في ظل غياب حلول واقعية للأزمة الاقتصادية.. الاتفاقية العراقية الصينية تعود للواجهة
    

تؤشر عودة الاتفاقية العراقية الصينية إلى واجهة الوقائع والأحداث، وتصدرها المشهد مرة وبصورة مختلفة عن السابق، إلى إن ضغط الظروف الاقتصادية الحياتية على الدولة العراقية بمختلف مؤسساتها ومفاصلها وعلى الشارع العراقي بشتى عناوينه ومسمياته ومستوياته، دفع إلى البحث والتفتيش الموضوعي عن حلول ومخارج عملية وواقعية وسريعة، وبكلف واشتراطات اقل، وبمسالك ومسارات مختصرة وبعيدة عن متاهات البيروقراطية والروتين وقنوات الفساد.

في وسائل الإعلام، وعبر المنابر السياسية، وفي أوساط الرأي العام، بات الحديث عن الاتفاقية العراقية الصينية والدعوات إلى تفعيلها، يشغل الحيز الأكبر، في ظل عجز الحكومة عن التوصل إلى حلول واقعية وعملية وسريعة للازمة الاقتصادية الخانقة التي طالت لأول مرة رواتب موظفي الدولة، بحيث تسببت بتأخير صرفها لمدة شهرين، وبالتالي انعكس ذلك بصورة واضحة على مجمل حركة الأسواق ونشاط القطاع الخاص.

أبرمت الاتفاقية العراقية الصينية خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي على رأس وفد كبير ضم عشرات الوزراء والمحافظين والمستشارين والخبراء ورجال الاعمال في مختلف المجالات والاختصاصات الى الصين في الثالث والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر من العام الماضي 2019، حيث كانت بوادر وملامح التظاهرات الاحتجاجية بدأت تلوح في الافق، والمساعي المحمومة من قبل بعض الاطراف السياسية للاطاحة بالحكومة كانت قد تكشفت الى حد كبير، لذا كان من الطبيعي جدا ان تتعرض مبادرة عبد المهدي الى الكثير من الانتقادات والاعتراضات والتحفظات التي ساهمت في تأجيج الشارع، لتضيع الاتفاقية في موجة الاجواء السياسية والشعبية المشحونة بالتوتر والانفعال والفوضى، المترافقة مع حزمة المطاليب السلمية المشروعة.

ومن المؤسف انه لم يلتفت الكثيرون في حينه الى النقاط الايجابية الكثيرة في الاتفاقية مع الصين، وحتى من تحدث عنها وتناولها بالتحليل والتوضيح لم يجد اذانا صاغية من الاخرين، وربما ما زال الكثيرون يجهلون تلك النقاط الايجابية، رغم تصاعد المطالبات والدعوات الى العودة اليها وتفعيلها.

قرض ائتماني صيني

المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء السابق، الدكتور مظهر محمد صالح، يشير الى ان الاتفاقية العراقية الصينية عبارة عن قرض ائتماني صيني قدره عشرة مليارات دولار يتم تسديده الى بكين عبر وضع عائدات مائة ألف برميل من صادرات النفط الخام العراقي يوميا في حساب خاص في أحد البنوك الصينية، وتبلغ قيمة تلك العائدات نحو ملياري دولار في السنة بأسعار قُدرت حينها بخمسة وخمسين دولارا للبرميل الواحد، وتبلغ مدة الاتفاقية عشرين عاماً، والاتفاقية في اطارها العام تخلو من الشروط الجزائية، وتندرج ضمن اتفاقيات الصداقة، وفي حالة حصول خلاف يتم اللجوء إلى هيئات التحكيم الدولية، وهي قابلة للتمديد والزيادة إذا رغب الجانب العراقي.

ويوضح المستشار صالح ان الاتفاقية تشتمل على أمور عدة منها،  إنشاء صندوق عراقي- صيني للإعمار، تتولى الحكومة العراقية الاشراف عليه عبر البنك المركزي والحكومة الصينية بضمانة مؤسسة التأمين الصينية “ساينو شور”Sino sure”، تحجز فيه إيرادات مائة ألف برميل يومياً من النفط العراقي المباع إلى الصين، مقابل أن تضع الحكومة الصينية مبلغ عشرة مليارات دولار بفوائد مدعومة من قبلها، وفي حال نجحت الحزمة الأولى من المشاريع، وابدت الحكومة العراقية رغبتها رفع مستوى الاستثمارات، يتم رفع سقف إيرادات مبيعات النفط العراقي إلى ثلاثمائة ألف برميل يومياً، وبالمقابل تزيد الصين سقف الإقراض إلى ثلاثين مليار دولار، ثم يودع المبلغ في مصرف “سيتي بنك-الصين”، الذي يقوم لاحقاً بتحويله إلى حساب العراق في المجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في نيويورك (الذي يشرف على مبيعات النفط العراقي الإجمالية)، قبل أن يصار لتحويله الى حساب جديد يسمى “حساب الاستثمار”، ويتم إنشاء حساب آخر يسمى “خدمات الديون”، ويخصص لدعم نسبة الفائدة، ويستقطع مبلغه من حساب الاستثمار.

تطوير البنى التحتية

ومن ابرز المشاريع التي يفترض انجازها من خلال الاتفاقية، تطوير البنى التحتية والمنشات الحيوية، من قبيل المطارات والمدارس وتوسيع شبكات الطرق الخارجية والسكك الحديد، ومعالجة تلوث المياه، وبناء المجمعات السكنية، ومشاريع الطاقة، وغيرها.

رئيس لجنة الإعمار والخدمات النيابية وليد السهلاني، أكد إن “العراق يحتاج إلى تسليط الضوء على الخدمات وخاصة البنى التحتية من خلال  القطاع الخاص والاستثمار”، مضيفا أن “القروض ممكن أن تستثمر في البنى التحتية باتفاقنا مع وزير التخطيط خالد بتال للمشاريع الاستراتيجية، كمشاريع المجاري، ومشروع بناء الفاو الكبير، ومشروع القناة الجافة، ومشروع القطار المعلق“، مشيرا إلى أن “الطرق ناقشناها مع وزارة التخطيط وهيئة الاسثمار الوطنية ووزارة البلديات ومدير عام الطرق، وتحدثنا عن رؤية مختلفة، إذ ممكن أن تعطى الطرق للاستثمار”.

وتمتاز الاتفاقية العراقية الصينية، في أنها لا ترتب على العراق التزامات مالية مسبقة، ولا تتقاطع مع ضرورات ومقومات الأمن القومي واعتبارات السيادة الوطنية، ولا تنطوي على إملاءات، واكثر من ذلك كله، أنها ابرمت مع طرف دولي كبير ومهم وله ثقله الاقتصادي العالمي، لا توجد هناك عقد او اشكاليات في التعاطي معه، على العكس تماما من التعاطي مع الولايات المتحدة  الاميركية او اطراف دولية واقليمية كان لها دور سلبي في خلق وتعميق المشاكل والازمات السياسية والامنية في العراق على مدى ما يقارب من عقدين من الزمن، وربما ابعد من ذلك.

وتأسست رؤية عبد المهدي وفريقه الاستشاري على ابعاد واهداف اقتصادية وسياسية وامنية يمكن ان تتحقق من وراء الاتفاقية العراقية الصينية، وهذا ما اثار حفيظة واشنطن، التي سعت وما زالت الى ابقاء العراق تحت هيمنتها وسطوتها الكاملة، وهي رأت في تلك الاتفاقية تهديدا كبيرا وخطيرا لوجودها في العراق، واستهدافا لمشاريعها واجنداتها المستقبلية في عموم المنطقة، الامر الذي حدا بها الى توجيه اكبر قدر من الضغوط لعبد المهدي وحكومته بشتى السبل والوسائل والادوات.

وقد يكون التصور القائل ان ابتعاد عبد المهدي عن واشنطن واقترابه من بكين وطهران وانفتاحه على فضاءات دولية واقليمية لا تروق لواشنطن، كان احد اسباب التوجه لمحاصرته ومن ثم ارغامه على التنحي، قد يكون مثل هذا التصور واقعيا الى ابعد الحدود، بيد ان القوى التي ساهمت في الدفع بهذا الاتجاه، هي ذاتها اليوم راحت تدفع باتجاه تفعيل الاتفاقية العراقية الصينية، كأحد الحلول والخيارات المتاحة لمواجهة الازمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها البلاد في ظل جائحة كورونا وتراجع اسعار النفط، وعدم توفر البدائل المناسبة والكافية لتعويض العجز المالي الكبير، ناهيك عن التخبط الواضح للحكومة الحالية وعجزها عن العثور على مخارج مناسبة للازمة-كما اشرنا انفا- في وقت راحت الضغوط الشعبية تتسع مع تزايد ابعاد ومساحات الازمة الاقتصادية.

مطالبات بتفعيل لاتفاقية

واليوم فأن الخبراء والمختصين في الشؤون الاقتصادية، يربطون تدوير عجلة الاقتصاد العراقي، وتفعيل وتحريك القطاعات الاستثمارية، وتعزيز مشاريع البناء والإعمار، بإعادة إحياء الاتفاقية العراقية الصينية، خصوصا مع رغبة بكين وتفاعلها واستعدادها للسير قدما نحو الأمام في هذا الخيار.

النائب عن تحالف الفتح احمد الكناني، قال ان “حكومة الكاظمي ليس لديها حلول للازمة المالية والاقتصادية الحالية”، لافتا الى ان “تعامل الحكومة الحالية مع الاتفاقية الصينية خجول وكان على الكاظمي استثمارها وليس البحث عن بدائل عنها”، مضيفا ان “خطوات حكومة الكاظمي مقلقة للشارع فيما يخص الجانب الاقتصادي”، مبينا ان “الحكومة غير قادرة على تحقيق اي انجاز ولا يمكن مقارنتها بالحكومات السابقة”.

كما شدد النائب عن تحالف الفتح فاضل جابر على ضرورة استغلال الحكومة للاموال التي رصدها العراق لتنفيذ الاتفاقية الصينية، من اجل تنفيذ عدة مشاريع مهمة يحتاجها البلد، لافتا ان “العراق لديه اتفاقية مهمة وتعاون استراتيجي مع الجانب الصيني يجب ان يستثمر بالشكل الأمثل من اجل اعمار البلد وتطوير بناه التحتية وانشاء المشاريع المنتجة”.

وشدد على ضرورة “عدم ذهاب الحكومة نحو دول أخرى اقل شأناً من الصين من اجل تنفيذ المشاريع الاستراتيجية للعراق، في حين إن هناك أموال في الصندوق العراقي الصيني يجب استغلالها بالشكل الصحيح من اجل إحياء الاتفاقية بالشكل الصحيح”.

من جانبه طالب النائب عن تحالف سائرون علي سعدون اللامي رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى الإسراع بتنفيذ الاتفاقية العراقية الصينية، مؤكداً أنها ستسهم في حل مشاكل العراق، مبينا إنه من خلال الاتفاقية سنضمن أعمار البلد وإعادة البنى التحتية، لافتا، إلى أن انخفاض أسعار النفط و الأزمة المالية الحالية لا تمكن الحكومة من إيجاد مخرج للمشاكل.

هل يمكن إنقاذ الاقتصاد العراقي عبر الاتفاقية الصينية وميناء الفاو؟

عن هذا الموضوع يقول على أثير الخبير الاقتصادي عبد الحسن الشمري إن هذين الحلين بعيدا الأمد، في وقت يحتاج العراق فيه إلى حلول قريبة جداً، فميناء الفاو يحتاج إلى مدة ثلاث إلى أربع سنوات لإكماله، أما الاتفاقية العراقية- الصينية فليس لها علاقة بالأزمة الاقتصادية، كل ما هنالك يضع بموجبها العراق النفط مقابل مشاريع تقوم بها الشركات الصينية”.

وتابع الشمري بالقول، “نحن الآن في نهاية العام 2020 والاقتراض وصل فيه إلى 24 مليار دولار، فكيف سنستطيع حل الأزمة في العام القادم، لذا يجب البحث عن حلول أخرى توفر موارد للموازنة، أولها دعم القطاع الخاص”، مضيفا ان “ميناء الفاو الكبير وطريق الحرير ستكون مواردهما في السنة الأولى تتجاوز الخمسين مليار دولار، أي أكثر من إيرادات النفط بحدود 20‏%، أما بعد انتهاء إنجازهما بشكل كامل، فإنهما سيدران موارد تقدر بخمسمائة مليار دولار”.

هذا وتحدث السفير الصيني لدى العراق، تشانغ تاو، السبت، عن مشاريع كبيرة في العراق، فيما وصف الاتفاقية العراقية- الصينية بتسمية “النفط مقابل الإعمار”، مؤكدا أن “بلاده على استعداد لبذل جهود مشتركة مع الجانب العراقي لاستكشاف وتوسيع ملتقى مصالح البلدين باستمرار، وتحويل تفوق التعاون الصيني العراقي المتمثل في المستوى العالي من التكاملية الاقتصادية إلى نتائج تعاون ملموسة، وخلق المزيد من الفرص والمنصات للتبادلات الثقافية بين الجانبين، بما يدفع علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العراقية المضي قدما إلى الأمام باستمرار”.

محرر الموقع : 2020 - 12 - 01