إن الحديث عن دولة يختلف تماما عن حديث الوطن, فلو أردنا أن نبحث عنوطن اسمه العراق في أعماق التأريخ، لوجدنا شاخصا واضحا بيّنا في ثناياذلك التأريخ، خلدته كتابات وأشعار وحوادث كثيرة، ولكن عند الحديث عن دولةإسمها العراق، يجب علينا التوقف قليلا عندها . منذ عام 1921 وإلى يومنا هذا، كانت عملية صنع الدولة العراقية تمربمخاضات عديدة، وهي في اغلبها مخاضات تطوريّة، نقلت المجتمع ونخبه، منوعي الوطن : كقرية أو مدينة (كما فصّل فيها علي الوردي)، إلى وعي الدولة(كوطن)؛ معرقلات التكوين والتأسيس كانت في أغلبها تأتي من خلال مؤثرخارجي يصر على إبقاء العراق مكبلا بمفهوم الحديقة الخلفية – والحديقةالخلفية في أي بيت، عادة ما تكون مكانا ثانويا لخزن المواد أو رمي التالفمنها- حتى في حالة وجود قيادات كانت تتمظهر بمظهر القوة والبطشوالدكتاتورية, إلا ان مفهوم الحديقة الخلفية، لم يغادر العراق، باعتبارهجزءا من منطقة تستعر فيها صراعات جيوسياسية واقتصادية, عادة ما يكونالنفط والممرات البحرية هي عمدته. التأسيس لدولة عراقية مستقلة عن مفهوم (الحديقة الخلفية), يحتاج إلىعدد من القيادات المكافحة (وليست قيادة واحدة)، أي أن وجهة النظر التيتذهب إلى أن حل مشكلة العراق السياسية (كدولة), يكمن في منصب رئيسالوزراء, هي وجهة نظر غير دقيقة، لأن الفساد والخراب الذي يسري الآن فيالهيكل الوظيفي في الدولة العراقية، قد بلغ مستويات متطورة وخطيرة جدا،لا يمكن لشخص واحد أن يقوم بحلها أو تفكيكها، بل يجب خلق منظومة عملوظيفية متكاملة, تتناغم في عملها وأهدافها, وتتماها مع الخطط المدروسةالتي تضعها الجهات العليا, وأعتقد أن الفرصة الآن سانحة لتشكيل مثل هذاالفريق ! قد يختلف معي البعض في ان تشكيل مثل هذا الفريق هو أمر شبه مستحيل فيظل تشظي الاستحقاقات الانتخابية، وكثرة الأطراف المتشاركة، واحتدامالصراع على المناصب والمغانم السياسية، ولكن قراءة بسيطة للواقع السياسيبأبعاده المجتمعية والاقتصادية، وطبيعة ما يفرضه تراكم الوقائع، يقودناإلى أن كل الأحزاب والكتل السياسية قد أدركت تمام الإدراك، أن القطيعةالتي حصلت بينها (كطبقة سياسية حاكمة) وبين الشعب، لا يمكن حلها إلابتقديم تنازلات كبيرة، قد تحد أو تقلل من مقدار ما يتوقعون الحصول عليهفي الــ 4 سنوات القادمة، من مغانم ومكاسب ! إختيار عادل عبد المهدي كمستقل/ فتح باب الترشيح أمام عموم الشعبللمناصب الوزارية/ تصريح بعض القادة بعدم مشاركة رجالاتهم في منظومةالوزراء/ توافق الكل على ما يريده عبد المهدي من أجل تحقيق الإصلاح/ كلتلك الوقائع وغيرها تقودنا إلى ان كل ما يحصل الهدف منه هو : إما تخديرالشعب لأربع سنوات أخرى, عبر إتباع هذه الإجراءات التي تجعله يحس بنوع منالارتياح، وبالتالي التخفيف من احتقانه وثورته التي كانت ستودي بالحياةالسياسية؛ وإما أن هناك رغبة حقيقية في أن تجدد الكيانات السياسيةالكبيرة، عوامل وجودها وثباتها، عبر الذهاب نحو تحقيق دولة عراقية، وبناءأو توفير مقومات بناءها الصحيح، ومن ثم تحقيق مصالحة صادقة مع الشعب ! النظر إلى الجمهور والشعب كشريك استراتيجي في الحكم، سيجبر القوىالسياسية على تحقيق هذا النمط من المصالحة بينها وبين الشعب، مصالحةمنطلقة من فكرة تجمعهم وهي : العراق دولة، لا حديقة خلفية لدولة او دولأو إرادات أخرى !*دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة.
|