بين عملها ومنزلها ونظرة المجتمع إليها.. المرأة العراقية تصارع من أجل الحقوق
    

حوراء عطا الله

 

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: 74].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (رفقا بالقوارير)

 بعد عام 2003 فتحت الحكومة العراقية دوائر الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل، وخصصت رواتب للارامل والمطلقات، إلا أن الاموال المخصصة لم تكن تكفي لسداد الرمق، وبالكاد كانت تلبي هامشا من احتياجات المرأة الشخصية والمنزلية، ما اضطر المرأة إلى البحث عن عمل مناسب، يعينها على العيش بكرامة، وعدم الحاجة إلى مد اليد في ظرف يعاني منه كثيرون من الفاقة والعوز.

  ويتبادر إلى أذهان كل متصفح لتأريخ العراق الحديث بعد عام 1921، أن مكانة المراة العراقية وفق تقديرات المجتمع، ليست بالمستوى المطلوب، إذ تتكالب عليها الأحكام القاسية والمجحفة بحقها، كامرأة وأم وأخت وزوجة، فضلا عن كونها إنسانة، خلقها الله في أحسن تقويم، وقال فيها نبي الرحمة محمد (ص): "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة". غير أنها لم تنل حقها، على مدى الحكومات التي أمسكت بزمام أمور البلد بعد تأسيس الدولة العراقية.

 في استطلاع لشرائح مختلفة من المجتمع العراقي، يتضح لنا جليا أن الجميع متفق على أن المرأة العراقية، وُضعت تحت إمرة الرجل، ليس في البيت وحده، بل في العمل والشارع ودور العلم. إذ حجّمها معيتها وانحسرت خياراتها في طريقة عيشها، وصار لزاما عليها طاعة الرجل في كل شيء، حتى في خصوصياتها، بدءا من الأب والأخ، ثم الزوج، ثم الإبن، فضلا عن زميل العمل والجار وعابر السبيل. وكل هذا تحت أنظار المجتمع ودرايته وقبوله.

تقول الباحثة مروة حسن الجبوري في حديث عن المراة العراقية:

لايزال الحديث عن عمل المرأة مطروحا للنقاش في المجتمع العربي مع كل هذه التطورات بين القبول والرفض، فعندما يصل الموضوع الى المرأة يبدي المجتمع الذكوري رفضه المرأة العاملة، ويحتكر قدراتها التنافسية في مجال المطبخ لتكون سيدة بيت رائعة، وهذا ينافي دور المرأة وقدراتها كما هو المعروف أن النساء شقائق الرجل، ووراء كل رجل عظيم امرأه، فهي نصف المجتمع ولها دور هام في الحياة، يكمل دور الرجل، فإذا كانت نصف المجتمع يجب أن تسهم في تطوير المجتمع وتدفع بعجلته نحو الأمام. وقد استغل الإعلام والمؤسسات هذه النقطة لنصرة المرأة كونها حجر الأساس في بناء المجتمع وأخذوا يطلقون لها صيحات للمطالبة بحقوقها وتحريرها من العبودية والقيود العشائرية والمطالبة بمساواتها بالرجل. وفي الآونة الأخيرة لاح بصيص أمل بأن مكانتها وسط مجتمعها بدأت تتخذ وضعها الصحيح، فأصبحنا نرى المرأة تعمل في كافة مجالات الحياة، لإثبات ذاتها بجدارة، لتتفوق على الرجل وتشعر بقيمتها الاجتماعية وتتغلب على بعض العادات والتقاليد التي تبقي عليها في خانة الإهمال والتهميش. وقد اختلفت الآراء ووجهات النظر نحو عمل المرأة إلى قسمين؛ قسم مؤيد يؤيد عمل المرأة خارج البيت و يعتبرها شريكته في بناء المجتمع، و قسم يعارض عمل المرأة و يعتبر عملها الأساسي هو في تربية الأولاد وتجهيز الطعام.

أما المؤيدون فكان رايهم: ان المرأة العاملة هي رمز التضحية والتفوق فهي رغم أنها امرأة رقيقة القلب لكنها تجاوزت الصعاب فكانت واقفه مع الرجل في المؤسسات التعليمية والثقافية.

وأما المعارضون فكان جوابهم ذا طالع حاد على حسب قولهم ان المرأة العاملة لا تستطيع أن تؤدي واجباتها و أن الضغوط كثيرة ما بين البيت و العمل والأطفال. ولقد عانت المرأة العراقية كثيرا من سطوة التقاليد والعادات في السنين المظلمة.

 في مطلع الأربعينيات دخلت المرأة الحياة السياسية بتأسيس اللجنة النسائية لمكافحة الفاشية وكانت تضم بين صفوفها الطبقة الواعية من المثقفات وتم استبدال اسم هذه الجمعية إلى اسم الرابطة النسائية واصدرت في عام 1947 مجلة باسم «تحرير المرأة» الا انها اغلقت بعد صدور عددين منها فقط. كما اشتهرت نسوة في مجالات التوعية الدينية ونذكر في هذا المجال الاستاذة صابرة العزي (1918-1995) وهي الاستاذة خديجة محمود العزي السامرائي والأستاذة آمنة حيدر الصدر – بنت الهدى (1937-1980). كما ساهمت المرأة في مجال الصحافة والاعلام عند ظهور اول مجلة نسائية (ليلى) عام 1933 وكانت رئيسة تحريرها بولينا حسون التي طالبت بمنح المرأة حقوقها السياسية وبدأ تأسيس المنظمات النسائية الخيرية مثل الهلال الاحمر وجمعية حماية الاطفال وجمعية بيوت الأمة وجمعية البيت العربي، وأيضا الشاعرة نازك الملائكة في الشعر. وأخيرا وليس آخرا مبدعة العراق العالمية زها حديد التي رفعت اسم العراق عاليا في الهندسة المعمارية.

وللمحللة الاجتماعية إيمان الحسيني رأي يقول:

من المؤكد أن المرأة العراقية حديثة العصر لم تدخل عالم الابداع من الفراغ، استندت إلى حضارة نسائية عريقة ونظرت في أعماق المجتمع والقرارات التي ساندت المرأة وحافظت على حقوقها مراعاة الدين الاسلامي من باب المرأة ريحانه. فساعدت المؤسسات والدولة في بناء وإسهام المرأة ودخولها في دوائر الدولة واعتبارها الاساس الذي يعتمد عليه المجتمع في تقدمه وازدهاره وبناء جيل من النساء قوي يعرف حقوقه. ونحن اﻻن شارفنا على ولوج عام 2019 ومازالت هناك اشكاليات عدة تعاني منها المرأة العراقية لعل أبرزها:

  1. النساء العاملات في الزراعة مازالت حقوقهن غير مكفولة حيث ان عملهن مجاني، وغير مشمول بحماية قانون العمل والضمان اﻻجتماعي، وهذا يعد حرمانا من الحماية القانونية واﻻجتماعية للمرأة التي تمنح للقطاع الخاص.

  2. العاملات في القطاع الخاص غير مشموﻻت بالضمان اﻻجتماعي والتأمين، اما بسبب عملهن في معامل غير مجازة قانونا او بسبب عدم تسجيل جميع العاملين وعدم وجود رقابة دقيقة من قبل الدولة لالزام ارباب العمل بدفع التأمينات.

  3. الهيكلية اﻻدارية في المؤسسات العامة والخاصة والقطاع المختلط فيها تميز واضح ضد النساء بالرغم من عملهن في قطاعات كبيرة وتشكيلهن نسبة اﻻغلبية.

  4. المشاركة السياسية الضئيلة جدا في مواقع صنع القرار رغم نسبة الكوتا 25%من مقاعد البرلمان هي مخصصة للنساء ما يحد من التقدم في المطالبة بحقوق المرأة وتشريع القوانين الخاصة بها.

  وتكمن المشكلة اﻻساسية بالنسبة للنساء العاملات في عدم تفعيل القوانين واﻻليات التنفيذية القائمة على تطبيقها من اجل ضمان حصول المرأة على حقوقها. وهذا بسبب عدم جدية الحكومة في وضع سياسات تنفيذية لتطبيق القوانين. كما ان عدم وعي النساء انفسهن بحقوقهن وطرق الوصول لها، إضافة الى العادات والتقاليد التي تضع النساء في مرتبة اقل وخوف النساء العاملات من الجزاء الذي يترتب على المطالبة بحقوقهن كلها اسباب ادت الى حرمان المرأة العاملة من حقها في قانون العمل الذي اقرته منظمة العمل الدولية لعام 1981 وهي مساوة المرأة بالرجل في حقوق العمل. إضافة الى ذلك فان ثقافة المجتمع ساهمت بشكل سلبي في تردي اوضاع المرأة العاملة عن طريق حرمانها من فرص العمل وانتهاك حقوقها والتهميش المتعمد من جميع مراكز القرار.

________________

المصادر:

- القرآن الكريم

- دليل الأحاديث النبوية الشريفة

- الباحثة مروة حسن الجبوري

- الكاتبة إيمان الحسيني





محرر الموقع : 2018 - 12 - 09