  فلو كان الطرفان المتناظران على مستوى عال من العلمية اذن ما فائدة المناظرة ؟

ولو كان احدهم أفضل من الآخر فهذا يبغي عثرة الآخر واذا كان الطرفان جاهلين إذن تضافا غباء الى غبائهما ، وإذا كان طالب المناظرة اقل علما من الآخر يكون كمن يريد انتهاك حرمة الأعلم منه وهذا كله يقود الى المماراة التي تؤدي الى جهنم كما جاء في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى الإمام علي (عليه السلام) .

هذه المعايير الاربعة ينظر اليها السيد السيستاني وعلى ضوئها ينأى بنفسه على الرد والمناظرة على اقل تقدير بشكل علني أما توضيح الاستفهامات ورد الشبهات فانه خصص لذلك مركزا تخصصيا يقوم على اثرها بالرد والتوضيح ..ولعلنا نقرأ الكثير من المناظرات التي تجري بين مستبصر وجهات اخرى التي كان ينتمي اليها سابقا وهذه المناظرات ليست بمماراة لان غاية الطرفين شرعية فالطرف الاول يحاول كسب الثاني لجنبه واقناعه بالتخلي عن ما يعتقده والطرف الآخر يحاول إقناع المستبصر بالعدول عما آل اليه فكره.

واما النقاش على امر مختلف عليه فهذا ومع حسن النية والتخلي عن حب الغلبة تكون المحاورة ذات فائدة اكثر مما هي سلبية ولكن اذا ما تجاوز احد منهم الحدود تكون المناظرة قد تجاوزت الخط الاحمر ودخلت الى الشد العصبي وقد يسفه احدهم الآخر فتكون وجها سلبيا آخر من وجوه المماراة.

أما ان ياتي شخص ويتصدى للمرجعية او الاجتهاد ويطالب بالمناظرة حتى يثبت انه الاعلم فهذه المماراة والحماقة بعينها.

سامي جواد كاظم

محرر الموقع : 2020 - 10 - 28